التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 111 | شواهد على مكة بالعراق

أهلًا بالمُتابعين الكرام!

في الحلقة الماضية تحدّثنا عن الفق ما بين الكعبة والحرم،

ووصلنا لنتيجة مفادها أن بناء قبّة الصخرة على شكل دائري له ثمانية أضلاع Octagon ثُلاثي الأبعاد

فهو يُمثّل تمامًا شكل الكعبة الحقيقية، التي تتماشى مع معنى عبارة “كواعب أترابا”، وكعب الرجل،

بينما الشكل الهندسي الموجود في مكّة المُسمّاة كعبة، فهو مُربّع الشكل، ثُلاثي الأبعاد،

يُمثّل الحرم، لحُرمته وعدم دخوله إلّا بشروط صارمة، والنتيجة تتلخّص في عبارتين، حرم مكة أو الحرم المكي، وكعبة صخرة المقدس أو قبّة الصخرة

وبما أنّ السؤال هو ما الفرق ما بين الكعبة والحرم، فقد جاء في إطار الوقوف على تاريخية مكّة الحالية.

وقُلنا: بأنّ مكة لم نجد لها أي ذكر قبل القرن الثاني الهجري في أي كتابات المؤرّخين والرحّالة والمُبشّرين والتجّار والقادة العسكريين

مرورًا عبر سلسلة من المؤرّخين والعسكريين الذين زاروا بلاد العرب، أو كتبوا عنها مُنذ القرن الخامس قبل الميلاد

مع المؤرخ اليوناني Herodotus إلى القرن السابع الميلادي عصر ظهور الإسلام، مع المؤرخ الأرميني سيبيوس

ورأينا كذلك أين تقع ماكورابا، التي ذكرها بطليموس الإسكندري وحدّد موقعها بين مدينة جازان Centos أقصى الجنوب الغربي للسعودية، ومدينة لحي Thebe، داخل الحدود اليمنية

أي الموقع الذي ذكره بطليموس بعيدًا عن مكّة بأكثر من 700 كيلو متر،

والنتيجة النهائية أنّه لا ذكر لمكة عند هؤلاء المؤرّخين الذين وصفوا لنا بلاد العرب وقبائلها، ومُعتقداتها وعادتها وتقاليدها

نعم ذُكرت مدينة يثرب، المدينة المنورة، بالاسم Lathripa في منطقة أرابيا ديزيرتا

وليس هنا أي إشكاليّة في تاريخيتها قبل الإسلام، وقد طرحنا سؤالًا مهمّا وهو: ألا يوجد في التاريخ راحلة أو مُبشّر أو مؤرّخ أو قائد عسكري ذكر مكة من قريب أو بعيد؟

وتركنا الجواب لأهل الاختصاص في مادّة التاريخ المُبكّر للإسلام، وكذلك لأصحاب العقيدة بتاريخيّة مكّة قبل الإسلام

ولكن السؤال المُلِح لنا كمُشكّكين في الرواية الإسلامية التي ولدت في بدايات العصر العباسي،

أين ولد الرسول محمّد بن عبد الله وأين عاش نصف قرن من حياته قبل ما يُسّمى بالهجرة في ظلّ غياب مكّة عن الخريطة الجُغرافية للعالم القديم؟

فأقدم ذكرٍ لمكّة في التاريخ بعد مخطوطات القُرآن القديمة، جاء في مُنتصف القرن الثامن الميلاديّ، في خلافة أحد أبناء الوليد بن عبد الملك، وذلك في الحولية البيزنطية العربية ما بين 741 إلى 754 ميلاديّة

ولا نعرف من هو كاتب هذه الحولية، لكنّه ذكر معلومات جدّ مهمّة تخُصّ أخبار 3 مناطق، وهي إسبانيا بنسبة 9% يوثّق فيها باختصار سلسلة من الحُكّام القوطيين في شبه الجزيرة الإبرية

ابتدأ من القرن السابع الميلادي إلى منتصفه، ثمّ بيزنطة وسلسلة الأباطرة الروم البيزنطيين بنسبة 29 %

ثمّ سلسلة حُكّام السراسين، بين قوسين (العرب) ابتدأً من محمّد إلى أحد أحفاد عبد الملك بن مروان بنسبة 62%

واهتمام الكاتب بذكر الحكام القوطيين باختصار وتسمية العرب بالسراسين يُظهر أنّه من أصل إسباني

وقد ذكر معلومات عفوًا خطيرة وثّق لوجود محمّد التاريخي، وبعده الخلفاء الثلاث، أبو بكر وعُمر وعثمان

ولكنّه لم يذكُر علي بن أبي طالب، وكأنّه لم يكُن موجودًا،

وهذا يُخالف الحولية المارونية التي ذكرت أبو تُراب وهو عليّ بن أبي طالب، ويُخالف كذلك دخول محمّد نبي العرب لأرض فلسطين سنة 634 ميلادية

وهنا يبرُز لُغز مُحيّر، فهل نُصدّق الحولية الأولى، والشهود العيان كما جاء في Doctrina Jacobi أو نُصدّق هذه الحولية التي كُتبت في مُنتصف القرن الثامن الميلادي؟

وأهمّ ما جاء في هذه الحولية أنّها تذكُر موقع مكّة الجُغرافي، وتُحدّدها ما بين مدينة أور كلدان، وبلاد ما بين النهرين.

