التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 39 | الحجر الأسود انتصار الموروث الوثني

أهلًا بكم أعزائي المشاهدات والمشاهدين!

رأينا في الثلاث حلقات موضوع الحجر المقدّس، وقصتيه الميثولوجية والكتابية

ووقفنا في رمز هذا الحجر الزاوية في أعلى قوس البناء، وهي أصعب مرحلة البناء وأهمّها

بعُجالة أشرنا لقول المسيح في إنجيل (متى إصحاح 21 العدد 42):

« قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ فِي الْكُتُبِ: الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ؟ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كَانَ هذَا وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا!» (متى 21: 42)

ويوضّح الرسول “بولس” هذا المقطع في رسالته لكنيسة 0أفسس، إصحاح 2 العدد 19 و 20 )

« فَلَسْتُمْ إِذًا بَعْدُ غُرَبَاءَ وَنُزُلًا، بَلْ رَعِيَّةٌ مَعَ الْقِدِّيسِينَ وَأَهْلِ بَيْتِ اللهِ (بيتالوس)، مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ» (أفسس 2: 19 – 20)

شوفنا الرّسل والأنبياء، وبناء المذبح إلى أن جاء بناء المعبد، الذي سُمّيَ بالهيكل لكبر حجمه، وقداسته في عهد الملك سليمان

 وجدّد في عهد “زروبابل” وفي عهد “هيرودُس” ولتجديد فكرة الهيكل خارج العرق اليهودي والفكر اليهودي

بنى “عبد الملك بن مروان” قبّة الصخرة ليؤكد أهمية الهيكل، ويجعل من الآيات جدار قبّة الصخرة جوهر فكرة بناء هذا الهيكل الجديد

ليس لليهود كذلك للنّصارى والمسلمين مُعتبرًا المسيح محور دائرة الصّخرة المُقدّسة

لكن ليس بالمفهوم المسيحي، وإنما المسيح بالمفهوم الأبيوني الذي تحدّثنا عنه في الحلقات ما قبل حلقات الحجر الأسود

إذًا، الصراع الفكري والعسكري الذي قام بين “عبد الملك بن مروان” و”عبد الله بن الزبير، أو عبد الله الزنبيل”، كان سياسيًا بامتياز

 مُستخدمًا كلّ منهما العقيدة لتزاوج الدين بالسياسة وكسب السلطة والشرعية

فكلّ واحد منهما رغم أنّ الصراع نشأ في ظلّ السياسة، بداية من عهد “معاوية” رأى أهمية ولاء القبائل العربية

 وما يجمعهم من ثقافة في الأسواق والحج وتقديسهم للأحجار المُقدّسة بيوت الله

واختار كلّ واحد منهما بين القصّة الوثنية أو القصّة الكتابية

فاختار عبد الله الزنبيل، أو عبد الله بن الزبير، أصل قصة الحجر الأسود الوثنية التي كانت ضاربةً في العُمق الفكري العربي مُنذ القديم

ولهذا أي عبد الله بن الزبير كسب ولاء القبائل العربية المُنتصرون الجُدد

وصبغ هذه القصّة بصبغة كتابيّة باعتبار أنّه حجر نزل من السماء

يعني بين قوسين (نيزك) في عهد إبراهيم الخليل جدّ العرب وأبيهم إسماعيل

وهو الحجر المُقدّس يمين الله يسلم به على ضيوفه ويكون الواسطة بينهم وبين الله

«…مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ…» في سورة (الزمر: الآية  3)

يعني هذا كان هو الفكر الوثني، كما هو الحال عند اليونان،

 فإنه أي البيتالوس يحمل روح إله السماوات الإله زييوس

 وكالبيتال معبد بعل في عهد مملكة تدمُر، والبيتال لإله (ذو الشرى) كبير آلهة الأنباط أو ربما الإله العُزّة

ولتوضيح هذه النقطة فالأحجار المقدّسة تتغير بتغيير ذوق القبائل والشعوب التي تُقدّسها

كما رأينا في حديث البُخاري عن الصلت بن محمد عن أبا رجاء العطاردي:

“كُنَّا نَعْبُدُ الحَجَرَ ، فَإِذَا وَجَدْنَا حَجَرًا هُوَ أَخْيَرُ مِنْهُ أَلْقَيْنَاهُ ، وَأَخَذْنَا الآخَرَ ، فَإِذَا لَمْ نَجِدْ حَجَرًا جَمَعْنَا جُثْوَةً مِنْ تُرَابٍ ، ثُمَّ جِئْنَا بِالشَّاةِ فَحَلَبْنَاهُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ طُفْنَا بِهِ..”

