التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة خاصة 10 | لماذا الخط الحجازي هو الأقدم من الكوفي؟

أهلًا بكم عزيزاتي أعزائي!

اليوم حلقة خاّصة لن أتطرّق فيها لمتابعة الحلقة الماضية،

ولكن أريد توضيح بعض الأمور كأصل الخطّ العربي وتطوّره،

بعدما احتج البعض دون تقديم دليل علمي على رفضهم ما قدمته سابقًا للحلقة الأولى لهذا البرنامج (التاريخ المبكر للإسلام)، أو في المحاضرات التي قدمتها أثناء لقاءات جامعوية أو على برنامج (صندوق الإسلام) للأستاذ “حامد عبد الصمد”

أصل الخطّ العربي وتطوّره، سبق وأن قلت: إنّ الخط الحجازي هو أقدم خط عربي نُسخ به القرآن هذا بإجماع مُعظم المتخصّصين في علم الخطاطة والمخطوطات

فالفكرة السائدة للأسف في العالم العربي: أنّ الخط الكوفي هو الأقدم على الإطلاق،

والبعض لا يزال يُشكّك ويدافع بكلّ قوّة على العقيدة التي ترسّخت منذ قديم،

ولتوضيح هذا الأمر، هناك طرقتين، الأولى من داخل الصندوق، والثانية خارجه

من داخل الصندوق وأعني به الموروث الإسلامي نفسه،

تُخبرنا أقدم المراجع التي تحدّثت عن الخط العربي وعلى رأسها (الفهرسة) لابن النديم المتوفى سنة 1047 ميلادية كما سبق وأن أشرت في الحلقة الثانية من هذا البرنامج

أنّ ابن النديم يُسمّي أقدم خط كتب به أو كتبت به المصاحف بالخط المكيّ المدنيّ. نسبة إلى مكة والمدينة،

فيصف هذا الخط بقوله، (ففي ألفاته تعويج إلى يمنة اليد وأعلا الأصابع وفي شكله انضجاع يسير) انتهى الوصف.

وعندما ننظر للخط المُسمّى الحجازي والخط الكوفي، نجد أنّ الخط الكوفي مُستقيم، ليس فيه مليان نحو اليمين

والصفات التي قدّمها ابن النّديم تتطابق تمامًا مع الخط الحجازي،

ننتقل إلى شخصية  أخرى عاصر ابن النديم، وهو “أبو الحيان التوحيدي” في رسائله فقط تحدّث هو الآخر عن 5 خطوط عربية وأقدمها الخط المدوّر،

ويعني به القلم اللّين أي ليس فيه زوايا مُستقيمة،

ثم يأتي في الرتبة الثانية المحرّر وهو القلم اليابس البسيط الذي يجمع بين اليُبس والليونة بمعنى انتقال تدريجي من الليونة إلى اليُبس

واستقامة الحروف أصبحت شيئًا فشيئًا وكأنّه يذكر لنا ما قدّمه الأستاذ “فرانسوا ديروش” في مقاله عن الكتابة العربية

عن تطور الحروف العربية بمعنى الخط الحجازي اللّين، يتطوّر نحو الاستقامة ليُعطينا الخط الكوفي اليابس المُستقيم.

وصولًا إلى الخط الكوفي المورّق وقد سمّاه أبو حيان التوحيد بالمُشجّر،

وسبب هذا التطوّر من اللّيونة إلى اليُبس المستقيم هو التأثر بالخط (استرنجيلو أو استرنجيلي السرياني) الذي كان شائعًا بقوة في تلك الفترة. أي القرن السابع والثامن الميلادي.

وبعد أكتر من أربع نجد مؤرخًا مصريًا اسمه “أبو العباس شهاب الدين أحمد بن علي بن أحمد القلقشندي” متوفى سنة 1418 ميلادي

يُشيع خبرًا مفاده أن الخط الكوفي هو أقدم الخطوط العربية على الإطلاق في كتابه (الأبحاث الجميلة في شرح العقيدة)

والسبب على الأرجح هو: ما تناقله الناس في بلاده أنّ المصحف الإمام الخليفة “عثمان بن عفان” عندهم بالخط الكوفي

وهو ما يُسمّى الآن بالمشهد الحسيني بالقاهرة،

ومن ثم شاعت هذه الفرضية ورسّخها الخطاط “أبو الفضل علمين” الذي عمل في البلاط أباطرة المغول ما بين أواخر السادس عشر وبداية القرن السابع عشر الميلادي

ولكن بواسطة الأبحاث العصرية اكتشافنا أنّ هذا المصحف الذي يدعون أنه يعود للخليفة عثمان وعليه دمه، به أربع قراءات مُختلفة داخل هذا المصحف

