التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 107 | مَلَكَة اليمين (الجزءالثاني)

أهلًا بالجُمهور الكريم!

في الحلقة الماضية تحدّثنا عن موضوع ملكت اليمين، ووصلنا لنتيجة بأنّ نكاح هذه الفئة من النساء (ملكت اليمن) بين قوسين

تطلّب إذن من الأهل ودفع مهر وكتابة عقد بين الطرفين

وهذه الشروط لا تُطابق شروط نكاح الإيماء عند فقهاء الإسلام

وهذا ما جعلنا نطرح سؤلًا مهمًا في نهاية الحلقة أي نوع من النكاح هذا وما هو مفهوم ملكت الأيمان؟

بالرجوع للآيات ال 14 في القُرآن التي تتضمّن عبارة ملكت أيمانكم، لم نجد أي نوع أخر من الزيجات غير زواج الإيماء

نظرًا لعدّة أسباب أهمّها، أولًا: ليس هناك تساوي بين المُحصنات المؤمنات وملكت الأيمان

كما هو واضح في بداية الآية 25 من سورة النساء «وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ…» إلى أخره. (النساء: 25)

وهي إشارة لقلّة الوسيلة المادة أو الوسيلة الماديّة لنكاح المُحصنات المؤمنات، ربّما لغلاء المهور بالمُقارنة مع مهر الآمة

وهو كما يبدو نصف مهر الحرّة، ولهذا السبب يأتي العقاب بنصف عقاب الحرّة في حال وقوع فاحشة، كما هو جليّ في أخر الآية «…فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ…» إلى أخره (النساء: 25)

وعندما يتحدّث القُرآن عن العُقوبات عند ارتكاب الفاحشة، والتي معناها الزنا، يُذكّرنا بالهدف المنشود وراء تشريع عقد النكاح وشروطه

أي القضاء على الزنا تمامًا، ولهذا قال: «… وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا…» إلى أخره. (النور: 33)

وذلك في الآية 33 من سورة النور، حيث إنّ المُعاشرة الجنسيّة بين رجل وامرأة في التشريع القُرآني لا يتمّ إلّا في إطار عقد نكاح، ولهذا أشار مرّات عديدة لموضوع كتب الكتاب ودفع المهر وموافقة الأهل وحضور الشهود على هذا العقد

والجماع خارج هذا الإطار التشريعي يُعتبر زنا، وفاحشة يجب الابتعاد عنه بموجب الآية 32 من سورة الإسراء «وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا» (الإسراء: 32)

لأنّ الزنا بحسب الشريعة في كلّ الديانات الإبراهيميّة هي مُعاشرة الرجل للمرأة دون عقد زواج، ووطء الآمة دون هذا العقد يُعتبر زنا

وإلّا يكون هذا التشريع ظُلمًا مركبًا في المرأة التي اختُطفت من أهلها وزوجها وبلدها تحت مُبرّر واهٍ وهي السبي

ويُضاف ظلم أخر على هذا الظُلم بوطئها دون رغبتها، وموافقتها وكتب عقد على أنّها راضية أمام الشهود بهذا الزواج ومُطمئنة لرضا أهلها، وفرحة بالتمتع بمهرها، وضمان ارتفاع مكانتها الاجتماعية من آمة خادمة إلى زوجة وربّة بيت

حيث يضمن هذا العقد كذلك حقّها في النفقة والكسوة والسُكنى وكلّ ما يتعلّق بحقوق الزوجية

وإلّا فما أتى به القُرآن، فالآمة قبل الإسلام كان لها حُقوق أفضل ممّا قدّمه عُلماء الإسلام لها

وليس القُرآن، لأنّ القُرآن بموجب الآيات التي سبق ذكرها خاصة في سورتيّ النساء والنور يضمن لها هذه الحقوق

والتي حرمها عُلماء الإسلام منها بتفسيرهم غير الموفّق،

الشريعة اليهودية والمسيحية قبل الإسلام أعطت لسبية الحرب حُقوقًا لم يستطع عُلماء الإسلام حتّى التفكير فيها،

لغياب لغة المنطق في تفاسيرهم للنصّ القُرآني، ودون الاكتراث لما كانت عليه مثل هذه الأمور قبله

على سبيل المثال: إذا أراد اليهودي أخذ سبية حرب لبيته ليُعاشرها، عليه شروط وتشريعات لا يستطيع تخطّيها

فيجب عليه أن يحلِق شعرها، ويُقلّم أظفارها، ثم يُغيّر ملابسها، ويترُكها في بيته لمُدّة شهر كامل تبكي أقرباءها

