في الحلقة الماضية أكملنا الحديث عن المُصطلحات الليتورجيّة،

 ككلمة قرآن فرقان مصحف سورة وآية أو أثا،

وأشرنا إلى تقديس يوم الجمعة أو يوم العَروبة، وعلاقتها طبعًا بالعقيدة المسيحيّة، المُتأثرة بالمُقدّس اليهودي

نستمرّ هذه المرة مع خامس أقدم مخطوطة قرآنية بعد المُخطوطة البريطانية Or 2165

سنعود لهذه المخطوطة بعد تكملة الحديث عن خامس أقدم مخطوطة قرآنيّة وعلاقتها بالموروث المسيحي اليهودي الذي أشرنا له في الحلقتين 15 و 14

وبالضبط مع مخطوطة صنعاء المجموعة الرابعة DAM20-33.1

وتتكوّن هذه المخطوطة من 25 رقعة بالخط الكوفي هذه المرّة

موجودة في دار المخطوطات بصنعاء وتتميّز بزخرفة من الشجيرات

والأقواس تدلّ على أنّها تعود كما أفادنا الدكتور “كراف فون بوتمر – Graf Von Bothmer ”   وزميله أستاذي “جرد بوين – Gerd R. Puin “

تعود لعصر “الوليد بن عبد الملك” في الخلافة الأموية،

 وبالضبط ما بين 710 و 715 فهذه الزخرفة من فسيفساء بالشجيرات والأقواس ومباني من الطراز البيزنطي

ولم يتوقّف فن الزخرفة والرسم والنّحت في العصر الأمويّ حدّ هذه الشجيرات والمباني

وإنما تعداه لتصوير حيوانات كالأسود والغزلان وحتى الإنسان كما هو الحال في قصر الخليفة “هشام بن عبد الملك” الذي توّج خليفة في سنة 724 ميلادية

فهذا القصر موجود في خربة المفجر قُرب مدينة أريحا بفلسطين.

وقد اكتشف موقع هذا القصر سنة 1873 ميلادية وقد أشرف على عملية التنقيب عالم الآثار الفلسطيني “ديمتري برامكي”

وذلك ما بين سنة 1934 إلى 1948 وفي سنة 1959 نشر عالم الآثار البريطاني “روبرت دبليو هاملتون” نتائج هذا التنقيب

فمن بين القطع الأثرية التي وجدت في هذا الموقع تمثالان تماثيل للخليفة نفسه يتوسّط تمثالين لامرأتين عاريين الصدور

وهذا إن دلّ على شيء إنمّا يدلّ على أنّ فنّ الرسم والنحّت كان موجودًا ومزدهرًا في الفترة التاريخية المبكرة للإسلام لا حُرمة فيه

 بعكس ما يعتقد علماء الإسلام في العصور الإسلامية المتأخّرة، والتي أتت بعد هذا العصر،

يوجد كذلك تجسيم لنجمة داود أو ما يُسمّيه علماء الإسلام بخاتم سليمان في هذا القصر

مما جعل الأستاذ الفنان والصديق الفنان التشكيلي المغربي “فوزي صابر” يتأمّل التمثالين للمرأتين العاريتين الصدر

ويستنتج أنهن يُشيرنَ إلى قصة المرأتين المُتخاصمتين على رضيع أمام الملك “سليمان بن داود” في (سفر الملوك الأوّل، الأصحاح 3: العدد من 16 – 27 )

وتمثال الخليفة يُشير نفسه يتوسّط المرأتين اللّاتين يظهر عليهنَّ علامات الإنجاب الحديث

ويقف أي الملك سليمان على أسدين كرمز لعرشه في (سفر الملوك الأوّل، الأصحاح 10: الآية 19)

وهذه النظرية عزّزها الأستاذ فوزي بصور جدرانية أخرى للخليفة “الوليد بن اليزيد” هذه المرة

الذي توّج سنة 743 هذه الصور على جُدران قصر عمرة، وذلك بالأردن

والذي اكتشفه النمساوي “الويس موزيل Alois Musil ” سنة 1897

وعلى هذه الجداريات يوجد تشخيص لزيارة الملكة “بلقيس للملك سليمان” وقصة البركة الخدّاعة أو الخادعة

وصور أخرى تُمثّل النبي “يونس” وشجرة اليقطين كما جاء في (سورة الصافات الآية 146)  «وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ»

ومواضيع أخرى تطرّق لها الأستاذ فوزي تؤكّد نظريته على تشبّع الفكر الأموي بالثقافة والقصص اليهودية

 إلى أنّ هذه الدراسة لا زالت في بدايتها ولم يتمّ الحسم فيها بعد

من طرف طبعًا المُتخصّصين في الفترة المبكّرة للإسلام،

وعندما نُدقّق في عملات الخليفة أو الخلافة الأمويّة وخاصة قبل عهد الوليد بن عبد الملك، نجد وجود صورة للخليفة الأموي

 وصور لحيوانات كالسمكة والأسد والعقرب والفرس وغيرها..

والغريب أنّ هذه العُملات تحمل رموز دينيّة كالصُلبان في يد الحاكم العربي أو النار المقدّسة للزرادشتية أو المينوراه اليهودية بخمس شموع.

وعندما سألت الأستاذ “بولكر بوب” أحد الأخصائيين الألمان (بمعهد إنارة في العملات العربية القديمة أجاب هذه إشارة لأسفار موسى الخمسة

وهي أو سفر التكوين – والخروج – واللاويين – والعدد – والتثنية

من هنا يظهر الارتباط القوي بين الخلفاء الأمويين والعقيدة المسيحيّة اليهودية بالخصوص

ونُلاحظ بوضوح استخدام الخليفة “عبد الملك بن مروان” عامود الألآم (ستاوروس)  لتقديم ولاية العهد لابنه الوليد، على فِلس يعود لذلك العصر

كما جرت العادة عند أباطرة البيزنطيين في تولية العهد لأنبائهم على عُملة خاصّة بهذا الأمر

لكن يتوسّط الإمبراطور ووليّ عهده صليب، وليس عامود كما نجده في بعض العُملات الأمويّة

فعامود الآلام (ستاوروس) هو صليب بدون الجزء العلويّ، وهذا ما يعتقد به بعض الهرطقات النصرانية أنّ المسيح صُلب ويداه مجموعتان فوق رأسه

ملاحظة هامة، فإلى عهد الخليفة “عبد الملك بن مروان” لا زالت الصُلبان وعامود الألآم تُضرب على العملات الإسلاميّة

أي بعد مرور أكتر من 70 سنة على انتصار العرب المُسلمين على الروم البيزنطيين

فكيف يمكن تفسير ذلك في ظلّ هيمنة الإسلام والمُسلمين على الأراضي المفتوحة

هناك من يقول: إنّ هؤلاء الخلفاء برجماتيين يستفيدون من تواجد عقائد مُختلفة فيسيّسونها للنجاح في قيادة الدولة

ولكن ما وصلنا من أخبار عمّا تُسمّى الفتوحات الإسلامية تفيد العكس تمامًا

فكان حُكّام صارمين لا يخافون في الله يوم تلائم، ويكانوا يُدافعون على راية الإسلام بكلّ قوّة وموسّعين لرُقعته

فكيف يُمكن تفسير هذا التناقض؟

هل الخلفاء الأمويين كانوا مسلمين بالمعنى الذي نفهمه الآن؟

هل هناك من أدلّة علمية تُظهر حقيقة هذا الأمر؟

للردّ على هذا السؤال ترقبوا الحلقة القادمة من هذا البرنامج، وإلى اللقاء!

Download text file

Early History of Islam 018