فالسلطات التي كانت تحكُم وتستمد شريعتها من قداسة هذه الأحجار، هي نفسها التي تختار حجرًا مُقدّسًا بدلًا عن سابقيه، وهذا بوعي القبائل التي كانت تقدّسها

ولا زالت هذه الظهارة تتكرر إلى الآن

ففي موسم الحج كلّنا نتذكّر شكل رمز الشيطان، يعني في الحجّ، وشكله الحالي لا علاقة بشكله الجديد

ولكن لا يحتجّ أي حاجٍّ على هذا التغيير الذي حصل بحُجّة ضيق المكان وازدحام الحجيج

وهكذا كانت تبريرات التي تُقدّمها السلطات المُستفيدة من مداخل الحجّ والأماكن المقدّسة

بينما اختار “عبد الملك بن مروان” قبة الصخرة على شكل كعبة حقيقية،

والكعبة كما قلنا سابقًا: على شكل دائري كقبّة أو قبّة بإدغام العين كعبة قبة فجعل عبد الملك بن مروان هذا المكان المُقدس لليهود والنصارى الأبيونييون.. الأبيونيين عفوًا على مكان هيكل سليمان في بيت هامقداش

 بالصخرة المقدسة وجعل آيات المسيح على الجدار ليكون طقس الحجّ للكلّ بالمعنى الشمولي

كما كان اليهود والأمميين يحجّون لبيت هامقداش قبل هدم الهيكل، والعرب كذلك كتجار وحُجّاج في آنٍ واحد

كما هو واضح في (أعمال الرسل الإصحاح 2 العدد 11 )

« كِرِيتِيُّونَ وَعَرَبٌ، نَسْمَعُهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا بِعَظَائِمِ اللهِ!». (أعمال الرسل 2: 11) وهذا ممّا يُفسّر وجود قبلتين في عصر ظهور الإسلام

قبلة نحو القُدس، كباقي الديانات الإبراهيميّة، وقبلة نحو مكّة

فانتصر الموروث الوثني على الموروث الكتابيّ بعد ما أخفى هذا الأول نفسه في جلباب الموروث الثاني

فاكتسب قداسة واسعة لما خرج هذا التقديس من محليّة القبائل العربية إلى عالمية الشعوب التي دخلت في الإسلام، كما كان يُريد عبد الملك بن مروان

فخُلاصة الموضوع كلّه هو:

الحجر الأسود بيتال أو بيتالوس هو حجر مُقدّس، يعتقد الوثنيون العرب أنّه نزل من السماء من بيوت الآلهة وتحمل أروحاهم

 فيقدس هذا البيتال ويُبنى له معبدًا يليق بمقامه

بينما تُرجم الحجار أو البيتال التي يُعتقد أنّها تحمل أرواح الآلهة المهزومة في معاركهم

وتُهدّم معابدها فتُصبح في العراء يُدنّسها بُراز الطيور وغُبار الأتربة

فيحتقرها من يُشاهدها على هذا الحال لا حول لها ولا وقوة!

كالعقبة الكبرى والوسطى والصغرى، حجارة أصبحت رمزًا للشيطان بينما كان آلهة تُعبد قديمًا

وهذا يذكرنا بتيس عزازيل في التوراة الذي يُرجم ليحمل خطايا الشعب

في سفر اللّاويين الإصحاح 16 العدد 8 «وَيُلْقِي هَارُونُ عَلَى التَّيْسَيْنِ قُرْعَتَيْنِ: قُرْعَةً لِلرَّبِّ وَقُرْعَةً لِعَزَازِيلَ.» (لاويين 16: 8)

فهذه الأحجار المُقدسّة على شكل أصنام صغيرة، عندما تُنقل من مكان لأخر توضع في قبتها

تذكرون كعبة قبة، قبة، وهي كما قال الدكتور “جواد علي”  في( مُفصّله) عبارة عن خيمة تقوم مقام المعبد الثابت. الجزء 6 صفحة 399

نكتفي بهذا القدر، وإلى اللّقاء في حلقة قادمة!


Download text file

Early History of Islam 039

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 127 | سر ذبح بقرة موسى
أهلًا بالمُتابعين الأفاضل! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة القُرآن، ككتاب [...]
19 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 126 | البقرة الحمراء وبناء معبد اليهود في القدس
مرحبًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن البقرة الحمراء [...]
11 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 125 | بقرة موسى صفراء أم حمراء؟
أهلًا بالمُشاهدين الكرام! مازلنا في إطار الردّ على تعليق الحلقة [...]
11 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 124 | إشكالية نص القرآن (الرد على أحد التعليقات)
أهلًا وسهلًا بكم مرّة أخرى أعزائي الكرام! في الحلقات الماضية، كنا [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 123 | محمد لم يأت بدين جديد
أهلًا بكُم أحِبائي الكِرام. في الحلقة الماضية كنّا تحدّثنا عن كُتب [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 122 | القرآن هو أجبية وقريان العرب
أهلًا بكم أعزّائي الكرام! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة أصول القُرآن، [...]
14 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 121 | هل يجيد الرسول القراءة والكتابة؟
أهلًا بكم مُشاهديّ الكرام! بعد سلسلة من الحلقات حول القراءات [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 120 | إشكالية التنقيط في القرآن
تحيّة محبّة واحترام لكُم مُتابعينا الكرام! كنّا قد تكلّمنا في الحلقات [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 119 | أقدم طبعة للمصحف
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن ظهور القُرآن [...]
9 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 118 | فوضى القراءات المختلفة في للقرآن
تحية محبّة وأخوّة لكُم مُتابعينا الكرام! في الماضية كنّا بدأنا الحديث [...]
5 views

Page 1 of 13

اترك تعليقاً