التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 56 | قريش في كتاب التناخ

أهلًا بكم أحبائي الكرام!

في الحلقة الماضية كنّا بدأنا الحديث عن قريش وقُلنا: أنها من أصل كلمة أرمية قريشا معناها سقيفة، للدلالة عن البيت الذي جاء الآية الثالثة «فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ» (قريش: 3)

وهي من فعل قريش بمعنى يُسقّف البيت بالقشّ، لاحظ نضع حرف الراء فتصير قشّ بدل قُريش

فالرواية الإسلامية تُخبرنا عن إعادة بناء سادة قريش للكعبة بعد سقوطها، عندما كان محمّد شاب لم يعرف الرسالة بعد

فربّما جاءت هذه التسمية للدلالة على إعادة بناء الهيكل في مكان أخر بعد سقوطه سنة 70 ميلادية

ولتعويض العرب على مكان أخر يحجّون إليه ويقومون بتجارتهم،

 أو ربما تجمُّع الحجيج حول البيت من تقريش القوم باللسان العربي، ومعناه التجمُّع كما جاء في (لسان العرب) لابن منظور عن ابن سيّده

نعود لما قُلنا في الحلقة الماضية، لم جاء في التناخ תנ״ך  الكتاب المقدس لليهود، حيث يُخبرنا عن حج قبيلة قيدار أبناء إسماعيل وهي قبيلة عربية قديمة

بل كانت مملكة سُمّيت بمملكة أدوماتو وهو الاسم الآشوري لدومة الجندل

وكذلك نبايوت الابن الأكبر بين قوسين (الأنباط) كلّهم أحفاد إسماعيل بحسب التناخ

وبهذا الخبر يُمكن أن نفهم علاقة إسماعيل بما يُسمّى قُريش

ففيه إشارة لتجمُّع قبائل قيدار ونبايوت وذلك كما قُلنا في سفر إشعياء إصحاح 60 العدد 7 «كُلُّ غَنَمِ قِيدَارَ تَجْتَمِعُ إِلَيْكِ. كِبَاشُ نَبَايُوتَ تَخْدِمُكِ. تَصْعَدُ مَقْبُولَةً عَلَى مَذْبَحِي، وَأُزَيِّنُ بَيْتَ جَمَالِي.» (إشعياء 60: 7)

إذًا قبيلة قيدار ونبايوت تجتمع للرحيل نحو بيت الربّ وهو التقريش، وذلك بتقديم الذبائح من الأغنام والكباش وتجمعهم وتقريشهم هذا يتمّ في بيت هامقداش

وكلمة الهدي والقلائد في سورة المائدة الآية 97

تُفيد تقليد الذبائح بخيوط قرمزيّة للدلالة على الذبيحة،

وذلك في بيت المقدس أورشليم مدينة السلام البلد الأمين، التي يُرمز لها في النصّ القُرآني في سورة قريش بالآية الأخيرة، «…وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ» (قريش: 4) ولا ننسى تقدمة الذبائح لإطعامهم من جوع،

نحن لا نناقش التاريخ المادي لقبائل قيدار ونبايوت واختلاف الآراء في هذا الموضوع وإنّما تأثّر النصّ القُرآني بالكتاب اليهودي التناخ

فهذا النوع من الرجالات الدينية جاء ذكرها كذلك في سورة الحج الآية 27 و 28 «وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ. لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ» (الحج: 27 – 28)

لاحظوا معي عبارة (كل ضامر) أي الأبل والجمال كما جاء في إشعياء الإصحاح 60 العدد 6 «تُغَطِّيكِ كَثْرَةُ الْجِمَالِ، بُكْرَانُ مِدْيَانَ وَعِيفَةَ كُلُّهَا تَأْتِي مِنْ شَبَا. تَحْمِلُ ذَهَبًا وَلُبَانًا، وَتُبَشِّرُ بِتَسَابِيحِ الرَّبِّ» (إشعياء 60: 6) أي صغار الجمال

ثمّ «لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ …» (الحج: 27) إشارة للتجارة والحجّ في آنٍ واحد

«…فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ» (الحج:28) إشارة للآيّة الأخيرة كما قُلنا في سورة قريش «الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ» (قريش: 4) الذين أطعمهم.. عفوًا

وهذا ما جاء في سفر التثنية الإصحاح 16: 11 «وَتَفْرَحُ أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِكَ أَنْتَ وَابْنُكَ وَابْنَتُكَ وَعَبْدُكَ وَأَمَتُكَ وَاللاَّوِيُّ الَّذِي فِي أَبْوَابِكَ، وَالْغَرِيبُ وَالْيَتِيمُ وَالأَرْمَلَةُ الَّذِينَ فِي وَسْطِكَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ الرَّبُّ إِلهُكَ لِيُحِلَّ اسْمَهُ فِيهِ.» (تثنية 16: 11)  بين قوسين (بيت إيل)

وقد سبقت أن أشارت التوراة لهذا الإصحاح 22 من العدد 21 إلى 22 ««وَلاَ تَضْطَهِدِ الْغَرِيبَ وَلاَ تُضَايِقْهُ، لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ غُرَبَاءَ فِي أَرْضِ مِصْرَ. لاَ تُسِيءْ إِلَى أَرْمَلَةٍ مَا وَلاَ يَتِيمٍ.» (خروج 22: 21 -22)

لأنّ بني إسرائيل كانوا حسب التوراة مُستضعفين في أرض مصر، ولهذا يجب عليهم الشّكر لله، والإحسان للفقير والغريب واليتيم والأرملة

