التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 17 | معنى كلمة أثاثا وتقديس يوم الجمعة

أهلًا وسهلًا بالجمهور الكريم!

في الحلقة السابقة تكلمنا عن معنى كلمة سورة وآية. وقلنا: أن كلمة آية هي في الأصل آثا

طبعًا قبل التنقيط ومعناها علامة، إشارة، دلالة، أعجوبة، راية إلى آخره..

وقد تركنا سؤالًا دون جواب، هل النص القرآني يؤكد أن اللمة كانت في الأصل آثا؟

قبل أن نحدد الآثا أو الآية التي تؤكد ما وصلنا إليه، يجب أن نعرف تصغير كلمة آثا هي (أثوثا) وجمعها (أثواثا) كما رأينا طبعًا في قاموس (منّا) الكلداني العربي

وهذه الكلمة بالجمع موجودة في سورة مريم «وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا» (مريم: 74)

لكنّ الكلمة أثاثا ليس فيها حرف واو بالوسط

نعم، عند نقل بعض الكلمات من اللغة السريانية للسان العربي، ينقلب الواو ألف

كما هو في كلمة صلوة – صلاة – زكوة – زكاة – حيوة – حياة إلى آخره.

وقد يحتج أحدكم بأن هذا فيما يخص صيغة الإفراد، ولكنّ الكلمة أثاثا بالجمع

ككلمة صلوة في الجمع تصبح صلوات بالواو والألف،

وهنا لا نجد في صيغة الجمع، نعم هذا صحيح

ولكنّ، الجمع في اللغة السريانية لا تنقلب بنفس الصيغة للسان العربي مثل كلمة راعي جمع رعاة بالسرياني رعيا جمع (رعيواتا)

وبالتالي: كلمة أثواثا أصبحت أثاثا، ومعنها (العلامات والعبر)

وما يؤكد كذلك هذا الطرح هو وجود كلمة رئية، طبعًا بدون همزة كما سبق وقلنا.

فهي في المخطوطات المصاحف القديمة بدون همزة، وتقرأ راية وهي مرادف لكلمة أثاثا كما رأينا في قاموس (منا) الكلداني العربي

وبالتالي: يكون معنى الأثاث، أو الآية في (سورة مريم: 73) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ» كانوا بالنسبة لهم مثالًا وعبرة.

الآن رأينا معنى كلمة قرآن وفرقان ومصحف وسورة وآية أو أثا، كلها موجودة في الليتورجيات المسيحية

والسؤال المطروح عليك عزيزي المشاهد: أليس هذا دليل على تلاقح الحضارات والثقافات؟

قبل أن نرجع لموضوعنا الأساسي وتكملة الحديث عن (مصحف باريسنو – بتروبوليتانس) وباقي المخطوطات القديمة

أقدم لكم تأثيرًا أخرًا من العقيدة المسيحية واليهودية متجذرة في العمق الإسلامي،

فكما هو معلوم أن اليهود يقدسون يوم السبت، ويعتبرونه يوم تعبّد واستراحة بموجب الوصية الرابعة من الوصايا العشر في التوراة (سفر الخروج أصحاح 20: العدد 8) «اُذْكُرْ يَوْمَ السَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ.»

وقد أكد النص القرآني على تقديس هذا اليوم في سورة «البقرة وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ» (البقرة: 65)

يوم السبت يبدأ عن اليهود من غروب يوم الجمعة إلى غروب يوم السبت

ويسمى الغروب (عِرِف) ومن هذه الكلمة أخذ المسيحيون السريان عبارة (يوم عروبثا أو غروبثا) للتعبير عن يوم سبت النور أ اليوم الذي يأتي بعد يوم الجمعة العظيمة يوم صلب المسيح

وبالضبط إشارة للساعة السادسة بالتوقيت العبري ألى الضهر وقت صلب المسيح

وذلك كما جاء في إنجيل (متى الأصحاح 27: العدد 45)، «وَمِنَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ كَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ إِلَى السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ»

 و(مرقس 15: 33) «وَلَمَّا كَانَتِ السَّاعَةُ السَّادِسَةُ، كَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا إِلَى السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ.»

(لوقا 23: 44 -45) «وَكَانَ نَحْوُ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ، فَكَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا إِلَى السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ. وَأَظْلَمَتِ الشَّمْسُ، وَانْشَقَّ حِجَابُ الْهَيْكَلِ مِنْ وَسْطِهِ.»

