التاريخ المبكر اللإسلام | الحلقة 22 | شهادة العملات العربية الأولى

أهلًا بكم مشاهدينا الكرام!

الحلقة الماضية تحدثنا عن العملات المتداولة في بداية فترة ما تُسمّى بالفتوحات العربية

وقدّمنا العُملات البيزنطية من دينار ذهبي والفلس البرونزي، وفي هذه الحلقة ننتقل للعمل الفارسية، وهي الدرهم الفضّي،

هذه الكلمة مُشتقة من الكلمة اليونانية (دراخما) ويُقابلها (راخام) باللغة الفارسية،

وقد ورد اسم هذه العُملة في (سورة يوسف الآية: 2) «وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ»

لتوضيح أنّ الدرهم كان للعُملات المتوّسطة،

بعد التعريف بالعُملات المتداولة في المناطق المفتوحة، جاءت عُملات معاوية التي تحدّثنا عنها

وبحسب خبير العُملات العربية الأستاذ “فولكر بوب D. Volker Bob ” هناك عملتين لمعاوية الأولى عليها صورة الحاكم العربي أي معاوية

وفي يده اليمنى صولجان أو ما يمسى بعصا الرعاية والحكم.

وفي اليد اليسرى قُفّة أو وعاء يحمل رأس يوحنا المعمدان أو ما يُسمى يحيى بن زكريا في (سورة النساء: الآية 157)

وبالتالي تكون هذه العملة إشارة لحماية قبر يوحنا المعمدان في دمشق،

وبحسب فرضية أخرى ينتمي أي معاوية للعقيدة المندائية أتباع يوحنا المعمدان،

المرجّح وبالتأكيد الفرضية الأولى، لأنه صلّى أي معاوية في الجُلجلثة وقبر العذراء وفي العُلمة الثانية يوجد صلبين في يده كما تدُلّ الحولية المارونية.

ولضرورة صكّ مزيد من العملات في العصر الأموي، نقف على قول “ابن خلدون” في (مقدمته) حيث قال: “اعلم: أنّ الدولة تكون في أولها بدويّة كما قُلنا، فتكون لذلك قليلة الحاجات لعدم التّرف وعوائده، فيكون خراجها وإنفاقها قليلًا، فيكون الجباية (أي الضرائب) حينئذ وفاء بأزيد منها، بل يُفضّل منها كثير عن حاجاتهم؟

لهذا السبب لم تكن هناك ضرورة لصكّ المزيد من العُملات حتى دخلت الدولة في الإنفاق بسخاء مما حتّم عليها إعادة صكّ العلامات المحلية

وكإشارة لهذه الإعادة جاءت هذه الكلمة اليونانيّة “KANON ” وتعني (جيّد) أو للتعبير عن صلاحيّة الإعادة

ولهذا السبب فكّروا أن يترجموا هذه الكلمة اليونانية للغة العربية، فجاءت كلمة (طيّب)، أي جيد وجائز كأول كلمة عربية في العملات البيزنطية والفارسية،

ومن هنا انطلقت عملية تعريب هذه العملات، فنجد اسم البلد لصك العملة كدمشق وحمص وحران وفلسطين وإيلياء وكذلك كلمة (ربي، الله، محمد).

ثم تركيب عبارة (الله ربي)، (بسم الله)، (محمد رسول الله)، وهكذا نجد هذه العبارات ورمز الصليب، أو السمكة التي تعني المسيح ابن الله المُخلّص، أو عبارة (محمد رسول الله)

أو  (المينوراه الشمعدان) اليهودي بخمسة شمعات للتعبير عن أسفار موسى الخمسة كما سبق وقد أشرنا في إحدى الحلقات

ليس هناك فقط رموز عقائدية كالصليب والمينوراه ولهيب النار المُقدّس في الزرادشتية

وإنما كذلك صور لحيوانات كالأسد والفيل والفرس والحمامة وغيرها، تعبير عن رمزيّة أو رمز البلاد، وهذه.. يعني كلّ هذه الرموز كانت تحت راية الإسلام كحُكم وليس كعقيدة،

فالموضوع استمر لعهد “عبد الملك بن مروان”، يعني أكتر من 50 سنة تحت الاحتلال

والسؤال المطروح: لماذا استمرت هذه الرموز العقائدية أكتر من نصف قرن على وجود الإسلام في هذه البلدان؟

