التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 37 | تكملة الحديث عن التاريخ المادي للحجر الأسود

أهلًا بكُم مُشاهدينا الكرام!

رأينا في الحلقة الماضية وجود ماديّ لتاريخ الحجر الأسود،

وكان يُسمّى بيتال وباللّغة اليونانية بيتالوس، وباللعة العبرية بيت إيل، وباللغة العربية بيت الله.

وذكرنا في الميثولوجيا اليونانية قصّة الحجر الأسود مع الإله زييوس إله السماء

وتقديس الرومان له، ورأينا في عُملة الإمبراطور Heliogabalus  الحجر المُقدّس محمولًا على عربة من مدينة حمص في اتجاه روما

ثمّ رأينا نقشًا يعود لعصر مملكة تدمُر في القرن الثالث الميلادي، وهو يُظهِر الحجر الأسود على ظهر بعير

تودّعنه 3 نسوة في حزن لوجهة غير معلومة،

وفي هذه الحلقة نحاول معرفة المكان الذي وصل إليه الحجر الأسود بيتال،

لو نظرنا لخريطة مملكة تدمُر نجدها مترامية الأطراف، تضُمّ سوريا لبنان الأردن فلسطين شمال السعودية مصر

فعندما تولّى الإمبراطور الروماني “أورليانس” بدأ بحملة عسكرية قوية ضدّ مملكة زنوبيا

وبدأ بتقليصها فاسترجع مصر وأنطاكية سنة 271 ميلادية، وواصل الزّحف نحو مدينة تدمُر

الحجر الأسود المقدّس يُمكن أن نُفكّر في إبعاده إلى مكّة حاليًا، ولكن تقف إشكاليتين في قبول هذا الطرح

الإشكالية الأولى حدود مملكة تدمُر لا تصل جنوبًا إلى موقع مكّة، وإنّما تصل فقط إلى ما تُسمّى حاليًا مدائن صالح هِجرا

فلا يُمكن للملكة زنوبيا إرسال هذا الحجر المُقدّس إلى منطقة خارج سيطرتها وحكمها

الإشكالية الثانية أنّ مكّة لم تكُن موجودة في تلك الحقبة أو ذلك الزمان

فلا يوجد أي دليل علمي مادي على وجودها،

المدينة الوحيدة التي كانت شبيهة جدًا بمدينة تدمُر وتحت حكمها أي حكم الملكة زنوبيا

هي مدينة البتراء في الأردن، بها معابد كثيرة تُضاهي عددها عدد معابد تدمُر

وبالتالي تكون هي الوجهة الأكثر أو الأكثر احتمالًا لإرسال الحجر الأسود بيتال.

وبالفعل نجد حجر أسود في معبد الأسود المجنّحة بوسط مدينة البتراء، وهو معبد لإله نبطي “ذى الشرى”

وأغلب المتخصّصين يعتقدون بأنّه للإلهة العُزّة المذكورة في القُرآن

فالإله ذو الشرى وربما يكون هو نفسه ربّ الشّعرى في سورة النجم، فأدغمت حرف العين في حرف الشين كما نقول: ما رأيت فلانًا قطّ، أو ما رأيت فلانًا قطعًا

لكن ذو الشرى عند الأنباط هو الإله الأعظم، ويُقابله عند الإغريق الإله زييوس

ولهذا نجد مَحارب صغيرة مُخصّصة للأحجار المُقدسة بيتال، التي كان العرب والأنباط يقدسونها وهذا ما رأيناه في الحلقة الماضية في الحديث الذي جاء في (صحيح البخاري) عن “الصلت بن محمّد”

“كُنَّا نَعْبُدُ الحَجَرَ ، فَإِذَا وَجَدْنَا حَجَرًا هُوَ أَخْيَرُ مِنْهُ أَلْقَيْنَاهُ ، وَأَخَذْنَا الآخَرَ ، فَإِذَا لَمْ نَجِدْ حَجَرًا جَمَعْنَا جُثْوَةً مِنْ تُرَابٍ ، ثُمَّ جِئْنَا بِالشَّاةِ فَحَلَبْنَاهُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ طُفْنَا بِهِ…”

وفي هذا المعبد، كانت توضع ستائر على منصّته ويُطاف حولها، كما هو الحال في حرم مكّة

وقد تعرّض هذا المعبد للهدم بعوامل طبيعية كالزلازل، وعوامل بشرية كالحروب

وهذا ما يجعل الباحث يُفكّر في الحِصار الذي قام به “الحجّاج بن يوسف الثقفي” “لعبد الله بن الزبير، أو عبد الله الزُمبيل” بحسب العُملات

فآثار الهدم على المعبد ظاهرة، والمفاجأة أننا نجد أحجار منجنيق موجودة بالقرب من هذا المكان

والسؤال المُهمّ، هل وجد علماء الآثار في السعودية أي حجر للمنجنيق على أرض مكّة؟

طبعًا لو كانوا قد وجدوا ولو حجرًا واحدًا لكان الآن في متحف مكّة،

سؤال آخر، الآلهة التي عبدها قُريش مثل “اللّات والعُزّة ومناة”، هل وجدت قطعة من آثرها في مكّة؟

الجواب طبعًا، لا. لو وجدوها لكانت هناك أيضًا.