مما يؤكّد أنه أخذ عن أربع مصاحف مختلفة على الأقلّ،

وقد انتبه الدكتور طيّار “ألتيكولاج” التركي الأصل والمسلم العقيدة إلى هذه المُعضلة فأطلق عليه اسم (المصحف الشريف المنسوب إلى عثمان بن عفّان رضي الله عنه) نسخة المشهد الحسيني بالقاهرة

ومن داخل الصندوق فالأخصائي في الفن والهندسة المعمارية الإسلامية من جامعة نيويورك أبو ظبي الدكتور “ياسر طبّاع” يُهاجم “فرانسوا ديروش” الأخصائي في علم الخطاطة والمخطوطات، على قوله بأقدمية الخط الحجازي على الكوفي ويُخطّأ المنهجية العلمية التي يتبعها الأستاذ ” ديروش” والدليل العلمي عنده أنّ “ديروش” اعتمد على قول “أبو الفرج محمد بن إسحاق بن نديم” الشيعي. يا سلام!

وكأنّ الشيعة أعداء الله لا يجوز الأخذ عنهم يدون أن يعلم الأستاذ “ياسر” أنّ القول بالخط الحجازي هو شبه إجماع عند المُتخصّصين من خارج الصندوق

كالعلامة “تيودر نولدكه” في كتابه (تاريخ القرآن)، والأستاذة “ماري جينفيف جيسدون” رئيسة قسم المخطوطات الإسلامية بالمكتبة الوطنية الفرنسية

والأستاذ “جيور كوين” الذي حقّق ورمم مخطوطات صنعاء الشهيرة

والأستاذ “ماركوس جروس” مُتخصّص في اللسانيّات واللغات السامية والتاريخ المبكر للإسلام،

والأستاذ ” روبرت كير” المتخّصص في النقوش واللغات القديمة اللائحة طويلة من الأخصائيين في هذا المجال

وكلهم يعتمدون على الجانب العلمي وليس على ما يُشاع في المراجع الإسلامية.

السبب كذلك في نشر إشاعة أقدم الخطوط.. أقدم الخط الكوفي هو وجود رسائل تُقلّد الخط الكوفي منسوبه إلى الرسول نفسه

وهي الرسائل التي بعثها الأباطرة.. بعثها الرسول إلى الأباطرة الروم والفُرس وملوك مصر والبحرين وعليها خاتم ادّعوا أنّه خاتم الرسول مكتوب عليه (الله رسول محمد).

خالفة تمامًا للعملات المبكرة للإسلام مكتوب عليها (محمد رسول الله)

ولا يعرفون أنّ الكتابة من تحت لفوق هي طريقة وجدت عند وجود الخط الطغرائي وتُسمّى الطريقة (الإستف) يعني تزوير في تزوير

ولتكملة موضوع الحلقة انتظرونا في حلقة أخرى خاصة كذلك، وإلى اللقاء!


download text file

Early History of Islam 010

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 127 | سر ذبح بقرة موسى
أهلًا بالمُتابعين الأفاضل! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة القُرآن، ككتاب [...]
20 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 126 | البقرة الحمراء وبناء معبد اليهود في القدس
مرحبًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن البقرة الحمراء [...]
12 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 125 | بقرة موسى صفراء أم حمراء؟
أهلًا بالمُشاهدين الكرام! مازلنا في إطار الردّ على تعليق الحلقة [...]
11 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 124 | إشكالية نص القرآن (الرد على أحد التعليقات)
أهلًا وسهلًا بكم مرّة أخرى أعزائي الكرام! في الحلقات الماضية، كنا [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 123 | محمد لم يأت بدين جديد
أهلًا بكُم أحِبائي الكِرام. في الحلقة الماضية كنّا تحدّثنا عن كُتب [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 122 | القرآن هو أجبية وقريان العرب
أهلًا بكم أعزّائي الكرام! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة أصول القُرآن، [...]
15 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 121 | هل يجيد الرسول القراءة والكتابة؟
أهلًا بكم مُشاهديّ الكرام! بعد سلسلة من الحلقات حول القراءات [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 120 | إشكالية التنقيط في القرآن
تحيّة محبّة واحترام لكُم مُتابعينا الكرام! كنّا قد تكلّمنا في الحلقات [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 119 | أقدم طبعة للمصحف
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن ظهور القُرآن [...]
9 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 118 | فوضى القراءات المختلفة في للقرآن
تحية محبّة وأخوّة لكُم مُتابعينا الكرام! في الماضية كنّا بدأنا الحديث [...]
5 views

Page 1 of 13

اترك تعليقاً