الجواب ببساطة كما قُلنا: الدين الإسلامي هو حُكم وليس عقيدة، والتّأكّد من هذا الطرح نرى أنّ الدينار البيزنطي على سبيل المثال

عليه صليب فوق سُلّم، من أربع أدراج، وفي الجهة الأخرى هرقل وابنيه

هذا الدينار أزيح عنه الكلمات اليونانية، وعوّضت بعبارة (بسم الله، لا إله إلا الله وحده محمد رسول الله)

أو (باسم الله لا إله الله، وحده، مُحمد رسول الله)

وبدلًا من الصليب يوجد عامود ليس لأنهم لا يعتقدون بالصلب المسيح،

ولكن الأصل بحسب ثقافتهم، المسيح صلب على عامود الألآم (ستاورس) إلى صلب مجموع اليدين لا متفرقين

هناك فلس “لعبد الملك بن مروان” نادر جدًا عليه صورة عبد الملك بن مروان وابنه ولي العهد

وبينهما العامود ستاوروس، وهذا شيء خطير لأنّ الأباطرة البيزنطيين كانوا يضعون صورهم جنبًا إلى جنب أولياء العهد وبينهم صليب

بمعنى أنّ الإمبراطور يُعلن حسب العُلمة عن إعطاء ولاية العهد والعهد بينهما هو الصليب، أي الحفاظ على العقيدة المسيحية، ثمّ حُكم وإدارة الإمبراطورية،

فهل عبد الملك بن مروان، كان غشيمًا حتى يضع مثل هذا الرمز بينه وبين ولي العهد وهو مُحاط بجيش من المُستشارين والعلماء

الموضوع يُظهر عقيدته في تلك الفترة، وفجأة تغيّرت تمامًا إلى إزالة الصور والرموز من العُملات وظهور عبارات قرآنية، مثل (الله أحد الله الصمد، لم يلد ولم يولد)

فأين (قُل هو) كما هو في سورة الإخلاص، وبخاصة في ظلّ وجود مجال كافي لتكملة الآية الأولى، كما قلنا: من صورة الإخلاص

هل هي البدايات الأولى لجمع القُرآن؟ ما هو السبب المفاجئ الذي جعل عبد الملك بن مروان يتمرّد على البيزنطيين ويضع صورته في الأول، وحتى صورته ولي العهد بدلًا من صورة هرقل وأبنائه؟

الجواب أنّه لم يعُد بحاجة للرمزية البيزنطيّة، واستقل عنهم اقتصاديًا وسياسيًا

فأصبح يعتبر نفسه مُعادلًا للإمبراطور البيزنطي بل وأعلى منه شئنًا

للمزيد من المعلومات عن هذا التغيير المفاجئ، تابعونا في الحلقة القادمة، وإلى اللقاء!


Download text file

Early History of Islam 022

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 127 | سر ذبح بقرة موسى
أهلًا بالمُتابعين الأفاضل! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة القُرآن، ككتاب [...]
19 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 126 | البقرة الحمراء وبناء معبد اليهود في القدس
مرحبًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن البقرة الحمراء [...]
11 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 125 | بقرة موسى صفراء أم حمراء؟
أهلًا بالمُشاهدين الكرام! مازلنا في إطار الردّ على تعليق الحلقة [...]
11 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 124 | إشكالية نص القرآن (الرد على أحد التعليقات)
أهلًا وسهلًا بكم مرّة أخرى أعزائي الكرام! في الحلقات الماضية، كنا [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 123 | محمد لم يأت بدين جديد
أهلًا بكُم أحِبائي الكِرام. في الحلقة الماضية كنّا تحدّثنا عن كُتب [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 122 | القرآن هو أجبية وقريان العرب
أهلًا بكم أعزّائي الكرام! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة أصول القُرآن، [...]
14 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 121 | هل يجيد الرسول القراءة والكتابة؟
أهلًا بكم مُشاهديّ الكرام! بعد سلسلة من الحلقات حول القراءات [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 120 | إشكالية التنقيط في القرآن
تحيّة محبّة واحترام لكُم مُتابعينا الكرام! كنّا قد تكلّمنا في الحلقات [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 119 | أقدم طبعة للمصحف
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن ظهور القُرآن [...]
9 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 118 | فوضى القراءات المختلفة في للقرآن
تحية محبّة وأخوّة لكُم مُتابعينا الكرام! في الماضية كنّا بدأنا الحديث [...]
5 views

Page 1 of 13

اترك تعليقاً