التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 79 | أبرهام وليس إبراهيم في المخطوطات القرآن القديمة

صباح الخير أو مساء الورد، بحسب موقعكم الجُغرافي!

رأينا في الحلقة الماضية تغيير المصادر الإسلاميّة لرسالة محمّد إلى الإمبراطور هرقل العظيم من طلب مشروع وهو العيش على أرض الكنعانيين فلسطين بالتحديد

 بموجب الوعد الذي قدّمه الله لجدّ العرب إبراهيم الخليل جنبًا إلى جنب أبناء عُمومتهم بني إسرائيل

وذلك بحسب التوراة، سفر التكوين، الإصحاح 15 العدد 18 « فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَطَعَ الرَّبُّ مَعَ أَبْرَامَ مِيثَاقًا قَائِلًا: «لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ.» (تكوين 15: 18)

إلى طلب غريب لا يقف على منطق وهو دخول سيد أقوى إمبراطوريّة في العالم في ذلك العصر في الإسلام.

لا، بل يُهدّده إذا رفض الامتثال لأمره، (أسم تسلم).

وهو مُجرّد قائد قبيلة، أو حاكم مدينة بقلب الصحراء لا قيمة لها بين مُدن وعواصم ذلك العصر، كالقسطنطينية أو روما أو دمشق أو إيلياء أورشليم كما يُسمّيها اليهود أو الإسكندرية أو قرطاج

وقُلنا: أنّ سبب تأليف سبب هذه الرواية، هو تشريع الغزو من أجل نهب أموال الأمم المُجاورة التي لا حول لها ولا قوّة، بعد هزيمة الفُرس والبيزنطيّين على يد العرب.

نعود لموضوعنا الذي بدأناه مُنذ أسابيع وهو وجود أخطاء نسخيّة في القُرآن بسبب سهو النُّسّاخ أو جهلهم بالنصّ الأصلي أيام تدوين القُرآن في المرحلة الأولى أو أيام تنقيط نصّه في المرحلة الثانية

وعلى ذكر اسم إبراهيم الخليل أبو الأنبياء، ومطلب محمّد بالعيش على أرض فلسطين في بداية هذه الحلقة، نجد هذا الاسم أي إبراهيم تمّ تغييره أيام تنقيط نصّ القُرآن

كيف؟ هناك مُلاحظة مهمّة يُمكن لأي شخص أن يلُاحظها في رسم المصاحف، يعني مصاحف الآن

وهي وجود رسم كلمة إبراهيم بدون نبرة الياء بين الهاء والميم في كلّ سورة البقرة

ثم نجدها أي هذه النبرة أو الياء في كلّ السور التي ذُكر فيها اسم إبراهيم بالياء

ويتساءل كلّ من لاحظ هذه الظاهرة في سورة البقرة مُقارنةً بباقي السورة، لماذا سقطت هذه النبرة من هذه السورة؟

في مصاحفنا اليوم نجد حرف الياء صغيرة فوق الكلمة بين الهاء والمين في سورة البقرة، للدلالة على وجودها ونتساءل لماذا وضعت في باقي الصور؟

لو عُدنا للتوراة باللّغة العبريّة نجد الكلمة אַבְרָהָם أبراهام، وهي الكلمة مركبّة من شقّين.

أب وباللغة الآراميّة والسريانية أبا، وباقي الكلمة راهام يعني الكثرة، وبالتالي يكون معنى أبراهام أي أبو الجمهور أو أبو نسل كثير

كما ورد في الإصحاح 17 العدد 5  من سفر التّكوين « فَلاَ يُدْعَى اسْمُكَ بَعْدُ أَبْرَامَ بَلْ يَكُونُ اسْمُكَ إِبْرَاهِيمَ، لأَنِّي أَجْعَلُكَ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ.» (تكوين 17: 5)

كما نُلاحظ كان في أوّل الأمر اسمه أبراهم بمعنى الأب، ثمّ كلمة رام معناها العالي كتلة رام الله

وبالتالي فأبرام أب رفيع أي المُكرّم، ثم استبدل بحسب التوراة بأبراهام، أبو الجمهور، أو يمكن تعريبا بأبو الرّحم والنسل، لأنّ أبراهام كان يعتقد أنّه قبل حمل جاريته هاجر ظنّ أنّه كان عقيم ليس له ذُريّة

لأنّ زوجته سارة أو ساراي كانت عاقر، وذلك في الإصحاح 15 العدد 2 « فَقَالَ أَبْرَامُ: «أَيُّهَا السَّيِّدُ الرَّبُّ، مَاذَا تُعْطِينِي وَأَنَا مَاضٍ عَقِيمًا، وَمَالِكُ بَيْتِي هُوَ أَلِيعَازَرُ الدِّمَشْقِيُّ؟» (تكوين 15: 2)

نعود لرسم المُصحف نجد عادةً النبرة قبل الضمير المُتصلّ ككلمة (فسوىهن) البقرة 29

(فآتىهم) آل عمران 143

 (مجرىها ومرسها) هود 41 تُقرأ دائمًا ألفًا، لكن هذه القاعدة تتعدّاها إلى أمثلة أخرى ككلمة (التورىة) تكتب بنبرة بعد الراء

كما جاء في آل عمران الآية 3 والآية 50 و65 و 93 والمائدة 43 إلى أخر..

