التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 75 | نموذج من أخطاء النساخ في القرآن

أهلًا وسهلًا بكم أحبائي المشاهدين!

في الحلقة الماضية رأينا نظريًا كيف امتدت أيادي النُّسّاخ الأوائل للنصّ القُرآني لتغيير كلمة القُرآن بكلمة الذّكر في الآية 6 من سورة الحجر

وذلك من خلال قراءة أقدم مخطوط للقُرآن في العالم وهو طرس صنعاء DAM 01-27.1  وبالذات في الرقعة 14 أ

وذلك كما قُلنا: لنفي تهمة الجنون عن محمّد، وللقول: بأنّ النصّ لم يتغير ولن يتبدّل في المُستقبل

اليوم سوف أقدّم مثلًا لبعض أخطاء النّسّاخ الأوائل لإثبات أنّ مقولة القُرآن كان محفوظًا في الصدور مُجرّد مقولة مُسلّمًا بها، آمن بها مُعظم المُسلمين ولا زالوا يردّدونها في أي مناسبة تمُسّ بقُدسيّة القُرآن،

تعالوا ننظر عفوًا إلى ما جاء في سورة المؤمنون الآية 17 تقول الآية «وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ» (المؤمنون: 17)

ما معنى كلمة طرائق؟

لماذا نسأل هذا السؤال؟ نسأله نظرًا لاختلاف الفُقهاء في معنى هذه الكلمة.

فجمعهم اتفقوا على أنّها السماوات، وهذا مفهوم من سياق الآية، ولكنّهم اختلفوا في معناها على عدّة أقوال،

منها كما جاء في (تفسير الرازي)، قيل لها طرائق لتطاروقها أي أنّها بعضها فوق بعض

وقيل: إنّها سُمّيت بذلك لأنّها طرائق للملائكة في العروج والهبوط والطيران، يعني مطارات للهبوط وصعود الملائكة

وقيل كذلك: لأنّها طرائق الكواكب فيها مسيرها، لأنّها كمثل طُرق.

كما أنّها كذلك: مصدر الرزق بالمطر النّازل منها،

كذلك: مقرّ الملائكة وموضع إرسال أنبياء ونزول وحي، وغيرها كما جاء كما قُلنا في الرازي

وبما أنّ القُرآن يُفسّر القُرآن، فالغريب أنّ كلّ هذه التأويلات لا توافق سياق آية أخرى تحمل نفس الكلمة وذلك في الآية 11 من سورة الجن «وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَٰلِكَ ۖ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا» (الجن: 11)

وقيل إنّ عبارة (كنّا طرائق قِددًا) تعني كنّا أهواء مُختلفة كما جاء في (تفسير الطبري)

وبالعودة للمعاجم اللغويّة لا نجد معنى ثابت للكملة، فيُقال: طرائق الدهر أي تقلباته،

 وطرائق القوم أي الرجال الأشراف، كما هو موجود في (لسان العرب) لابن منظور

الكلمة طرائق لا شكّ أنّها بالجمع ومُفردها طارق، والطارق في القرُآن معنها النجم الثاقب، كما جاء في سورة الطارق من الآية الأولى إلى الآية 3

السؤال الذي يتبادر للذّهن، هل الطرائق نجومًا في السماء؟ الجواب لا

 لأنّ الجنّ في سورة الجنّ الآية 11 ليسوا بنجوم، وبالتالي فالكلمة طرائق تكون تصحيفًا حصل أثناء النقل

ولمعرفة أصلها علينا أن نأخذ بسياق الآية، أي نقوم بمُقارنة عفوًا نظيرتها في القُرآن

وهي موجودة في سورة نوح الآية 15 «أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا» (نوح: 15)

والكلمة التي تؤدّي نفس المعنى هي طِباقًا أي طوابق، وبالتالي طوابق يُمكن اعتبارها حرف أو يمكن اعتبار حرف الواو في الأصل راء

فالنّسّاخ أو النّاسخ الأوّل للنصّ القُرآني نقل حرف الراء سهوًا أو خطأ بدل من الواو

والنبرة في الأصل باء وليست ياء أو همرة كما هو الحال في المصاحف الحالية،

وكما يمكن الإشارة إلى أنّ حرف الهمزة هو من اختراع “الخليل بن أحمد الفراهيدي”

وبحسب علم القراءات فقريش كانت تُسهّل الهمز أي لا تهمز الكلمة كما هو الحال عندنا في المغرب،

نقول: فاس ولا نقول: فأس، نقول: مومن ولا نقول: مؤمن، نقول: مايدة ولا نقول: مائدة

وبإعادة الكلمة لأصلها تُصبح الآية واضح لا تحتاج لتأويل «ولقد خلقنا فوقكم سبع طوابق وما كنا عن الخلق غافلين»

بقي لنا مراجعة الكلمة طوابق في الآية 11 من سورة الجنّ، هل توافق سياق النصّ أم لا؟

والجواب يكمُن في أوّل الآية «وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَٰلِكَ ۖ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا» (الجن: 11) بمعنى الصالحون هم المؤمنون الطيّبون، ومنهم دون ذلك أي أقلّ مرتبة من الصالحين، وبالتالي هم درجات ومراتب في الإيمان

وهذا واضح كما جاء في سورة المائدة، الآية 100 «قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ…» (المائدة: 100)

وكذلك في سورة الأنعام الآية 165 «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ…» (الأنعام: 165) إلى أخره..

