التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 45 | إسراء موسى في القرآن

أهلًا بكم مُشاهدينا الكرام!

في الحلقة الماضية قدّمنا لكم مجموعة من الدراسات التي تتعلّق بالحجر الأسود والحجّ وعلاقته بالثقافة الوثنية والكتابية

كالرهبنة في البوذية التي قدّمها لنا الأستاذ “ماركوس جروس” وشكل الإطار الحجر الأسود بيتال، وهي كلّها تنتمي لدراسات التاريخ المادي

وفي هذه الحلقة نتحدّث عن التاريخ الأدبي، ونخص بالذكر نصّ القُرآن كمادة أدبية تكشف لنا من خلال الفيلولوجيا عن علاقته بالثقافات التي سبقته

نأخذ كمثال حادثة الإسراء في بداية سورة الإسراء، سبق وأن تحدّثت عن هذا الموضوع في برنامج (صندوق الإسلام( مع الأستاذ “حامد عبد الصمد”،

وقلت: إنّ الآية الأولى من سورة الإسراء تتحدّث عن موسى وليس الرسول محمّد وكنت متأكدًا من هذا الطرح بسبب سياق الآيات ولازلت كذلك

فالسورة بحسب كتب التفسير تقول: إنّها كانت تُسمّى سورة بني إسرائيل،

على سبيل المثال انظر (تفسير ابن عاشور)، فما دخل محمّد بالموضوع؟

خصوصًا لا وجود لذكره أو الإشارة إليه،

 تقول الآية: «سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» (الإسراء: 1)

ولا ننسى قراءة “عبد الله بن مسعود” حيث قراءها «سبحان الذي سَرَى بعبده ليلًا» (قراءة عبد الله بن مسعود، الإسراء: 1)

وقدّمت 3 آيات تتحدّث عن خروج موسى وبني إسرائيل من مصر ليلًا، حيث جاء في سورة الشّعراء الآية 52 «وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ» (الشعراء: 52)

وفي طه 77، «وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي (إلى أخر الآية) فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَىٰ» (طه: 77)

وكذلك في سورة الدخان الآية 23 «فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ» (الدخان: 23)

وقُلت: إنّ المسجد الحرام هو جبل حوريب أو جبل موسى، الذي كلّم الله فيه موسى بحسب التوراة،

ووصفه القُرآن بالمسجد الحرام لسجود بني إسرائيل عند سفحه للإله يهوه، كما تُخبرنا التوراة في سفر الخروج الإصحاح 24 «وَأَمَّا الشُّيُوخُ فَقَالَ لَهُمُ: «اجْلِسُوا لَنَا ههُنَا حَتَّى نَرْجعَ إِلَيْكُمْ. وَهُوَذَا هَارُونُ وَحُورُ مَعَكُمْ. فَمَنْ كَانَ صَاحِبَ دَعْوَى فَلْيَتَقَدَّمْ إِلَيْهِمَا». (خروج 24: 14)

وهو المكان الذي له قداسة وحُرمه إلهيّة كما جاء في سفر الخروج الإصحاح 3 العدد 5

وكذلك في سورة طه، الآية 12 «إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى» (طه: 12)

 وكذلك في سورة القصص 30، يُمنع الدّخول إليه أي إلى الجبل بدون أمر إلهيّ،

فحتى البهيمة تُرجم حتّى الموت لو دخلت حدود الجبل المُقدّس، وذلك في الخروج 19 من العدد 12 إلى العدد 13

«وَتُقِيمُ لِلشَّعْبِ حُدُودًا مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، قَائِلًا: احْتَرِزُوا مِنْ أَنْ تَصْعَدُوا إِلَى الْجَبَلِ أَوْ تَمَسُّوا طَرَفَهُ. كُلُّ مَنْ يَمَسُّ الْجَبَلَ يُقْتَلُ قَتْلًا. لاَ تَمَسُّهُ يَدٌ بَلْ يُرْجَمُ رَجْمًا أَوْ يُرْمَى رَمْيًا. بَهِيمَةً كَانَ أَمْ إِنْسَانًا لاَ يَعِيشُ. أَمَّا عِنْدَ صَوْتِ الْبُوقِ فَهُمْ يَصْعَدُونَ إِلَى الْجَبَلِ». (خروج 19: 12 – 13)

أمّا المسجد الأقصى، فكان الاعتقاد هو بيت المقدس، لكن وقت موسى لم يكُن هناك هيكل سيلمان لا مسجد الأقصى الذي بناه “عبد الملك بن مروان”

فما هي خلفية المسجد الأقصى؟

كنت أتحدث أستاذي “كرستوفر لوكسينبرج” عن المسجد الأقصى، فأجاب: هو أورشليم السماوية باعتبار أنّ المسيح صعِد إلى السماء وهي إشارة له، لأنّ اسمه مُمجّد ومحمّد في جدار كعبة قبّة الصخرة