ثمّ نجد كلمة (بأيام) في سورة إبراهيم الآية 5 مكتوبة بنبرتين (بأيىم) وعلى هذا النحو نقرأ كلمة (ابراهىم) بهده النبرة بدون تنقيط أو تشكيل نقرأها (أبراهام) كالأصل وليس إبراهيم

سؤال: هل هناك من قرأ هذه الكلمة من القُرّاء السبع على الأصل أبراهام؟ الجواب نعم

نجد أقدم القراءات وهي قراءة “ابن عامر الدمشقي” يقرأها كذلك أبراهام في بعض السور وعلى رأسها سورة البقرة كما تُفيد المصادر الإسلاميّة نفسها

وفي كتاب (فضائل القُرآن) للقاسم بن سلام عن “يزيد بن أبي مالك” قال: “هو إبراهام وإبراهيم، مثل يعقوب وإسرائيل”

والسؤال المطروح: لماذا تغيّرت كلمة أبراهام لإبراهيم؟

الجوانب يخُصّ جانب تطوّر رسم الصحف، فلم تكن وقت تدوينه قد وضعت نبره للدلالة على الألف، وبعد وضع هذه النبرة، وفي عصر التنقيط والتشكيل فقد كُسرِت الهمزة ونقطت النبرة بين الهاء والميم كياء،

 والدليل موجود في مصفحة (بريسينو بتروبوليتانس) ففي أخر الرقعة  3 أ من مخطوط Arab 328  أ وذلك في سورة آل عمران: 33 مكتوبة بدون نبرة أبراهام

وكذلك في الرقعة 18 أ وفي سورة النّساء الآية 125 مرّتين بنفس الشّكل بدون نبرة، وكذلك في الرقعة 20 أ في سورة النساء 163

وهناك تفسير أخر، فالكلمة بالعربيّة إبراهيم جاءت بهذا النُّطق فيما بعد رغم شهادة قراءة بعض القُرّاء كابن عامر والمخطوطات القديمة، حتّى تُبعد الأنظار عن هذا الإرث المُشترك بين العرب واليهود كما وعد الله عبده أبراهام

حيث يكون أب لجُمهور كثير كالنّجوم كما في الإصحاح 22 العدد 17 من سفر التكوين «أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً، وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيرًا كَنُجُومِ السَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ، وَيَرِثُ نَسْلُكَ بَابَ أَعْدَائِهِ» (تكوين 22: 17).

بعد طرد اليهود من هذا التّحالُف وانتصارهم على البيزنطيّين في القَرن السابع الميلاديّ، أصبح الموضوع أكثر من مُطالبة حقّ شرعي كإرث وإنّما نشر السّيطرة على باقي الدول باسم الله والدّعوة لعبادتهِ

فاحتلوا أي العرب خاصة العرب مصر وسوريا والعراق التي كانت قابعة تحت رحمة البيزنطيين في فترة، والفُرس في فترة أخرى

وكما ورد في أخر هذا العدد من الإصحاح 22 من سفر التكوين «أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً، وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيرًا كَنُجُومِ السَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ، وَيَرِثُ نَسْلُكَ بَابَ أَعْدَائِهِ» (تكوين 22: 17).

وبما أنّ نسل أبراهام من إسماعيل وإسحاق وبالتالي يكون إرث نسلين أرض كنعان ما بين النيل والفُرات

انتصرت على العرب وحدهم دون أبناء عُمومتهم اليهود ولا زالت آثار هذه الإشكاليّة إلى يومنا هذا تتجلّى في الصّراع العربي الإسرائيلي على فلسطين

وبعض اليهود المُتطرّفين لا يخفون رغبتهم في تأسيس مملكة إسرائيل الكُبرى من النيل إلى الفُرات

 كما يتّضح من علم إسرائيل نفسه، وليس مكانًا للعرب الفلسطينيين على هذه الأرض

نكتفي بهذا القدر، وإلى اللقاء في حلقة مُقبلة!


Download text file

Early History of Islam 079

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 127 | سر ذبح بقرة موسى
أهلًا بالمُتابعين الأفاضل! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة القُرآن، ككتاب [...]
20 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 126 | البقرة الحمراء وبناء معبد اليهود في القدس
مرحبًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن البقرة الحمراء [...]
12 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 125 | بقرة موسى صفراء أم حمراء؟
أهلًا بالمُشاهدين الكرام! مازلنا في إطار الردّ على تعليق الحلقة [...]
11 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 124 | إشكالية نص القرآن (الرد على أحد التعليقات)
أهلًا وسهلًا بكم مرّة أخرى أعزائي الكرام! في الحلقات الماضية، كنا [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 123 | محمد لم يأت بدين جديد
أهلًا بكُم أحِبائي الكِرام. في الحلقة الماضية كنّا تحدّثنا عن كُتب [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 122 | القرآن هو أجبية وقريان العرب
أهلًا بكم أعزّائي الكرام! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة أصول القُرآن، [...]
15 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 121 | هل يجيد الرسول القراءة والكتابة؟
أهلًا بكم مُشاهديّ الكرام! بعد سلسلة من الحلقات حول القراءات [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 120 | إشكالية التنقيط في القرآن
تحيّة محبّة واحترام لكُم مُتابعينا الكرام! كنّا قد تكلّمنا في الحلقات [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 119 | أقدم طبعة للمصحف
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن ظهور القُرآن [...]
9 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 118 | فوضى القراءات المختلفة في للقرآن
تحية محبّة وأخوّة لكُم مُتابعينا الكرام! في الماضية كنّا بدأنا الحديث [...]
5 views

Page 1 of 13

اترك تعليقاً