التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 42 | كيف تطورت كلمة محمد من فكرة لاسم؟

أهلًا بالجمهور الكريم!

في الحلقة الماضية قدّمنا لكم فرضية الأستاذ “ماركوس جروس ” حول التّأثير البوذي في الحجّ الجاهلي، وانتقاله للإسلام

ورأينا التّشابُه الشديد في الشعائر الإحرام ورمزه، وما معناه، معنى اللون الأبيض، والبرتقالي وحلق الشعر وعدم قتل الحشرات، وتقطيع أشجار المعبد

كذلك وجوب النيّة قبل التّعبُّد، وغيرها من الأمور التي تُطابق العبادتين

ومنكم من يتساءل لماذا تُقدّم لنا نظريات وفرضيات مُختلفة حول نشأة الإسلام؟

فمرة تقول: محمّد نبي العرب، ومرة أخرى هو المُمجّد، فهو المسيح

وهذا يجعل من المُتتبع يتوه وسط كمّ المعلومات التي تُقدّمها، فلا نعرف الحقيقة أين هي

فلماذا لا نكتفي بالتراث الإسلامي الذي تعلّمناه وصدّقناه ولا نرى حقيقة أخرى غيره

لدراسة التاريخ الماديّ لأي شخصيّة تاريخيّة، هل فعلًا كان موجودًا أو أسطورة

 نُدقّق في بقايا الآثار التي تركها أو تركتها هذه الشخصيّة التاريخية من مخطوطات وعُملات ونُقوش

ولا نكتفي بما كتب عنه مؤيّده من جانب أخر كالأعداء مثلًا

فعندما ندرُس التاريخ الماديّ، ما نعرفُه عن الرسول محمّد، أنّنا لا نجد تفاصيل دقيقة حتى القرن الثاني للهجرة، ونتساءل لماذا؟

ولو أخذنا على سبيل المثال شخصية “نابليون بونابارت” الذي تفرقنا، تفرقنا عن حياته قرنين من الزمان

وأردنا أن نعتمد على الرواية الشفاهية فقط، فما عسانا أن نحصل عليه من أخبار

ربّما أشياء بسيطة لا تكفي أن تُبرهن على وجوده، كشخصيّة حقيقية مرّت في التاريخ

لكن عندما نجد كتابات كثيرة كُتبت عنه من طرف الفرنسيين وغيرهم، ترجع لتلك الفترة، وحتى الأعداء كتبوا عنه

فالحملة الفرنسية على مصر على سبيل المثال تُظهر أنّ الرجل فعلًا قام بحملة من خلال كميّات المعلومات عن مصر من قِبل الفرنسيين في تلك الحقبة

وحتى المصريين أنفسهم كتبوا عنه،

ولنا شخصية “جون جوسيف مارسيل” الذي تحدّثنا عنه سابقًا في مخطوطات المُستشرق الفرنسي الذي أخرج من مصر ألاف المخطوطات معظمها من جامع عمرو بن العاص في تلك الحملة

إذًا نعرف جيدًا أنّ نابليون شخصية حقيقية بخلاف الشخصية البريطانية الملك “آرثر” الذي هو عبارة عن أسطورة لعدم توفّر تاريخ ماديّ لهذه الشخصيّة

نعود لشخصيّة محمّد، فهل كان شخصية حقيقية كما كتبته السيرة، والسير والأخبار؟

 الجواب لا وجود لتاريخ ماديّ يُفيد وجود هذه الشخصية بالمواصفات التي قيلت عنه

نعم، هناك قائدًا عربيًا (فتح) أو توسّع في العديد من المناطق المجاورة للعرب كبلاد الشام والعراق

ولا نعرف حتى اسمه الحقيقي، فهناك نظريات تحتاج لبحث عميق لكن من شبه المؤكّد أنّه أعطي له لقب محمّد أو محمت

كلقب شرفي لإعلاء من شأنه، لأنه استطاع أن يُحقّق مجدًا للعرب

ويقضي على هيمنة الإمبراطوريتين، البيزنطية والساسانية

نعم، هناك مخطوطات تُعدّ على أصابيع اليد الواحدة، تعود لتلك الحقبة، تتحدّث عنه، وبهذا اللقب محمد أو محمت

لكن ما يُعطي بعدًا أخرًا في دراسة تاريخيّة هذه الشخصيّة هي العُملات التي تعود لتلك الفترة

والعُملات أهمّ من المخطوطات نظرًا لسببين

الأوّل: أنّها مؤرّخة، ثانيًا: لأنّها رسمية قامت بسكّها الدولة نفسها.

بينما المخطوطات لا تحمل تاريخ، وكُتبت من طرف شخصيات عادية ليس لها قيمة بالمُقارنة مع الدولة نفسها

يؤكّد الأستاذ “فولكر بوب” المُتخصّص في العملات العربية والفارسيّة القديمة

 أن كلمة محمّد أو محمّت، لا تعني اسم نبي عربي اسمه محمّد

وإنّما شعارات وضعت على العُملات في العصر الأموي قبل “عبد الملك بن مروان”

على سبيل المثال: توجد عُملة تعود لسنة 20 للحكم العربي، أو الهجري، عليها عبارة (عبد الله).

