التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 52 | قِبلة محمّد الأصلية

أهلًا بالجمهور الكريم!

في هذه الحلقة نواصل تكملة الردّ على تعليق الأستاذ “أسامة من المغرب”.

رفض أهل الكتاب اتباع قبلة محمّد الجديدة نحو المسجد الحرام الأصلي

 الجبل المقدّس جبل حوريب الذي ظهر فيه الله لموسى حسب التوراة والقُرآن

وكذلك مكان نزول الوصايا العشر كما جاء في سفر الخروج الإصحاح 24: العدد 14 «اجْلِسُوا لَنَا ههُنَا حَتَّى نَرْجعَ إِلَيْكُمْ. وَهُوَذَا هَارُونُ وَحُورُ مَعَكُمْ. فَمَنْ كَانَ صَاحِبَ دَعْوَى فَلْيَتَقَدَّمْ إِلَيْهِمَا». (خروج 24: 14)

والقرآن في سورتي طه: 12  «إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى» (طه: 12)

والقصص: 30 «فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ» (القصص: 30)

ننتقل الآن للآية الثانية التي قدّمها الأستاذ أسامة في سورة الفتح: 25 «هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ…» (الفتح: 25)

قبل الحديث عن القصود بالمسجد الحرام في هذه الآية، يجب الرجوع للآية التي قبلها لتسليط الضوء عليها من ناحية التاريخ الماديّ

حيث تقول: «وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ …» (الفتح: 24) إلى أخره.

فهذه الآية لا تتحدّث عن صُلح الحديبية كما جاء في الموروث الإسلامي، وموقع الحديبية ليس ببطن مكّة جغرافيًا

بل بعيدًا عنه بأكثر من 20 كيلو متر إذا سلّمنا جدلًا بأنّ الآية تتحدّث عن مكّة الحالية

فكما سبق أن قدّمت في إحدى حلقات (صندوق الإسلام) مع الأستاذ “حامد عبد الصمد” فالكلمة مكّة من الناحية الفليلوجية كما قال أستاذي “كرستوف لوكسنبرج” ليس مكانًا جغرافيًا

 وهذا ما يوافق ما توصّلت إليه الدكتورة “باتريشيا كرون” بعدم وجود مكّة في الخرائط والعقود التي ترجع لتك الفترة أو قبلها

وإنما بحث رأيي كما يقول الأستاذ “لوكسنبرج” إدغام حرف العين في الكاف معكة بمعكة بمعنى صدام ومنها جاءت كلمة معركة

والله كفّ أيدي الأعداء عن المؤمنين وكفّ أيد المؤمنين عن الأعداء ببطن معركة وصدام بين الفرقين، فريق المؤمنين وفريق الكفار،

 وهذا هو بالضبط ما نجده في (تاريخ هرقل) للمؤرخ الأرميني “سيبيوس”، أو “بسيدو سيبيوس” كما يحلو للبعض

وهو يتحدّث عن المعركة التي دارت رحاها بين الروم البيزنطيين من جهة، والعرب برئاسة محمّد واليهود من جهة أخرى، كان النصر حليف اليهود والعرب على الروم

والسبب كما يخبرنا سيبيوس هو القرار الذي اتخذه هرقل العظيم بعدم الدخول في الحرب ضد العرب واليهود والهجوم عليهم كما هو متوقع حتى يصل أخر جندي روماني لأرض المعركة والاكتفاء بوضعية الدّفاع

فكان تخطيط سيئ مما جعل كِلا الفرقين في حالة ترقُّب

حتى بادر العرب بكمين مُحكم للروم عجّل بفشلهم وهزيمتهم هزيمة نكراء، وأظفر الله الحِلف العربي اليهودي على أعدائهم البيزنطيين

وسبب تحالُف اليهود بالعرب بقيادة محمّد كان سببه كما قال سيبيوس وأكّدت رسالة للراهب ماكسموس المعترف Maximus the Confessor

يُخبر فيها يوحنا أسقف كزيكوس  بأنّ عددًا من اليهود أجبروا على التّنصير من طرف الحاكم “جورج” في قرطاج بأمر من الإمبراطور هرقل

وأكّد ذلك رسالة، رسالة تعليم يعقوب أي Doctrina Jacbi V.16,209

وهذا الانتصار أُطلق عليه عِزرا باللغة الآرامية بمعنى نُصرة إلهية ولست معركة بدر كما جاء في قراءة القرآن الحالية

فالمعركة التي خاضها العرب ضدّ جيرانهم والتوسّع على حسابهم جاءت في جوٍّ تسوده النظرة السوداويّة التي كانت تعيشها منطقة الشرق الأوسط من تطاحُن مُستمرّ من قبل البيزنطيين والساسانيين التي أضعفت القوتين وأنهكت مصادر عيش الشعوب التي تحت حُكمهم