فالجنّ كالبشر هم كذل طوابق ومراتب ودرجات في الإيمان،

والسؤال الأخير هل هناك ما يدعم هذا الطرح في المخطوطات؟

 الجواب نجده في مخطوطة سمرقند في سورة هود الآية 73 «قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۖ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ۚ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ» (هود: 73)

نجد كلمة رحمت كتبها النّاسخ في هذه المخطوطة سهوًا بالواو بدلًا من الراء. واو حاء ميم نبرة

نرى بوضوح وجود حرف الواو بدلًا من الواو في أخر الصفحة أو رقعة من الرقعة 195 r على مخطوطة سمرقند

وباقي الكلمة في الصفحة الموالية من نفس الرقعة أي 195 v

فكرة وجودة طوابق أو طبقات سماويّة تُقدر حسب القُرآن بسبع سموات طباقًا، كما رأينا في سورة نوح الآية 15 موجودة في كذلك في (التلمود اليهودي) قبل الإسلام

وذلك في القسم الأوّل من الفصل من فصل 1 إلى فصل 22 من الكتاب الثاني لأخنوخ، بين قوسين (النبي إدريس) بحسب القُرآن

حيث صعد هذا النبي في معراجه إلى سبع سموات طباقًا لمُقابلة الله في السماء السابعة

وهذا الخبر جاءت الإشارة له في سورة مريم الآيتين 56 و 57 «وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا. وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا» (مريم: 56 – 57) أي في السماوات،

ففي التلمود الكتاب الثاني لأخنوخ بأنّه هذا النبيّ زار السماوات أو السماء الأولى ورأى الملائكة الذين يحكمون النجوم ومخازين السماء المُختلفة

 وفي الفصل السابع وصل للسماء الثانية حيث رأى أسرى مُعلّقين في الظُّلمة في انتظار يوم الدينونة

أمّا السماء الثالثة ففيها الجنّة المُخصّصة للأنبياء

 وفي السماء الرابعة كما جاء في الفصل 11 إلى الفصل 17 رأى النبي أخنوخ دروب الشمس والقمر كما هو موجود في سورة ياسين من الآية 38 للآية 40

وفي السماء الخامسة رأى أخنوخ جنود الملائكة الساقطين،

وفي الفصل 19 وجد النبي أخنوخ سبع أنواع من الملائكة المُقرّبين يُسبّحون لله ويسجدون

وفي السماء السابعة يجد رؤساء الملائكة وعلى رأسهم جبريل في الفصل ال21 وهكذا كان معراج النبي أخنوخ أو إدريس

وهنا يمكن القول: إنّ القُرآن قد أخذ فكرة السموات السبع من التلمود

نكتفي بهذا القدر وإلى اللقاء في حلقة مُقبلة، كونوا معنا!


Download text file

Early History of Islam 075

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 127 | سر ذبح بقرة موسى
أهلًا بالمُتابعين الأفاضل! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة القُرآن، ككتاب [...]
20 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 126 | البقرة الحمراء وبناء معبد اليهود في القدس
مرحبًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن البقرة الحمراء [...]
12 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 125 | بقرة موسى صفراء أم حمراء؟
أهلًا بالمُشاهدين الكرام! مازلنا في إطار الردّ على تعليق الحلقة [...]
11 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 124 | إشكالية نص القرآن (الرد على أحد التعليقات)
أهلًا وسهلًا بكم مرّة أخرى أعزائي الكرام! في الحلقات الماضية، كنا [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 123 | محمد لم يأت بدين جديد
أهلًا بكُم أحِبائي الكِرام. في الحلقة الماضية كنّا تحدّثنا عن كُتب [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 122 | القرآن هو أجبية وقريان العرب
أهلًا بكم أعزّائي الكرام! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة أصول القُرآن، [...]
15 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 121 | هل يجيد الرسول القراءة والكتابة؟
أهلًا بكم مُشاهديّ الكرام! بعد سلسلة من الحلقات حول القراءات [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 120 | إشكالية التنقيط في القرآن
تحيّة محبّة واحترام لكُم مُتابعينا الكرام! كنّا قد تكلّمنا في الحلقات [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 119 | أقدم طبعة للمصحف
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن ظهور القُرآن [...]
9 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 118 | فوضى القراءات المختلفة في للقرآن
تحية محبّة وأخوّة لكُم مُتابعينا الكرام! في الماضية كنّا بدأنا الحديث [...]
5 views

Page 1 of 13

اترك تعليقاً