والتي تعني خادم الرب كما جاء وصفه في إشعياء النبي، الإصحاح 42 العدد 19 يقول: « مَنْ هُوَ أَعْمَى إِلاَّ عَبْدِي، وَأَصَمُّ كَرَسُولِي الَّذِي أُرْسِلُهُ؟ مَنْ هُوَ أَعْمَى كَالْكَامِلِ، وَأَعْمَى كَعَبْدِ  )כְּעֶ֥בֶד) الرَّبِّ؟» (إشعياء 42: 19) كعبيد أدوناي، أي كعبيد الله، أو كعبد الله

وعند قراءة الإصحاح نجده يتكلّم عن سماع الصُمّ، وإبصار العُمي كما يتّضح من العدد 18  «أَيُّهَا الصُّمُّ اسْمَعُوا. أَيُّهَا الْعُمْيُ انْظُرُوا لِتُبْصِرُوا.» (إشعياء 42: 18)

فالحديث إذًا بحسب العقيدة المسيحية عن المسيح، وبالنسبة لليهود يتحدّث عن المسيا المُنتظر

إذًا، عبد الله هو المسيح حتّى بحسب القُرآن عندما تكلّم في المهد قال: «قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا» (مريم: 30)

وذلك في سورة مريم، الآية 30 وبالتالي عبد الله هو خادم الربّ، ولهذا السبب نجد عبارة (عبد الله معاوية) على نقوش حمامات كادرا، و(عبد الله الزنبيل أو الزنبيلان) في عملة ساسانية

وهناك عُملة أخرى يوجد عليها كلمة الأمير وهذه الكلمة يقول” فولكار بوب” بمعنى الذي يتّبع أمر الله كما جاء في سورة الرعد الآية 21

«وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ» (الرعد: 21)

أمّا كلمة محمّد لا تعني اسم شخص، بل شعار يُفيد الذي أتيناه الحُكم

فيحي بن زكريا في القُرآن لا يُشار إليه بالمُغطّس أو المعمدان، وإنّما ممّن أتاهم حكم الله، وذلك في سورة مريم الآية 12 «يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا» (مريم: 12)

وفي عملة ساسانية أخطأ المُستشرقون في قراءتها فقرأوا محمّد MHMT

وهنا لدينا ( MHMT` PTGMBI Y YDZT ) والتي فهمت ب “محمد رسول الله”

وهذه العملة تعود لسنة 72 للحُكم العربي أو الهجري، وبالتالي فكلمة محمّد هي عبارة عن شعار يُفيد أنّ لا حُكم إلّا لله بحسب الأستاذ “فولكار بوب”

ففي عهد “عبد الملك بن مروان” صار حكم الله يأتي به رسول الله

فأصبحت عبارة محمد رسول الله متداولة في العديد من العُملات وبعدها أضيفت عبارة (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) في العملات

وهي الشهادة المعروفة في الإسلام

وفي العصر العباسي وبعد تدمير الخلافة الأموية

 اعتقدوا أنّ محمّد هو القائد العربي الذي تحقّق على يده النّصر

فأصبح هو رسول الله،

نكتفي بهذا القدر، وإلى اللقاء!


Download text file

Early History of Islam 042

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 127 | سر ذبح بقرة موسى
أهلًا بالمُتابعين الأفاضل! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة القُرآن، ككتاب [...]
20 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 126 | البقرة الحمراء وبناء معبد اليهود في القدس
مرحبًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن البقرة الحمراء [...]
12 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 125 | بقرة موسى صفراء أم حمراء؟
أهلًا بالمُشاهدين الكرام! مازلنا في إطار الردّ على تعليق الحلقة [...]
11 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 124 | إشكالية نص القرآن (الرد على أحد التعليقات)
أهلًا وسهلًا بكم مرّة أخرى أعزائي الكرام! في الحلقات الماضية، كنا [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 123 | محمد لم يأت بدين جديد
أهلًا بكُم أحِبائي الكِرام. في الحلقة الماضية كنّا تحدّثنا عن كُتب [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 122 | القرآن هو أجبية وقريان العرب
أهلًا بكم أعزّائي الكرام! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة أصول القُرآن، [...]
15 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 121 | هل يجيد الرسول القراءة والكتابة؟
أهلًا بكم مُشاهديّ الكرام! بعد سلسلة من الحلقات حول القراءات [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 120 | إشكالية التنقيط في القرآن
تحيّة محبّة واحترام لكُم مُتابعينا الكرام! كنّا قد تكلّمنا في الحلقات [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 119 | أقدم طبعة للمصحف
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن ظهور القُرآن [...]
9 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 118 | فوضى القراءات المختلفة في للقرآن
تحية محبّة وأخوّة لكُم مُتابعينا الكرام! في الماضية كنّا بدأنا الحديث [...]
5 views

Page 1 of 13

اترك تعليقاً