التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 67 | ما معنى عبارة “كرم الله وجهه” ؟

أهلًا بكم أحبائي الكرام!

في الحلقة الماضية وجه التشابه بين الهرطقة القوليريديانية والعقيدة النصيرّية، ورفضهم القول بالتثليث المسيحي

 كالفُرق النصرانيّة التي رفضت عقيدة الابن والآب والروح القدس الإله الواحد كالأبيونية والموناركية والآريوسية

وأصبحوا بحُكم مُجمّع نيقيه الأول سنة 325 ميلاديّة رافضة للثالوث وتعليم “بولس” الرسول ثالوث الخلافة أبو بكر وعمر وعثمان

وتعاليم الصاحبة والتابعين واتباع الأئمة أهل البيت وعلى رأسهم العليّ “عليّ بن أبي طالب” كرّم الله وجهه!

وهذه العبارة أي (كرّم الله وجهه) لها مفهوم لاهوتي، بمعنى الله كرّم وجهه بالظّهور في وليّه عليّ” العليّ”

وليس بمعنى أنّ علي لم يسجد لصنم قطّ كما يعتقد العامة من المسلمين.

وهذا الفكر يتطابق تمامًا بحسب العقيدة النصيريّة، بالآية التي توجد في سورة الحديد الآية 3 أي أنّ الله «هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ…» (الحديد: 3)

بمعنى أنّه تعالى باطنه غيب لا تُدركه الأبصار، ووليّه عليّ نورًا ظاهر مُستدرك” كما جاء في الرقعة السادسة

فلو كانت عبارة (كرّم الله وجهه) تعني لم يسجد لصنم قط، لكان الكثير من صغار الصحابة كعبد الله بن عبّاس بن أبي طالب وعبد الله بن الزبير بن العوام” وأنس بن مالك” وغيرهم من ضمن الذين يُقال عنهم كرّم الله وجههم!

فبحسب الرواية الإسلام فلم يسجدوا لصنم قطّ، إذًا، العقيدة النصيريّة تُفرّق بين الله الظاهر والباطن

فتقول في المسيح كما جاء في الرقعة 55 “دخول اللّاهوت في النّاسوت وقت حمل مريم ونزوله من السماء”

بمعنى المسيح هو كلمة الله اللّاهوت نزلت من السماء وحلّت هذه الكلمة في الناسوت وقت حمل مريم العذراء، وعلي بن أبي طالب هو ظهور أخر لله الظاهر في نوره

ولهذا لُقّب المسيح بكلمة الله، وعلي بن أبي طالب بوليّ الله، ومحمّد اسم الله كما جاء في الرقعة السادسة، ورسوله الظاهر

خُلاصة القول، بحسب هذا الفكر فلله ظهورات مُختلفة في شخصيّات مُقدّسة كموسى والمسيح وعليّ ومُحمّد وبالتالي عندما يقول النصّ القُرآني «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ…» كما جاء في  (آل عمران: الآية 144)

السؤال المطروح: عن أيّ محمّد ومُمجّد يتحدّث النصّ؟

كذلك من هم الشخصيات التاريخيّة التي كثُر فيها القيل والقال حول موته؟

الجواب في القُرآن نفسه، في سورة النساء الآية 157 « وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا» (النساء: 157)

وليست صدفة أن تأتي الآية 75 من سورة المائدة بنفس البنيّة الفكريّة، «مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ۖ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ» (المائدة: 75)

وعندما نرجع لنقش قبّة الصخرة نجد هذا التّطابق المذهل في صفة المسيح عيسى كمحمّد عبد الله ورسوله

وسورة مريم تؤكّد صفة عبد الله على المسيح في الآية 30 «قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا» (مريم: 30)

فكما لاحظنا ارتباط النصيريّة بالنصرانيّة التي انشقت عن الكنيسة المسيحيّة أصحاب التثليث، فهل هناك ارتباط بين هذه الهرطقات النصرانيّة والبدايات الأولى للفُرق الإسلاميّة؟

تذكُر لنا الروايات الإسلاميّة وجود شخصيّات في البدايات الأولى للإسلام، كورقة بن نوفل، وبُحيرة الراهب، وكلّ ما نعرفه عنهما كانا من النّصارى موحّدين بمعنى لا يعتقدون بعقيدة التثليث

وورقة بن نوفل هذا هو مَن أقرّ بنبوة محمّد مُنذ البداية، كبحيرة الراهب من قبل، وكان ورقة يكتب الكتاب بالعبري ما شاء الله أن يكتب كما تُفيد سيرة “ابن إسحاق”

فلو كانت شخصيّة حقيقيّة بهذه المواصفات يمكن أن نقول: الكتاب العبري هو إنجيل متّى العبراني.