 ونتيجة ذلك أصبح السّريان يُسمّون يوم الجمعة عروبثا

والغريب أن العرب في بداية الإسلام كانوا يسمون يوم الجمعة بيوم العروبة

وقد ذكر ذلك “ابن منظور” في (لسان العرب) عن الهيري في (روض الأنوف) وكذلك ذكرها “جواد علي” عن “المسعودي” في (مفصله لتاريخ العرب قبل الإسلام)

عن المصاحف “للسجستاني” مصحف “أبيّ بن كعب” في سورة الجمعة حيث الآية تقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ العَروبة الكبرى فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ…» (الجمعة” 9)

ولا زال هذا التقليد موجودًا عند السريان إلى الآن في قداس صلاة الظهر يوم الجمعة وذلك لإحياء ذكرى صلب المسيح

نلاحظ أن كلمة الجمعة كانت تسمى في بداية الإسلام العَروبة كعروبثا باللغة السريانية

وتقام الساعة السادسة بتوقيت العبري بمعنى وقت الظهر

وكذلك توقيت الصلاة يوم الجمعة في الإسلام، يعني الظهر

وهي مهمة جدًا ليس فقط عند المسلمين، ولكن عند الكنائس التقليدية وخاصة السريانية.

لأنها ذكرى صلب المسيح، وبحسب العقيدة المسيحية فالله قد تصالح مع البشرية على الصليب بعد خطيئة آدم

فالمسيح كان كفارة أو ذبيحة اعادت البشرية أو أبناء آدم لمكانهم الذي طردوا منه

بسبب طبعًا خطيئة أبيهم آدم.

طبعًا حسب التفسير الإسلامي فالمسيح لم يمت على الصليب بموجب الآية في (النساء: 157)

«وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا»

وسوف نناقش هذا الموضوع في حلقة خاصة، والآن نرجع للتركيز (بمصحف باريسنو – بتروبوليتانس) وهو كما قلنا: ثاني أقدم مصحف في العالم

بعد طرس صنعاء، أو Palimpseste  :DAM01-27.1

و(بمصحف باريسنو – بتروبوليتانس) كما قلنا: بالخط الحجازي وهو بقراءة “ابن عامر” وهو متوفي سنة   ينقسم إلى جزئيين

جزء في المكتبة الوطنية الفرنسية Arab 328 ab والتاني بالمكتبة الوطنية الروسية بسان بطرسبرج  Marcel 18

وأنا الآن بصدد تكملة حول هذه المخطوطة مارسيل 18

ثم ننتقل بعُجالة للتّذكير (بمُصحف باريسنو برمنغهاموس) هذه المرة الذي يوجد في المرتبة الثالثة وأنا أؤكد على هذا الأمر، المرتبة الثالثة بعد مصحف (مصحف باريسنو – بتروبوليتانس) وهو يتكون من رقعتين Arabic 1572a (Mingana Islamic)

وهي فقط رقعتين قيل عنها: أقدم مخطوطة للقرآن في العالم، وتوجد في جامعة برمنغهام موجود بالمكتبة الوطنية الفرنسية كذلك Arab 328 c وهي من 16 رقعة بالخط الحجازي وكذلك بقراءة “ابن عامر”

ولتكملة الموضوع كونوا معنا في الحلقة القادمة، وإلى اللقاء!


Download text file

Early History of Islam 017

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 127 | سر ذبح بقرة موسى
أهلًا بالمُتابعين الأفاضل! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة القُرآن، ككتاب [...]
20 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 126 | البقرة الحمراء وبناء معبد اليهود في القدس
مرحبًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن البقرة الحمراء [...]
12 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 125 | بقرة موسى صفراء أم حمراء؟
أهلًا بالمُشاهدين الكرام! مازلنا في إطار الردّ على تعليق الحلقة [...]
11 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 124 | إشكالية نص القرآن (الرد على أحد التعليقات)
أهلًا وسهلًا بكم مرّة أخرى أعزائي الكرام! في الحلقات الماضية، كنا [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 123 | محمد لم يأت بدين جديد
أهلًا بكُم أحِبائي الكِرام. في الحلقة الماضية كنّا تحدّثنا عن كُتب [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 122 | القرآن هو أجبية وقريان العرب
أهلًا بكم أعزّائي الكرام! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة أصول القُرآن، [...]
15 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 121 | هل يجيد الرسول القراءة والكتابة؟
أهلًا بكم مُشاهديّ الكرام! بعد سلسلة من الحلقات حول القراءات [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 120 | إشكالية التنقيط في القرآن
تحيّة محبّة واحترام لكُم مُتابعينا الكرام! كنّا قد تكلّمنا في الحلقات [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 119 | أقدم طبعة للمصحف
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن ظهور القُرآن [...]
9 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 118 | فوضى القراءات المختلفة في للقرآن
تحية محبّة وأخوّة لكُم مُتابعينا الكرام! في الماضية كنّا بدأنا الحديث [...]
5 views

Page 1 of 13

اترك تعليقاً