التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 44 | سبب تقديس العرب لآلهة الخصب

أهلًا بالجمهور الكريم!

في هذه الحلقة نودّ تجميع النّقط التي تحدّثنا عنها في سلسلة دراسة موضوع الحجر الأسود بيت إيل، بيتالوس، بيت إيل كما قُلنا، وعلاقتها بطقوس الحجّ الوثني والثقافات الشرقية القديمة

هناك شبه إجماع على أنّ العرب كانوا يُقدّسون ويُعظّمون الحجارة كباقي الشعوب التي احتكّوا بها، واعتبروها بيوت للآلهة

ومن هنا جاءت التسمية بيتال أي بيت الله

فقبل هذه التّسمية، كان العرب بدو رُحّل يعتمدون في عيشهم على رعي الجمال والماعز ويجبون الصحراء الكبرى بحثًا عن الكلاء، وكانت حياتهم اليومية مرتبطة بقُطعان ماشيتهم

فكُلّما كبُر القطيع كبُر معه قدر واجهة صاحبه،

فيضطر للزواج بالثانية والثالثة والرابعة وللخامسة لزيادة الذريّة لمُساعدته كيد عاملة على رعي القطعان وتزايدها

فزيادة الولد الذّكر يُعتبر زيادة في الثروة، بتقسيم القطيع إلى عدد الأولاد الذكور الأحياء، وزيادة في القوّة للقُدرة على حمل السلاح والحفاظ على هذه الثروة

بينما ولادة البنت تكون فُرصة للأب، أب البنت، للحصول على مُصاهرة بعائلة غنية تملك قوةّ السلاح والكسب

 أو زوج بنت يُضاف لقوّة اليد العاملة عند الأب، عند أب هذه البنت

فتعدّد الزوجات مبني على تعدّد القُطعان وكبره، فكلمة (نكاح) ليست كلمة قبيحة عندهم بل بالعكس تعني زواج مُصاهرة قوّة فخر فحولة

الهدف منها أو منه، التكاثر الأموال والأولاد والتفاخر والتّباهي بالقُدرة عليه

فالمرأة أو الرجل الذي لا يستطيع القيام بعملية التكاثُر، لا تكُن له قيمة بين أقرانه

وهذا ما يُفسّر ارتباطهم القوي بآلهة الخِصب، كعشتار وأفروديت واللّات وغيرها من آلهة الخصب والجمال

وقد عُثر مؤخّرًا فريق من العُلماء الآثار معهد (وادي عربة) كما سبق وأن أشرت في الحلقة السابقة بقيادة Uze Avner

على ما يُناهز 100 من الحجارة القديمة المقدسة تعود ل 8000 سنة، وذلك في منطقة إيلات بصحراء النقب قُرب خليج العقبة

كما وجدت أحجار مُماثلة في الأردن وصحراء سيناء وغيرها،

وهذه الأحجار بمقاييس مُختلفة معظمها من الحجر الجيريّ

تُمثّل رمز الذكورة أو الأنوثة كما قُلنا، فيوضع الذكّر على اليمن والأنثى على اليسار

وهذا الوضع يوافق تمامًا ما جاء في (سفر نشيد الأنشاد الإصحاح 6 العدد 2 والإصحاح 8 العدد 3 )

«شِمَالُهُ تَحْتَ رَأْسِي وَيَمِينُهُ تُعَانِقُنِي.» (نشيد الأنشاد 2: 6/ 8: 3)

ومثل هذه الحجار جاء ذكرها في وثيقة آشوريّة تعود للقرن التاسع قبل الميلاد تُخبر عن حملة عسكريّة للملك Tukulti Ninurta

على الساحل اللّبناني في القرن 12 قبل الميلاد تقول الوثيقة: “لقد حاصرته (أي هذا الملك) الحجارة التي تسكُن فيها الآلهة العظيمة”

وفي ما بين سنة 740 و 750 قبل الميلاد، يذكر نقش آخر على 3 أنصاب بازلتية بمعاهدة باللغة الآرامية قداسة هذه الحجارة، فهو (نقش السفيرة) الذي وجد بالقرب من حلب