ولم اقتنع بهذا الطرح، فعندما أعدت النظر في هذا الموضوع، وتساءلت هل صعد موسى إلى السماء حسب الموروث اليهودي؟

فالتوراة لا تُخبرنا عن هذه الفرضيّة، فهو لم يتعدّى جبل حوريب في علوّه

فنظرت إلى التلمود لعلّني أجد تفسيرًا مُفصّلًا عن فترة موسى فوق الجبل، كيف قضاها من يوم الطلوع حتى وقت نزوله

وكانت المفاجأة في التلمود البابلي، الذي يرجع كتابته ما بين سنة 450 إلى 550 ميلادية

يقول النّاسك “رابي يهوذا”: “إنّ موسى صعد للسماء فترة وجوده على الجبل، فوجد الربّ يضع تيجانًا على حروف التوراة، فسأله (أي موسى سأل الله أو يهوه) عن سبب تأخّر نزوله؟ فأجاب رجل الله يردّ، رجل سوف يأتي في نهاية العديد من الأجيال اسمه، “عكيفا بن يوسف”، وهذا عكيفا بن يوسف على فكرة توفّى سنة 137 ميلادية

هو الذي (يُكمّل الرب)، هو الذي سوف يُفّسر التوراة”.

وكأننا أمام قصّة البخاري في ُمقدّمة فتح الباري لصحيح البخاري للعسقلاني، الفصل الأول عن أبي زيد المروزي أنه قال:

“كنت نائمًا بين الرُّكن والمقام، فرأيت الني صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال لي: يا أبا زيد، إلى تدرُس كتاب الشافعي ولا تدرُس كتابي؟ فقُلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كتابك؟ قال: جامع محمّد بن إسماعيل البخاري”

وقد أشار صديقي الأستاذ “رشيد أيلال” في كتابه (صحيح البخاري نهاية أسطورة) الفصل الثالث، أسطورة البخاري

فالرباي “يهوذا ها ناسي” كالإمام المروزي يُعظّم أستاذه محمّد بن إسماعيل البخاري، كما عظّم الرباي “يهوذا ها ناسي” أستاذه “عكيفا بن يوسف”

المهم هو أنّ النبي موسى أُسرى به إلى السماء حسب التلمود البابلي،

 وبالتالي المسجد الأقصى فعلًا هو أورشليم السماوية كما تفضّل أستاذي “لوكسمبرج”

ولكن ليس المسيح وإنمّا موسى، وموضع حادث سيرة الإسراء والمعراج في الموروث الإسلامي مليئة بالتناقُضات والاختلاف في الأقوال على مكان الانطلاقة، وزمن حدوثها

بما ليس داعي لإعادتها ونكتفي فقط بالقُرآن في نفس السورة، أي سورة الإسراء

للردّ على من يعتقد أنّ العبد المذكور في الآية الأولى من سورة بني إسرائيل، هو محمّد

فتقول الآية 93  على لسان قُريش مُطالبيه أن يأتي بمُعجزة على غِرار باقي الأنبياء والرسل «أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ ۗ  (فيُجيبهم أي الرسول) قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا» (الإسراء: 93)

فلو أُسري به كما يعتقدون، لكان الردّ بالبُرهان الذي يثبت صعوده للسماء

نكتفي بهذا القدر، وإلى اللقاء!


Download text file

Early History of Islam 045

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 127 | سر ذبح بقرة موسى
أهلًا بالمُتابعين الأفاضل! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة القُرآن، ككتاب [...]
20 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 126 | البقرة الحمراء وبناء معبد اليهود في القدس
مرحبًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن البقرة الحمراء [...]
12 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 125 | بقرة موسى صفراء أم حمراء؟
أهلًا بالمُشاهدين الكرام! مازلنا في إطار الردّ على تعليق الحلقة [...]
11 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 124 | إشكالية نص القرآن (الرد على أحد التعليقات)
أهلًا وسهلًا بكم مرّة أخرى أعزائي الكرام! في الحلقات الماضية، كنا [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 123 | محمد لم يأت بدين جديد
أهلًا بكُم أحِبائي الكِرام. في الحلقة الماضية كنّا تحدّثنا عن كُتب [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 122 | القرآن هو أجبية وقريان العرب
أهلًا بكم أعزّائي الكرام! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة أصول القُرآن، [...]
15 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 121 | هل يجيد الرسول القراءة والكتابة؟
أهلًا بكم مُشاهديّ الكرام! بعد سلسلة من الحلقات حول القراءات [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 120 | إشكالية التنقيط في القرآن
تحيّة محبّة واحترام لكُم مُتابعينا الكرام! كنّا قد تكلّمنا في الحلقات [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 119 | أقدم طبعة للمصحف
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن ظهور القُرآن [...]
9 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 118 | فوضى القراءات المختلفة في للقرآن
تحية محبّة وأخوّة لكُم مُتابعينا الكرام! في الماضية كنّا بدأنا الحديث [...]
5 views

Page 1 of 13

اترك تعليقاً