التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 73 | هل بكة في جنوب فلسطين؟

أهلًا وسهلًا بكم أحبّائي الكرام!

في الحلقة الماضية كنّا نبحث عن من المُحتمل أن يكون قد بناه إسماعيل ابن إبراهيم الخليل بالقرب من المكان الذي سكنه هو وأمّه هاجر

ولِمَ لا يكون أبوه إبراهيم قد وضع له الحجر الأساس،

للإشارة فإنّنا لا نناقش تاريخية أبو الأنبياء إبراهيم وابنه إسماعيل

وإنّما نُحاول فك شيفرة النصّ الغامض ونبحث عن المكان الذي عاشه في الرسول محمّد في ظلّ غياب دلائل علمية ماديّة على أرض مكّة الحالية

بالرجوع لذكرى موضوع رفع قواعد البيت الحرام من طرف إبراهيم وابنه إسماعيل، وذلك في سورة البقرة الآية 127

«وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» (البقرة: 127)

فعندما نبحث عن مدينة قديمة أو آثار معبد قديم بالقُرب من هذه المنطقة في صحراء النقب قرب بئر سبع

نجد آثار مدينة قديمة فعلًا في منطقة تل عراد لا زالت أطلالها شاهدًا على عُصور غابرة

يوجد على أرضها قلعة وبداخلها معبد قديم جدًا، كان يُعبد فيه إله إبراهيم الإله يهو إيلوهيم

 والإلهة عشيرة التي تحدّثنا عنها في حلقات تقديس العرب لآلهة الخصب إلهة الأم والدة الإلهة عِشتار وأخيها بعل وهي أي الإلهة عشيرة زوجة الإلهة إيل الإله الكنعاني الذي اشتقت منه اسم كلمة إيلوهيم بالجمع

والمُفاجأة الكُبرى هي أنّ لهذا المعبد هندسة تُشبه تمامًا هندسة معبد سُليمان في أورشليم لكن بحجم أصغر شيئًا ما

يعود هذا المعبد حسب عُلماء الأركيولوجيا إلى عصر الملك سليمان في القرن العاشر قبل الميلاد، وليس لعصر إبراهيم الخليل

إلى أنّ معبد سليمان في القُدس بُني بحسب الموروث اليهوديّ على المذبح الذي جهّزه إبراهيم لتقديمة ولده إسحاق

ونظرًا لتشابُه بين معبد سُليمان ومعبد تلّ عراد جعل البعض يعتقد أنّها أورشليم الحقيقية

لكن في الموروث اليهودي عفوًا، يُخبرنا عن بناء معبد واحد للربّ في عهد سليمان دمّره الملك نبوخذ نصّر الثاني سنة 587 قبل الميلاد

ثمّ أعيد بناءه بعد السبيّ البابلي سنة 516 قبل الميلاد،

ثم هُدّم من جديد سنة 170 قبل الميلاد على يد الملك انطيوخوس الرابع Antiochus IV Epiphanes لقمع ثورة يهودية

 ثم أعيد بناءه في المرة الثالثة على يد الملك هيرودس سنة 40 قبل الميلاد

ثم دُمّر للمرة الثالثة على يد الروم سنة 70 ميلادية

استنادًا لعلم الآثار هناك شكوكًا حول الرواية الكتابية لقصّة الملوك الكبار لبني إسرائيل كداود وسليمان

فرغم اعتراف البروفسير “إسرائيل فنكلشتاين” من جامعة تل أبيب بحقيقتهم التاريخية إلا أنّه يقول: بتضخيم قصص ملوك بني إسرائيل، من حيث مساحة الأرض التي كانوا يحكمونها

 كما عاب على بعض علماء الأثار الذين يمسكون المعول في يد وباليد الأخر العهد القديم

وكأنّهم ينطلقون من النتائج للوصول إلى اثباتات أركيولوجية، وربّما هذا ما أقوم به في هذا البحث، حيث ننطلق من النّصوص للبحث عن الآثار المُناسبة لها

فليس لنا أي دليل علمي ماديّ أركيولوجي يُفيد أنّ إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل قاما ببناء بيت للربّ

وإنّما نُحاول أن نجد جغرافية للأماكن الموجودة في نصوص ولهذا السبب إنّنا لا نمتلك الحقيقة المُطلقة دائمًا دراسات قد تُفيد الباحثين

نعود للموضوع فوجود معبد يشبه الهيكل بالقُدس، بوجود مكان المذبح، والمحرقة والقُدس، وقدس الأقداس وبداخله حجران يُمثّلان الإلهة يهوه، والآخر يمثل الإلهة عشيرة في تل عراد