بحسب عُلماء الآثار فإنّ رمز الذكورة يعود للإله إيل، ورمز الأنوثة للإلهة أشيرة أو عشيرة، أم الآلهة والدة بعل وعِشتار

وقد أدانها أنبياء التوراة مرارًا تحت اسم عشتاروت

وقد حارب التوراة هذه العبادات حيث دعا الإله يهوه، لكسر هذه الحجار كما جاء في سفر( التثنية 12: العدد من 3 إلى 4 )

«وَتَهْدِمُونَ مَذَابِحَهُمْ، وَتُكَسِّرُونَ أَنْصَابَهُمْ، وَتُحْرِقُونَ سَوَارِيَهُمْ بِالنَّارِ، وَتُقَطِّعُونَ تَمَاثِيلَ آلِهَتِهِمْ، وَتَمْحُونَ اسْمَهُمْ مِنْ ذلِكَ الْمَكَانِ. لاَ تَفْعَلُوا هكَذَا لِلرَّبِّ إِلهِكُمْ.» (تثنية 12: 3 – 4)

و(اللاويين 26 العدد 1 ) ««لاَ تَصْنَعُوا لَكُمْ أَوْثَانًا، وَلاَ تُقِيمُوا لَكُمْ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا أَوْ نَصَبًا، وَلاَ تَجْعَلُوا فِي أَرْضِكُمْ حَجَرًا مُصَوَّرًا لِتَسْجُدُوا لَهُ. لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ» (لاويين 26: 1)

وسفر (أخبار الأيام الثاني 31 العدد 1)  «وَلَمَّا كَمَلَ هذَا خَرَجَ كُلُّ إِسْرَائِيلَ الْحَاضِرِينَ إِلَى مُدُنِ يَهُوذَا، وَكَسَّرُوا الأَنْصَابَ وَقَطَعُوا السَّوَارِيَ، وَهَدَمُوا الْمُرْتَفَعَاتِ وَالْمَذَابحَ مِنْ كُلِّ يَهُوذَا وَبَنْيَامِينَ وَمِنْ أَفْرَايِمَ وَمَنَسَّى حَتَّى أَفْنَوْهَا، ثُمَّ رَجَعَ كُلُّ إِسْرَائِيلَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مُلْكِهِ، إِلَى مُدُنِهِمْ.» (أخبار أيام الثاني 31: 1)

لكن بقيت عند العرب تعبُدها وتُقدّسها إلى عصر ظهور الإسلام،

 وما جاء على لسان “أبي بكر” من شتم لأحد الأعداء بقوله “امصُص بظر اللّات” أي صدى لتقديس العرب للعضو التناسلي للإلهة الأم وهي اللّات

ورغم مُحاربة الإسلام لهذه الآلهة، آلهة الحب والجمال والخصب والنماء، إلى أنّه أبقى على وجود رمزها المُتمثّل في الحجر الأسود بيتالوس

ولزال ضيوف الرّحمن يُقبّلون رأس الله الإله العربي، وهو يخرج من رحم اللّات بحجّة أنّه يمين الله الذي يُسلّم به على ضيوفه

وضرب الفكر الإسلامي على الوتر الحسّاس عن العرب، بما قدمه لهم بمكافأة في الجنة من أبكار وحور ونساء،

(إن سقط خمار واحدة منهن على الأرض لسقاها عطرًا 100 سنة)

فلنكُن مُنصفين لا يصف نساء الجنّة على ما يُعتقد وإنما قراءة خاطئة وتفسير علماء الإسلام هم من وضعوا هذه الأوصاف

أمّا النصّ القُرآني فهو يصف أشجار الجنة كأنّهن عاقلات تدنو الواحدة منهن بقُطوفها لتصل أيدي أهل الجنة

