التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 8

أهلًا وسهلًا بالجمهور الكريم!

في الحلقة الماضية أكملنا الحديث عن طرس صنعاء وقُلنا دون شكّ: أنّه أقدم مخطوط للقرآن على الإطلاق

ثم تحدثنا عن “مصحف باريسنو – بتروبوليتانس”

وهو تاني أقدم مصحف في العالم، وتحدثنا عن أجزائه وعن خلفيته التاريخية،

بمعنى خروجه من جامع عمرو بن العاص بالفسطاط، وذلك أثناء الحملة الفرنسية على مصر

فكل من الفرنسيين المُستشرق  “جان جوزيف مارسيل – Jean-Joseph Marcel” و “جون لويس أسلا شيرفيل John Lewis Asala Chirville”

أخرجا أهم جزئين   Marcel 18 و Arabe 328a

قلنا: أنّه يتكوّن من 98 رقعة من أصل 210 إلى 220 رقعة،

وهو بالخط المائل أي الخط الحجازي، وخالي من التنقيط والتشكيل والتهميز وألف المدّ في كلمة (قال)

فهو حسب الدكتور “فرانسوا ديروش”  نقلًا عن الأستاذ “ياسين ديتون” بقراءة “ابن عامر” المتوفى 118 هجري

هذا المصحف يخضع لرسم ما يُسمّى بالرسم العثماني، أي أنّه من فترة توحيد المصاحف خلافًا لطرس صنعاء الذي رأيناه

فنلاحظ عملية تطبيق هذا الرسم بوضوح في بعض الرقع، وأهمها ما جاء في الرقعة 10

فالرقعة العاشرة من هذه المخطوطة وبالضبط في سورة (النساء: آية 12) عند كلمة (كلالة) وهي أي كلمة كلالة بدون التعريف  ال التعريف

فهذه الكلمة رغم أنها كلمة محورية فالآية من آيات الإرث، إلى أنّ علماء تفسير القرآن اختلفوا اختلافًا كبيرًا فيما معناها

أوّلًا: بحسب اللغة من جذر كلمة كللَ بمعنى أحاط، وبه سمّي الإكليل وهو التاج.

وبهذا تُشير إلى الأقرباء المُحيطين، كما جاء في تفسير القُرطبي.

والقصد هو أحد الورثة من الإخوة والأخوات، ولكن يُشترط عدم وجود الابن الميّت، أو أبوه.

وهناك من الفُقهاء من يقول: بالإخوة والأخوات من الأم فقط.

وهناك من يرى: أنّ كلالة وهو الهالك نفسه أي الميّت، ثمّ وضعوا شرطًا ومنها المرء الذي ليس له ابن يرثُه.

وهناك من قال: الذي ليس له أب يرثُه،

ومنهم من قال: من ليس له ابن أو أب يرثُه، وهو رأي يُقال إنّ أكتر صحابة الرسول كانوا يتبنوه

وهناك كذلك من أدخل عدم وجود الأخ مع الابن والأب،

 ومن الفقهاء من قال: بالقصد وهو المال الموروث نفسه، يعني الميراث،

 لكن رأى البعض أنّ هذا التأويل بلا أساس ولا وجه له.

إذًا كما نُلاحظ أنّ كلمة كلالة ليس لها معنى ثابت ومُحدّد، وأمام هذه المُعضلة فجأة ظهر حديث في العصر العبّاسي أخرجه مُسلم في صحيحه،

 يقول: (إنّ الصحابي عمر بن الخطّاب يسأل الرسول عن معناها! أي الكلالة. حيث جاء فيه : ما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء أكثر مما سألته عن الكلالة، حتى طعن بأصبعه في صدري وقال: يكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء).

أي أنّ كلمة الكلالة الموجودة في آخر سورة النساء نزلت في الصيف، والتي قبلها في الآية 12 نزلت في الشّتاء.