ولا نعرف لماذا هذا الموقع بالضبط، فهل تأثّر الكاتب بما جاء بالقُرآن في الآيتين 125 من سورة البقرة «وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ» (البقرة: 125)

والآية 96 من آل عمران، التي تقول: «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ» (آل عمران: 96)، إنّها أي مكّة مقام إبراهيم

وبهذا افترض أنّ القُرآن قد وصل كاملًا إلى إسبانيا في تلك الفترة، أي منتصف القرن الثامن الميلادي

أو بالفعل كان موقع مكّة الجُغرافي بالعراق، في تلك الفترة.

وما يُعزّز هذا الطرح الأخير، وجود شهادة أخرى في رسالة وجواب في عصر بطريرك الكنيسة الشرقية يشوعياب الثالث الذي توفّي سنة 659 ميلاديّة

الرسالة الأولى منه إلى شمعون مُطران رواردا شير مُقاطعة فارس، تضُمّ كذلك عدادًا من الأبرشيات في شمال شبه الجزيرة العربية عفوًا!

الذي رفض الطاعة ليشوعياب الثالث، وأراد الانفصال عنه بعد أن رسمه جثليقًا بين قوسين (أي مُشرف على الأُسقفيات)

تقول الرسالة: الهراطقة يخدعونكم بين قوسين (عندما يقولون) إنّ الأمور التي تحدُث وقعت بأمر من العرب، وهذا بالتأكيد ليس هو الحال، هؤلاء Tayyaye المُهاجرين بين قوسين (العرب) لا يُساعدوا الذين يقولون إنّ الله ربّ الجميع، قد تألّم ومات. وإذا ساعدوهم بالصُدفة لأيّ سبب من الأسباب يُمكنك أن تُبلّغ المُهاجرين وتحُاول أن تُقنع بهذا الأمر كما ينبغي، لو أنت مُهتمّ به على الإطلاق. لهذا فاصنع كلّ شيء بحكمة. يا أخي أعطوا ما للقيصر للقيصر، وما لله لله،

فردّ عليه شمعون برسالة تقول: أنتم فقط من دون جميع شعوب الأرض، أصبحتم مُنعزلون عن الجميع وبسبب هذه العُزلة انتشر بسهولة تأثير الخطأ الحالي بينكم، لأنّ الذي أغواكم واقتلع كنائسكم قد شوهد بيننا لأوّل مرّة بالقُرب من منطقة رزان، حيث الأحناف أكثر عددًا من المسيحيين. ومع ذلك، بسبب السلوك الجدير بالثناء للمسيحيين في عدم تضليل الغاوي لهؤلاء الأحناف، بل تمّ طرده بالعار من هناك، ليس فقط أنه فشل في اقتلاع الكنائس من جُذوها، بل هو أيضًا تمّ استئصاله، ومع ذلك استقبلته منطقتكم من بلاد فارس، وفعل مع الأحناف والمسيحيّين كما شاء بطاعة ورضا الأحناف وعدم فعالية المسيحيين وصمتهم. أمّا بالنسبة للعرب الذي منهم الله في هذا الوقت السلطان، أو السلطة على العالم، فأنتم تعلمون جيدًا كيف يتصرّفون تجاهنا ليس لأنّهم لا يُعارضون المسيحيّة فقط، ولكنّهم يمدحون عقيدتنا ويحترموا القدسين والرهبان، ويُساعدون الكنائس والأديرة. ولماذا إذًا يرفض مروانيكم إيمانهم بين قوسين (العرب) بزريعة إيمانهم بين قوسين (أتباع الغاوي) في حين اعترف أهل مرو أنفسهم بأنّ العرب لم يجبروهم على التخلّي عن عقيدتهم، بل طلبوا منه فقط التخلّي عن نصف ممتلكاتهم في مُقابل الاحتفاظ بإيمانهم. لكنّهم تركوا إيمانهم الذي هو باقٍ لهم، واحتفظوا بنصف ثروتهم الزائلة.

نكتفي بهذا القدر، ونُكمل الموضوع في الحلقة القادمة، لنعرف هويّة الغاوي، وهل مكة كانت فعلًا في العراق؟ وإلى اللقاء!


Download text file

Early History of Islam 111

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 127 | سر ذبح بقرة موسى
أهلًا بالمُتابعين الأفاضل! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة القُرآن، ككتاب [...]
20 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 126 | البقرة الحمراء وبناء معبد اليهود في القدس
مرحبًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن البقرة الحمراء [...]
12 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 125 | بقرة موسى صفراء أم حمراء؟
أهلًا بالمُشاهدين الكرام! مازلنا في إطار الردّ على تعليق الحلقة [...]
11 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 124 | إشكالية نص القرآن (الرد على أحد التعليقات)
أهلًا وسهلًا بكم مرّة أخرى أعزائي الكرام! في الحلقات الماضية، كنا [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 123 | محمد لم يأت بدين جديد
أهلًا بكُم أحِبائي الكِرام. في الحلقة الماضية كنّا تحدّثنا عن كُتب [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 122 | القرآن هو أجبية وقريان العرب
أهلًا بكم أعزّائي الكرام! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة أصول القُرآن، [...]
15 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 121 | هل يجيد الرسول القراءة والكتابة؟
أهلًا بكم مُشاهديّ الكرام! بعد سلسلة من الحلقات حول القراءات [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 120 | إشكالية التنقيط في القرآن
تحيّة محبّة واحترام لكُم مُتابعينا الكرام! كنّا قد تكلّمنا في الحلقات [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 119 | أقدم طبعة للمصحف
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن ظهور القُرآن [...]
9 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 118 | فوضى القراءات المختلفة في للقرآن
تحية محبّة وأخوّة لكُم مُتابعينا الكرام! في الماضية كنّا بدأنا الحديث [...]
5 views

Page 1 of 13

اترك تعليقاً