وانتظر الكلّ نهاية العالم وهو ما يُسمّى بالأبوكاليبس وهذا السبب جعل محمّد نبي العرب الانتصار على الروم مسالة محسومة وهي مسألة وقت بسيط جدًا

وذلك واضح من خلال قراءة النبي لبداية سورة الروم «غَلبت الرُّومُ. فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيُغْلِبُونَ» (الروم: 2 -3)

وكذلك هي قراءة “لعليّ بن أبي طالب وأبو سعيد الخُدري وابن عبّاس” وغيرهم

خلافًا لقراءة الجمهور «غُلِبَتِ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ» (الروم: 2 -3)

والثقة التي كانت عند محمّد بانتصاره على الروم نابعة من وعد الله بتحقيق وعده

والرجوع أرض الميعاد فلسطين لذرية إبراهيم، وهو أي محمّد واحد منهم من أبناء إسماعيل

في حين هرقل ليس منهم، وهذا ما جاء في التوراة سفر التكوين الإصحاح 12 من العدد الأول إلى العدد الثالث «وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ: «اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ. فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ، وَتَكُونَ بَرَكَةً. وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ، وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ». (تكوين 12: 1 – 3)

فكان يُحرّض أي محمّد أتباع على القتال كما تُخبرنا سورة الأنفال: 65 – 66 «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ۚ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ. الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ» (الأنفال: 65 -66)

وكذلك السبب الآخر يظهر في الآية التي قدّمها الأستاذ أسامة في سورة الفتح: 25 «هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ…» (الفتح: 25) إلى أخره..

فالبيزنطيين بقيادة العظيم، كفروا بوعد الله الذي أعطاه لذُرية إبراهيم الخليل في التوراة

ولم يتنازلوا عن الأرض الموعودة لأصحابها ذُرية إبراهيم من عرب ويهود

فصدّوهم أي البيزنطيين على المسجد الحرام، وهذه المرة إشارة لبيت هامقداش وليس لجبل حوريب عفوًا

فالنُّصرة بالنسبة لمحمّد كانت مسألة وقت فقط كما قُلنا، وهم على أبواب نهاية العالم الأبوكاليبس

وهذا اليقين ملموس في الآية الثالثة التي قدّمها الأستاذ أسامة في سورة الفتح وهي الآية 27 «… لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ …» (الفتح: 27) إلى أخره

لأنّهم أصحاب على هذه الأرض، وبالفعل هذا أكّده التاريخ الماديّ بدخول محمّد بيت المقدس بعد انتصاره على الروم البيزنطيين سنة 634

وكان وقتها فاتحًا للقُدس ولا زال على قيد الحياة بخلاف ما قالته المراجع الإسلامية أنّ “عُمر بن الخطّاب” هو الذي فتح فلسطين

أمّا الآية في سورة المائدة الآية 97 «جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ…» (المائدة: 97) إلى أخره

فالكعبة هو البناء الدائري الذي بناه اليهود مباشرة بعدما انتصروا بصحبة العرب على الروم، ومسكِهم زِمام بيت المقدس وهذا ما أكّده سيبيوس

ولا زالت أثار البناء القديم كأقواس موجودة إلى الآن أمام قُبّة الصخرة التي بناها “عبد الملك بن مروان”

ولتكملة الموضوع، كونوا معنا في الحلقة القادمة، وإلى اللقاء!


Download text file

Early History of Islam 052

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 127 | سر ذبح بقرة موسى
أهلًا بالمُتابعين الأفاضل! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة القُرآن، ككتاب [...]
20 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 126 | البقرة الحمراء وبناء معبد اليهود في القدس
مرحبًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن البقرة الحمراء [...]
12 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 125 | بقرة موسى صفراء أم حمراء؟
أهلًا بالمُشاهدين الكرام! مازلنا في إطار الردّ على تعليق الحلقة [...]
11 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 124 | إشكالية نص القرآن (الرد على أحد التعليقات)
أهلًا وسهلًا بكم مرّة أخرى أعزائي الكرام! في الحلقات الماضية، كنا [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 123 | محمد لم يأت بدين جديد
أهلًا بكُم أحِبائي الكِرام. في الحلقة الماضية كنّا تحدّثنا عن كُتب [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 122 | القرآن هو أجبية وقريان العرب
أهلًا بكم أعزّائي الكرام! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة أصول القُرآن، [...]
15 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 121 | هل يجيد الرسول القراءة والكتابة؟
أهلًا بكم مُشاهديّ الكرام! بعد سلسلة من الحلقات حول القراءات [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 120 | إشكالية التنقيط في القرآن
تحيّة محبّة واحترام لكُم مُتابعينا الكرام! كنّا قد تكلّمنا في الحلقات [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 119 | أقدم طبعة للمصحف
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن ظهور القُرآن [...]
9 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 118 | فوضى القراءات المختلفة في للقرآن
تحية محبّة وأخوّة لكُم مُتابعينا الكرام! في الماضية كنّا بدأنا الحديث [...]
5 views

Page 1 of 13

اترك تعليقاً