وبمعنى كذلك أنّ الكلالة في آخر السورة تُفسّر التي قبلها، وخاصّة بعد كلمة (يستفتونك)

هناك حديث آخر ينفي الحديث السابق، وهذه المرّة مع “أبي رافع”

أنّ عمر بن الخطاب كان مستندًا إلى ابن عبّاس، لاحظوا ابن عبّاس والحديث كتب في العصر العبّاسي

( وعنده أي ابن عباس بن عمر وسعيد بن زيد، فقال أي عمر بن الخطاب: (أعلموا أني لم أقل في الكلالة شيئًا)

الآن من نُصدّق؟ الحديث الأوّل، أم الحديث الثاني؟

وفي حديث ثالث، وهذه المرة مع الخليفة “أبي بكر” نجد أنّه غير متأكّد من معناها حيث قال:

(أقول برأي فإن يكُن صوابًا فمن الله، وإن يكُن خطأ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان منه)

فالمُفسّر “بن عاشور”، احتار أمام هذه الكلمة وتضارب حولها، فلخّص الإشكالية بقول: (وقد عدّ الصحابة معنى الكلالة هنا من مُشكل القرآن)

الآن نعود لمصحفنا “مصحف باريسنو – بتروبوليتانس” في الرقعة العاشرة ب من المخطوطة Arabe 328a

نجد الكلمة كلالة، كانت في الأصل “ك ل ه” فمُسحت وكتب فوقها كاف لا لا ه” ومسح الضمير “لها” في الآية وكتب فوقها “ل ه” يعني له.

وقد لاحظ هذا التغيير الدكتور “فرانسوا ديروش” وأشار إليه في كتابه  La transmission écrite du Coran dans les débuts de l’islam

وعلّم عليها بإشارة تدلّ على التّغيير دون أن يتحدّث عن الموضوع،

ما لاحظه الدكتور”باورز” هو تغيير الكلمة بخطّ يرجع للعصر العباسي، تذكروا العصر العبّاسي،

 فيستنتج أنّ الشخص الذي غيّر الكلمة جاء بعد قرنين من الناسخ الأصلي

وهذا ما لاحظناه في ظهور الأحاديث لعمر بن الخطاب، وأبو بكر في العصر العبّاسي.

لاحظ الدكتور ” باورز” كذلك أنّ الرقعة 20 التي تحمل كلمة الكلالة بالتعريف في آخر سورة النساء، فيها ازدحامًا في الأسطر

بدلًا من 25 سطرًا في المعدّل نجد هذه الرُقع فيها أو هذه الرقعة فيها 27 سطرًا

بما يستنتج أي الدكتور “ديفيد” أنّ الآية الأخيرة أضيفت فيما بعد في آخر السورة، لإضفاء شرعية على لفظ كلالة، يعني الأولى، وخاصة بوجود رقعة مقطوعة بين الرقعة 19 والرقعة 20

ولا يظهر منها سوى الحاشية، وهي تنتمى إلى الكراسة رقم 3

وكلّ الكراسات على العموم تحتوي على 8 رقع، بمعنى 4 صفائح تُسمّى ب Bifolio

والسؤال المطروح: هل ما توصّل إليه الدكتور “ديفيد باورز” مقبول من الناحية النظريّة؟

للإجابة على هذا السؤال، انتظرونا في الحلقة القادمة، وإلى اللقاء!


 

download text file

Early History of Islam 008

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 127 | سر ذبح بقرة موسى
أهلًا بالمُتابعين الأفاضل! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة القُرآن، ككتاب [...]
20 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 126 | البقرة الحمراء وبناء معبد اليهود في القدس
مرحبًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن البقرة الحمراء [...]
12 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 125 | بقرة موسى صفراء أم حمراء؟
أهلًا بالمُشاهدين الكرام! مازلنا في إطار الردّ على تعليق الحلقة [...]
11 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 124 | إشكالية نص القرآن (الرد على أحد التعليقات)
أهلًا وسهلًا بكم مرّة أخرى أعزائي الكرام! في الحلقات الماضية، كنا [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 123 | محمد لم يأت بدين جديد
أهلًا بكُم أحِبائي الكِرام. في الحلقة الماضية كنّا تحدّثنا عن كُتب [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 122 | القرآن هو أجبية وقريان العرب
أهلًا بكم أعزّائي الكرام! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة أصول القُرآن، [...]
15 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 121 | هل يجيد الرسول القراءة والكتابة؟
أهلًا بكم مُشاهديّ الكرام! بعد سلسلة من الحلقات حول القراءات [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 120 | إشكالية التنقيط في القرآن
تحيّة محبّة واحترام لكُم مُتابعينا الكرام! كنّا قد تكلّمنا في الحلقات [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 119 | أقدم طبعة للمصحف
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن ظهور القُرآن [...]
9 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 118 | فوضى القراءات المختلفة في للقرآن
تحية محبّة وأخوّة لكُم مُتابعينا الكرام! في الماضية كنّا بدأنا الحديث [...]
5 views

Page 1 of 13

اترك تعليقاً