وبعد ذلك إن أعجبته يحُلّ له الزواج بها كما يتزوّج من اليهودية الحرّة

وفي حال لم تُعجبه يُطلق سبيلها، ويعتقها ولا يبيعها في سوق النّخاسة

حيث جاء في التوراة سفر التثنية الإصحاح 21 من العدد 10 إلى 14 يقول النص: «إِذَا خَرَجْتَ لِمُحَارَبَةِ أَعْدَائِكَ وَدَفَعَهُمُ الرَّبُّ إِلهُكَ إِلَى يَدِكَ، وَسَبَيْتَ مِنْهُمْ سَبْيًا، وَرَأَيْتَ فِي السَّبْيِ امْرَأَةً جَمِيلَةَ الصُّورَةِ، وَالْتَصَقْتَ بِهَا وَاتَّخَذْتَهَا لَكَ زَوْجَةً، فَحِينَ تُدْخِلُهَا إِلَى بَيْتِكَ تَحْلِقُ رَأْسَهَا وَتُقَلِّمُ أَظْفَارَهَا وَتَنْزِعُ ثِيَابَ سَبْيِهَا عَنْهَا، وَتَقْعُدُ فِي بَيْتِكَ وَتَبْكِي أَبَاهَا وَأُمَّهَا شَهْرًا مِنَ الزَّمَانِ، ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ تَدْخُلُ عَلَيْهَا وَتَتَزَوَّجُ بِهَا، فَتَكُونُ لَكَ زَوْجَةً. وَإِنْ لَمْ تُسَرَّ بِهَا فَأَطْلِقْهَا لِنَفْسِهَا. لاَ تَبِعْهَا بَيْعًا بِفِضَّةٍ، وَلاَ تَسْتَرِقَّهَا مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ قَدْ أَذْلَلْتَهَا.» (التثنية 21: 10 – 14)

انظر عزيزي المُشاهد لهذه الآيات من التوراة، وقارنها بالتشريع الإسلامي، فتلاحظ بنفسك الفرق الشاسع بين تشريعين

أمّا في المسيحيّة فالموضوع أكثر رُقيًا وإنسانيّة، فحتّى مُجرّد النظر لامرأة غير الزوجة، بنظرة شهوانيّة يُعتبر زنا

كما ورد في إنجيل متّى الإصحاح 5 العدد 28 يقول السيّد المسيح: «وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ.» (متى 5: 28)

 انظروا إلى هذا التشريع، فالخطيئة نابعة من العقل أولًا قبل أن تكون فعلًا

ومُعالجة الخطيّة تتمّ من الدّاخل قبل الفعل، فإذا كان وضع الآمة أفضل قبل الإسلام لما كان لها من حُقوق

فما الخير إذا في تشريعه لهذه المرأة المسكينة؟! قد تكون بنتك أو أختك أو أمك أو زوجتك المصون لا قدّر الله

فليس من المعقول أن يأتي كتاب مُقدّس بعد أكتر من 600 سنة على وجود التوراة والأناجيل بأقل ما أتت به هذه الكتب المُقدّسة

وبالرجوع لمفهوم العبارة نفسها ملكت أيمانكم في القُرآن، نجد فيها دلالة لُغوية على هذا العقد المنسي عند علماء الإسلام

وكما قال الدكتور كرستوفر لوكسمبرج بموجب علم الفيلولوجيا أو علم فقه اللغة المُقارن

أنّ معنى عبارة ملكت يمينًا تعني حلفت يمينًا أمام القاضي أو العدول على الزواج بها والإحسان إليها

إذًا النصّ القُرآني قدّم حُقوقًا لملكت يمين بحسب سورة النساء التشريعية وسورة النور التوضيحيّة

لكن اغتصب عُلماء الإسلام هذه الحُقوق خطأ، أو عمدًا،

وأصبحت أسيرة الحرب مُكافأة جنسية دون حقوق للمقاتل في ساحة الحرب أو للغنيّ الذي يملك ثمن هذه الآمة

حاول النصّ القُرآني مُحاربة الفاحشة والزنا، ليكون أفضل من التوراة في تشريعه،

لكن عُلماء الإسلام جهلًا أو خطأ قاموا بإبطال عقد نكاح السبية، وتركوها لُعبة في يدي الجهادين والدواعش، يستمتعون بها

ثمّ يبيعونها بعد اشباع غريزتهم الجنسية في سوق النخاسة بأبشع الصور التعدّي على حقوق الإنسان

نكتفي بهذا القدر، وإلى اللقاء في الحلقة المُقبلة!


Download text file

Early History of Islam 107

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 127 | سر ذبح بقرة موسى
أهلًا بالمُتابعين الأفاضل! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة القُرآن، ككتاب [...]
20 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 126 | البقرة الحمراء وبناء معبد اليهود في القدس
مرحبًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن البقرة الحمراء [...]
12 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 125 | بقرة موسى صفراء أم حمراء؟
أهلًا بالمُشاهدين الكرام! مازلنا في إطار الردّ على تعليق الحلقة [...]
11 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 124 | إشكالية نص القرآن (الرد على أحد التعليقات)
أهلًا وسهلًا بكم مرّة أخرى أعزائي الكرام! في الحلقات الماضية، كنا [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 123 | محمد لم يأت بدين جديد
أهلًا بكُم أحِبائي الكِرام. في الحلقة الماضية كنّا تحدّثنا عن كُتب [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 122 | القرآن هو أجبية وقريان العرب
أهلًا بكم أعزّائي الكرام! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة أصول القُرآن، [...]
15 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 121 | هل يجيد الرسول القراءة والكتابة؟
أهلًا بكم مُشاهديّ الكرام! بعد سلسلة من الحلقات حول القراءات [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 120 | إشكالية التنقيط في القرآن
تحيّة محبّة واحترام لكُم مُتابعينا الكرام! كنّا قد تكلّمنا في الحلقات [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 119 | أقدم طبعة للمصحف
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن ظهور القُرآن [...]
9 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 118 | فوضى القراءات المختلفة في للقرآن
تحية محبّة وأخوّة لكُم مُتابعينا الكرام! في الماضية كنّا بدأنا الحديث [...]
5 views

Page 1 of 13

اترك تعليقاً