التي اتّخذته الطوائف النصرانيّة غير المسيحيّة ككتاب مُقدّس يتحدّث عن رسالة المسيح

ولو دقّقنا في اسم بحيرة الراهب فنجد كلمة بحيرة باللّغة الآراميّة تعني عالم، وخبير، والمُتبحّر في العلوم والمعرفة، والراهب بمعنى الزاهد في العبادة،

 السؤال المطروح هل نجد بصمات على وجود مثل هذه الشخصيات في النصّ القُرآني؟

نجد في سورة المائدة «لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ» (المائدة: 82)

أعداء المؤمنين هم اليهود والذين أشركوا بمعنى اليهود والمسيحين أصحاب الثّالوث، والأقرب إليهم مودة هم النّصارى، وهي فئة من الرهبان والقساوسة الذين يؤمنون بوحدانية الله وكملته المسيح بن مريم

يؤمنون بالتانخ الكتاب المُقدّس لليهود، وإنجيل متى العبراني.

وتعاليم أباء المُعلّمين الذين حافظوا على تعاليم العبراني، وتعليم المسيح لأنّ حسب رأيهم،

فالمسيح لم يأتِ لينقض الناموس شريعة موسى ولكن ليُكمل هذا الناموس كما جاء في إنجيل متّى الإصحاح 5 العدد 17 «لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ» (متى 5: 17)

فتقديس يوم السبت مهمّ جدًا ولهذا نجد اليوم السابع في الأسبوع هو يوم شبت أو السبت حتّى عند العرب

وبقي إلى اليوم بهذا الاسم، فهؤلاء النّصارى كانوا يهودًا مُتنصّرين،

هناك من أطلق عليهم (كلمة فرنسية)، كما جاء في كتاب الأب Edouard-Marie, GALLEZ في كتابه (le messie et son prophète المسيا وروسله)

يقومون هؤلاء النّصارى بالختان ويُحرّمون الخنزير يتوضؤون ويغتسلون من الجنابة، ويتّجهون بصلاتهم نحو بيت المقدس في السجود والركوع، وكانوا يرتّلون من كتاب يجمع مقاطع من التّناخ وإنجيل متّى بالعبراني

وتعاليمهم اسمهُ (قريانا) باللّغة الآراميّة، ولتبسيط وتوضيح رسالتهم للعرب، ترجموا هذا الكتاب القريانا من اللّغة الآراميّة إلى اللّسان العربي

وهذا ما كان ورقة بن نوفل إذا كانت شخصيّة حقيقة يقوم به، عند كتابه للكتاب الذي أُشير له في السيرة النوبيّة سيرة “ابن إسحاق”

وإلّا لمن كان يكتب هذا الكتاب؟ وما محواه؟

نكتفي بهذا القدر، وإلى اللقاء فكونوا معنا في الحلقة القادمة!


Download text file

Early History of Islam 067

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 127 | سر ذبح بقرة موسى
أهلًا بالمُتابعين الأفاضل! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة القُرآن، ككتاب [...]
20 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 126 | البقرة الحمراء وبناء معبد اليهود في القدس
مرحبًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن البقرة الحمراء [...]
12 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 125 | بقرة موسى صفراء أم حمراء؟
أهلًا بالمُشاهدين الكرام! مازلنا في إطار الردّ على تعليق الحلقة [...]
11 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 124 | إشكالية نص القرآن (الرد على أحد التعليقات)
أهلًا وسهلًا بكم مرّة أخرى أعزائي الكرام! في الحلقات الماضية، كنا [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 123 | محمد لم يأت بدين جديد
أهلًا بكُم أحِبائي الكِرام. في الحلقة الماضية كنّا تحدّثنا عن كُتب [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 122 | القرآن هو أجبية وقريان العرب
أهلًا بكم أعزّائي الكرام! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة أصول القُرآن، [...]
15 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 121 | هل يجيد الرسول القراءة والكتابة؟
أهلًا بكم مُشاهديّ الكرام! بعد سلسلة من الحلقات حول القراءات [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 120 | إشكالية التنقيط في القرآن
تحيّة محبّة واحترام لكُم مُتابعينا الكرام! كنّا قد تكلّمنا في الحلقات [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 119 | أقدم طبعة للمصحف
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن ظهور القُرآن [...]
9 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 118 | فوضى القراءات المختلفة في للقرآن
تحية محبّة وأخوّة لكُم مُتابعينا الكرام! في الماضية كنّا بدأنا الحديث [...]
5 views

Page 1 of 13

اترك تعليقاً