وقد سبق لهذا الوصف مار “أفرام السرياني” في القرن الرابع الميلادي، حيث قدّم لنا الأستاذ السويدي “تور أندريه Tor Andrae ” من جامعة ستوكهولم مجموعة من التشابُه بين جنة مار أفرايم السرياني وجنة القرآن لخّصها في 10 مقاطع  في كتابه (جذور الإسلام والمسيحيّة) من الصفحة 151 إلى الصفحة 161

فعلى سبيل المثال جاء في سورة الواقعة 36 «فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا» (الواقعة: 36)

يُقابلها في منظومة الفردوس 7/9 عند مار أفرام السريان “الأبكار تقطف البواكير”

ومثل آخر من سورة النبأ 33 «وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا» (النبأ: 33)

في المُقابل منظومة الفردوس “ترضعها النسمة لكأنّها ثدي”  (منظومة الفردوس: 9/12)

وفي مقطع أخر “لكأنّ النسمة ثدي مُسمّن” (منظومة الفردوس: 11 /1)

وفي سورة طور الآية 24 «…كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ» (الطور: 24)  وكذلك في الواقعة 23 «كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ» (الواقعة: 23)

يقابلها عند مار أفرام السرياني في وصفه ثمار الجنّة “كنز مطمور أو مكنون” 7/21

إذًا القرآن يضُمّ الثقافة السريانية بامتياز، يصف ثمار وأشجار الفردوس كأنّهنّ نساءً يخدُمن أهل الجنّة

ففهم أحباءنا العرب على أنهن نساء حقيقيات خُلقن للمُتعة الجنسيّة في محضر الله

وترسّخت العقلية البدوية في أذهان الشعوب التي اعتنقت الإسلام وأصبح البطن والفرج هما محور ثقافتهم،

(الوشاح في فائدة النكاح) للعلامة “جلال الدين السيوطي”،

وكتبت كذلك “نواضر الأيك في معرفة النيك”

ولا ننسى كتابه “رشف الزُلال من السحر الحلال” يصف فيه 20 ليلة دُخلة لعلماء دخلة

وكتاب (شقائق الإترنج في رقائق الغنج)

نذكر كتاب (رجوع الشيخ إلى صباه) لأحمد بن سُليمان، وغيرها من الكتب الكثيرة الساخنة

نكتفي بهذا القدر، وإلى اللقاء في الحلقة القادمة، كونوا معنا!


Download text file

Early History of Islam 044

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 127 | سر ذبح بقرة موسى
أهلًا بالمُتابعين الأفاضل! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة القُرآن، ككتاب [...]
20 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 126 | البقرة الحمراء وبناء معبد اليهود في القدس
مرحبًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن البقرة الحمراء [...]
12 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 125 | بقرة موسى صفراء أم حمراء؟
أهلًا بالمُشاهدين الكرام! مازلنا في إطار الردّ على تعليق الحلقة [...]
11 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 124 | إشكالية نص القرآن (الرد على أحد التعليقات)
أهلًا وسهلًا بكم مرّة أخرى أعزائي الكرام! في الحلقات الماضية، كنا [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 123 | محمد لم يأت بدين جديد
أهلًا بكُم أحِبائي الكِرام. في الحلقة الماضية كنّا تحدّثنا عن كُتب [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 122 | القرآن هو أجبية وقريان العرب
أهلًا بكم أعزّائي الكرام! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة أصول القُرآن، [...]
15 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 121 | هل يجيد الرسول القراءة والكتابة؟
أهلًا بكم مُشاهديّ الكرام! بعد سلسلة من الحلقات حول القراءات [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 120 | إشكالية التنقيط في القرآن
تحيّة محبّة واحترام لكُم مُتابعينا الكرام! كنّا قد تكلّمنا في الحلقات [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 119 | أقدم طبعة للمصحف
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن ظهور القُرآن [...]
9 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 118 | فوضى القراءات المختلفة في للقرآن
تحية محبّة وأخوّة لكُم مُتابعينا الكرام! في الماضية كنّا بدأنا الحديث [...]
5 views

Page 1 of 13

اترك تعليقاً