يجعلنا نُفكّر في موضوع وجود مسجدين الأقصى والمسجد الحرام، كأبنية قديمة كانت موجودة في التاريخ يحُجّ لها اليهود والعرب على السواء

ممّا يُفسّر وجود تماثيل أو تمثال للإله يهوه وعشيرة والسؤال المطروح، هل محمّد كان يعرف بمعبد تل عراد؟ خصوصًا أنّ هذه المنطقة ضمن خريطة Arabia Petraea  كما أشرنا سابقًا

وقلنا: إنّ محمّد كان يعيش على أرضها، فلو سلّمنا بهذه الفرضية

 يُمكن القول بأنّ محمّد هاجز من مسجد الحرام بأورشليم إلى المسجد الحرام الموجود في تل عراد

يمكن أن يقول قائلًا: يا أستاذ لقد تُهنا تماماً فمرة تقول محمّد اتجه نجو حوريب أي جبل موسى في هجرته، والآن تقول معبد أو مسجد تل عراد دون دليل يُذكر

الجواب قد قلته في عدة مرات، بما أنّ الفترة المُبكّرة للإسلام غامضة خاصة في القرن السابع الميلادي

فكلّ الاحتمالات التي ذكرناها واردة لماذا نذكُر كلّ هذه النظريات؟

الجواب هو: لكي تكون عندنا القُدرة على تحمُّل الغموض الموجود في التاريخ المبكّر للإسلام

لأنّ الاكتفاء بالرواية الإسلامية والإيمان بها يجعل عند الباحث خمول وكسل لا يجعله ينبُش في التاريخ ويبحث عن الحقيقة الغائبة

خصوصًا أنّ الرواية الإسلامية مُتضاربة ولا تقف على أرضية صلبة، ولهذا نطلب هيئة الآثار السعودية التنقيب تحت الأماكن مسرح الأحداث

وتكون عندها أو عند كلّ باحث في هذا المجال الشجاعة الفكريّة، ليطمئن قلب المؤمن

ومُحاولة استيعاب الرأي المُضاد، ودراسته من باب البحث عن الحقيقة النسبيّة

اتُهمت من طرف صديقي الأستاذ “أحمد سعد زايد”، بأنّني أتبنّى الفرضية الجيبسونية نسبة “لدان جبسون”

واعتبار مكّة هي البتراء، فرغم وجودها على جغرافية  Arabia Petraea  بل وسُمّيت على اسمها إلى أنّني لا اتّفق مع دان جيبسون

لأنّه اعتمد على الرواية الإسلامية في نقط كثيرة منها، فلو خيروني بين اختيار البتراء أو تل عراد، فأنا أختار هذا الأخير نظرًا لاكتشافات المُذهلة كوجود حوالي 190 شُقف فخاريّة كلّها تحمل نصوصًا من التناخ بالعبرية والآرامية

بالإضافة إلى مذبح للإلهة عشيرة إلهة العرب، والإله إيل إله الكنعانيين

نكتفي بهذا القدر، فكونوا معنا في الحلقة القادمة، وإلى اللقاء!


Download text file

Early History of Islam 073

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 127 | سر ذبح بقرة موسى
أهلًا بالمُتابعين الأفاضل! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة القُرآن، ككتاب [...]
20 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 126 | البقرة الحمراء وبناء معبد اليهود في القدس
مرحبًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن البقرة الحمراء [...]
12 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 125 | بقرة موسى صفراء أم حمراء؟
أهلًا بالمُشاهدين الكرام! مازلنا في إطار الردّ على تعليق الحلقة [...]
11 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 124 | إشكالية نص القرآن (الرد على أحد التعليقات)
أهلًا وسهلًا بكم مرّة أخرى أعزائي الكرام! في الحلقات الماضية، كنا [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 123 | محمد لم يأت بدين جديد
أهلًا بكُم أحِبائي الكِرام. في الحلقة الماضية كنّا تحدّثنا عن كُتب [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 122 | القرآن هو أجبية وقريان العرب
أهلًا بكم أعزّائي الكرام! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة أصول القُرآن، [...]
15 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 121 | هل يجيد الرسول القراءة والكتابة؟
أهلًا بكم مُشاهديّ الكرام! بعد سلسلة من الحلقات حول القراءات [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 120 | إشكالية التنقيط في القرآن
تحيّة محبّة واحترام لكُم مُتابعينا الكرام! كنّا قد تكلّمنا في الحلقات [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 119 | أقدم طبعة للمصحف
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن ظهور القُرآن [...]
9 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 118 | فوضى القراءات المختلفة في للقرآن
تحية محبّة وأخوّة لكُم مُتابعينا الكرام! في الماضية كنّا بدأنا الحديث [...]
5 views

Page 1 of 13

اترك تعليقاً