فقد حفروا عشرات الأمتار تحت الأرض كأساسات قُرب الحرم المكّي لبناء ناطحة السّحاب

ولم يجدوا شيئًا، وهذا غريب، والأغرب أن نجد هذه الآلهة اللّات والعُزّة ومناة كُلّها في متحف البتراء

فالبناء المربّع يُسمّى الحرم، ومكّة ليست كعبة، فالكعبة شيء مدوّر ككعبة الرجل، وعبارة «وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا» (النبأ: 33) في القُرآن هي شبيهة لقُبّة الصخرة بالقُدس

هذه كعبة لأنّها ذات 8 أضلاع على شكل دائري وبالتالي يخلط المُسلمون بين الكعبة والبيت الحرام

كما هو موجود في معبد الأسود المجنّحة، هذا بيت الحرام، وليس كعبة

هل مكّة كانت آمنة طول تاريخها؟

تقول المصادر الإسلاميّة: إنّ مكّة تعرّضت لهجوم القرامطة، سنة 317 هجريّة الموافق 908 ميلاديّة، وهم مسلمون من الإسماعيليين

وقتلوا الحجيج يوم التروية، وقلعوا بابا الكعبة وستاراها وسرقوا الحجر الأسود ونقلوه إلى بلادهم لمدة 22 سنة إلى غاية سنة 339 هجرية

والسؤال المطروح: لماذا؟

تعالى ننقل لكُم ما ذكره ابن كثير في (تفسيره) عن هذا الاعتداء السافر يقول: أنّ أبى طاهر القُرمطي أمر” أن يقلع الحجر الأسود، فجاءه رجل فضربه بمثقلٍ في يده وقال: أين الطير الأبابيل؟ أين الحجارة من سجيل؟ ثم قلع الحجر الأسود وأخذه حين راحوا معهم إلى بلادهم، فمكث عندهم اثنتين وعشرين سنة، حتّى ردّوه. كما سنذكره في سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة فإنّا لله وإنّا إليه راجعون. ولمّا رجع القُرمطي إلى بلاده ومعه الحجر الأسود وتبعه أمير مكّة هو وأهل بيته وجنده، وسأله وتشفّع إليه أن يردّ الحجر الأسود لموضع في مكانه، وبذل له جميع ما عنده من الأموال فلم يلتفت إليه. فقاتله أمير مكّة فقتله القُرمطيّ وقتل أكثر أهل بيته وأهل مكّة وجُنده، واستمر ذاهبًا إلى بلاده ومعه الحجر وأموال الحجيج”

ربّما بالغ أهل الأخبار في هذه الحادث إلّا أنّ نقل الحجر الأسود من مكانه له دلالة تاريخيّة

أنّ كلّ من حصل على هذا الحجر الأسود تكون له هبة داخل أو بين القبائل العربية كلها

كما كان عبد الله بن الزبير حريصًا على ابتعاد الحجر الأسود من أيد الأمويين

وشكرًا لتتبعكم لهذا الموضوع، فإلى اللقاء!


Download text file

Early History of Islam 037

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 127 | سر ذبح بقرة موسى
أهلًا بالمُتابعين الأفاضل! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة القُرآن، ككتاب [...]
20 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 126 | البقرة الحمراء وبناء معبد اليهود في القدس
مرحبًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن البقرة الحمراء [...]
12 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 125 | بقرة موسى صفراء أم حمراء؟
أهلًا بالمُشاهدين الكرام! مازلنا في إطار الردّ على تعليق الحلقة [...]
11 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 124 | إشكالية نص القرآن (الرد على أحد التعليقات)
أهلًا وسهلًا بكم مرّة أخرى أعزائي الكرام! في الحلقات الماضية، كنا [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 123 | محمد لم يأت بدين جديد
أهلًا بكُم أحِبائي الكِرام. في الحلقة الماضية كنّا تحدّثنا عن كُتب [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 122 | القرآن هو أجبية وقريان العرب
أهلًا بكم أعزّائي الكرام! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة أصول القُرآن، [...]
15 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 121 | هل يجيد الرسول القراءة والكتابة؟
أهلًا بكم مُشاهديّ الكرام! بعد سلسلة من الحلقات حول القراءات [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 120 | إشكالية التنقيط في القرآن
تحيّة محبّة واحترام لكُم مُتابعينا الكرام! كنّا قد تكلّمنا في الحلقات [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 119 | أقدم طبعة للمصحف
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن ظهور القُرآن [...]
9 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 118 | فوضى القراءات المختلفة في للقرآن
تحية محبّة وأخوّة لكُم مُتابعينا الكرام! في الماضية كنّا بدأنا الحديث [...]
5 views

Page 1 of 13

اترك تعليقاً