وهذا تؤكّده كذلك سورة الضُحى يعني لو لاحظنا من الآية 9 للآية 11 « فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ. وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ. وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ» (الضحى: 9 -11)

ثم يأتي سفر زكريا الأصحاح 14 العدد 16 ليُقدّم لنا رحلة الشتاء يقول العدد: «وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ الْبَاقِي مِنْ جَمِيعِ الأُمَمِ الَّذِينَ جَاءُوا عَلَى أُورُشَلِيمَ، يَصْعَدُونَ مِنْ سَنَةٍ إِلَى سَنَةٍ لِيَسْجُدُوا لِلْمَلِكِ رَبِّ الْجُنُودِ وَلِيُعَيِّدُوا عِيدَ الْمَظَالِّ.» (زكريا 14: 16)

وهنا إشارة لعيد Sukkot סוכות  أحد الأعياد الثلاثة الكبرى التي كان على اليهود أن يحجّوا فيها إلى أورشليم

فعيد المظال Sukkot لطلب المطر، وعيد الفصح פֶּסַח پيسَح لإحياء خروج بني إسرائيل من مصر، وبعد 7 أسابيع أي 50 يومًا تقريبًا يُحتفل بعيد العنصرة اليهودي شبوعوت שבועות

وهو عيد الحصاد، إشارة لرحلة الصيف، لتقدمة الباكورة، وكذلك عيد نزول الشريعة على موسى

فهذه الأعياد الكُبرى لليهود كان العرب يُشاركون فيها لزيارة بيت المقدس بيت هامقداش بحسب التناخ

وتُسمّى هذه الزيارة كما قُلنا: بالحج. أو بالحجّ باللغة الآرامية، كذلك باللغة العربية بمعنى عيد وهو احتفال ديني على شكل دائري كما قُلنا

فعملية الطوائف حول البيت 7 مرات، وهو رقم الكمال عن العرب، وعند شعوب أخرى،

 نجد بني إسرائيل كانوا يطوفون حول الهيكل في أعيادهم التي ذكرناها،

 كما طافوا 7 مرات حول مدينة أريحا فاليوم السابع من حصارهم لهذه المدينة أيام يشوع بن يونان، وذلك في سفر يشوع الإصحاح السادس

خلاص القول: سورة قُريش تتحدّث عن عادة تجمُّع احتفالي ديني وتجاري حول بيت الله بيت إيل مرتين في السنة

مرّة في الصيف وأخرى في الشتاء، وهذا ما أكّده كلّ من الأسقف إبيفانيوس عن رحلة الشتاء والمؤرخ بروكوبيوس عن رحلة الصيف

وكذلك التناخ لما ذكر حجّ قبال عربية من مملكة قيدار ونبايوت كانت تحُجّ لبيت هامقداش لطلب المطر في الشتاء وتقديم الذبائح في الصيف كشكر على محاصيل السنة

فقريش ليست قبيلة ينتمي لها الرسول، ولكن تجمُّع ديني تجاري أيام الحجّ عند بيت الله

ولزيادة في التأكيد بقي العرب يحجون بيت المقدس في الأعياد التي ذكرناها كعيد العنصرة حتّى القرن الأوّل الميلادي كما يُخبرنا سفر أعمال الرسل الإصحاح 2 العدد 11 «كِرِيتِيُّونَ وَعَرَبٌ، نَسْمَعُهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا بِعَظَائِمِ اللهِ!». (أعمال الرسل 2: 11)

فعندما تهدّم الهيكل سنة 70 ميلاديّة اختيرت أماكن أخرى للحجّ

ولتكملة هذا الموضوع كونوا معنا وإلى اللقاء!


Download text file

Early History of Islam 055 Early History of Islam 056

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 127 | سر ذبح بقرة موسى
أهلًا بالمُتابعين الأفاضل! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة القُرآن، ككتاب [...]
20 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 126 | البقرة الحمراء وبناء معبد اليهود في القدس
مرحبًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن البقرة الحمراء [...]
12 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 125 | بقرة موسى صفراء أم حمراء؟
أهلًا بالمُشاهدين الكرام! مازلنا في إطار الردّ على تعليق الحلقة [...]
11 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 124 | إشكالية نص القرآن (الرد على أحد التعليقات)
أهلًا وسهلًا بكم مرّة أخرى أعزائي الكرام! في الحلقات الماضية، كنا [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 123 | محمد لم يأت بدين جديد
أهلًا بكُم أحِبائي الكِرام. في الحلقة الماضية كنّا تحدّثنا عن كُتب [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 122 | القرآن هو أجبية وقريان العرب
أهلًا بكم أعزّائي الكرام! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة أصول القُرآن، [...]
15 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 121 | هل يجيد الرسول القراءة والكتابة؟
أهلًا بكم مُشاهديّ الكرام! بعد سلسلة من الحلقات حول القراءات [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 120 | إشكالية التنقيط في القرآن
تحيّة محبّة واحترام لكُم مُتابعينا الكرام! كنّا قد تكلّمنا في الحلقات [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 119 | أقدم طبعة للمصحف
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن ظهور القُرآن [...]
9 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 118 | فوضى القراءات المختلفة في للقرآن
تحية محبّة وأخوّة لكُم مُتابعينا الكرام! في الماضية كنّا بدأنا الحديث [...]
5 views

Page 1 of 13

اترك تعليقاً