التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 89 | خلفية قصة أهل الكهف في القرآن

أهلًا بكم أعزائي المشاهدين!

عبر حلقتين سابقتين تحدّثنا عن قصة أهل الكهف في القرآن مُقارنة بأصلها السريانيّ ورأينا التفاعُل الجدلي في النصّ القُرآني

عمّا كان معروفًا في فترة ظهوره بين اختلاف الروايات السريانيّة المسيحيّة لهذه القصة أقرّ بها القُرآن وطرحها في خطابه لأتباعه، وخُصومه

وأشار للاختلاف عدد الفتة في الآية 22 ثم عدد السنين في الآية 26

ولم يحسم في عدد هؤلاء الفتية وعدد السنين التي مكثوا فيها بكهفهم. «…قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ…» (الكهف: 22)

ثمّ قال: «قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا…» (الكهف: 26)

لينهي جدليّة الاختلاف كقصة رمزيّة الغرض منها ليس معرفة عدد السنين ولا عدد الفتية، إن كان 3 كما تقول الجالية السريانيّة اليعقوبيّة في نجران،

أو 5 كما السريان النساطرة في العراق، أو 7 كما أجمع أغلب رواة هذه القصة.

الهدف هو الإيمان بقُدرة الله على إعادة الخلق وحقيقة البعث من الموت.

اليوم نتحدّث عن قصّة فتية أفسس، أو أصحاب الكهف في الرواية السريانيّة

فلا شكّ أنّ هذه القصة كانت رواية شفاهية قبل تدوينها من طرف العلامة “مار يعقوب السروجي” في ميماره نهاية القرن الخامس وبداية القرن السادس الميلادي

وهنا من يُشكِّك أنّ يعقوب السروجي هو من كتبها، ثم نقلتها الأقلام بتنقيحات واختلافات دون المساس بجوهر القصة

والمناسبة هي وجود جدالات واختلافات في القرن الرابع الميلادي حول مصير جسد الإنسان بعد الموت.

لأنّ بعض رجال الدين المسيحيّين وعلى رأسهم الأسقف “تيودور” أسقف آجيا وأتباعه كانوا يرفضون الاعتقاد بقيامة الجسد

المسيح بحسب رأيهم قام بجسد مُمجّد وبالتالي: جاءت هذه القصّة لتدعم قيام الشُهداء بأجسادهم الحقيقيّة

تُرجمت هذه القصّة من اللغة السريانيّة إلى عدة لُغات كاليونانية، اللاتينيّة الحبشيّة القبطيّة الأرمينيّة

وقد ذكر المُستشرق البولوني البروفسير “Bartilmiej Grysa” أزيد من مئتين مخطوطة موزّعة على متاحف ومكاتبات عالمية تعود لما بين القرن التاسع والثالث عشر الميلادي

بينما ذكر المستشرق الأمريكي البرفسور “Sidney Griffith” مجموعة أخرى من المخطوطات أهمها المخطوطات الثلاث التي ذكرتها في جريدة الشارع الثقافي التونسية عفوًا

تعود هذه المخطوطات لما بين القرن السادس والسابع الميلادي حسب تقدير المُتخصّصين في علم الخطاطة استنادًا لتطوّر الخطّ السريانيّ

أبكر نصوص السريانيّة لهذه القصة (تلايا أفسس) أو النائمون السبعة

 هي قصة لوتورجيّة كما قلنا لمار يعقوب السروجي شاعت هذه القصيدة شيوعًا واسعًا بين اليعاقبة السريان الأرثوذكس

تقول القصّة على لسان مار يعقوب السروجي في قصيدته، يُذكّر الرهبان والحاضرين

مُحاكمة الفتية بدأت في عصر الإمبراطور “Decius” الذي جاء إلى أفسس وأعلن عيد الآلهة )زيوس وأبولو وأرتميس(

وطلب من الرعية بخورًا لهذه فرفض بعض الفتية من النبلاء الامتثال لأوامر الإمبراطور وقالوا: “نحن لن نسجُد لأصنام خرسة، صنعتها أيدي البشر، إلهُنا هو ربّ السماوات (ماريا)، هو مُعينُنا له نسجُد، ونُقدّم طهارة قلوبنا. ملكُك أنت زيوس وأبولو وأرتميس. ملكُنا نحن الآب والابن والروح القدس”

بعد هذا التصريح بالكُفر بآلهة الإمبراطور، هرب هؤلاء الفتية إلى جبل عالي واختبأوا في كهف على الجبل ثم تضرعوا لله بالصلوات لكي يحميهم وينجّيهم من بطش جنود الإمبراطور

يقول مار يعقوب السروجي “الربّ رأى إيمان الحملان (الفتية) الأحبّاء وجاء ليُعطيهم أجرًا صالحًا مُكافأة لهم أخذ أرواحهم وأتى إلى السماء وترك ساهرًا بين قوسين (عيرا) يكون حارس أوصالهم إذًا، أرواحهم في السماء ورفاتهم داخل الكهف يحرُسها ملاك”

علم جنود الإمبراطور بوجود الفتية داخل المغارة فقرّروا غلق باب الكهف بجدار عقابًا لهم وصنعوا لوحات دليل بين قوسين في (التنقيح الثاني) لوح من الرّصاص بالمُفرد لوحة بارا

وصنعوا بجانبهم منقوش عليه أسماء الفتية وسبب اختبائهم في الكهف، والوقت الذي هربوا فيه من الإمبراطور “ديسيوس” ومن خلال تفاصيل القصة في قصيده مار يعقوب السروجي يتّضح وجود لوحات دليل أو لوحة من الرصاص ممّا جعل علماء الإسلام يذكرون هذا اللوح من الرصاص من بين تفاسيرهم المُختلفة

ذلك لكلمة (الرقيم) في الآية 9 من سورة الكهف.  «أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا» (الكهف: 9)

ونسبوه لابن عباس رغم أنّ ابن عبّاس حبر الأمّة لا يعرف معنى الرقيم كما جاء في تفسير القُرطبي

وفي رواية أخرى نقلها الطبري يقول أي ابن عباس: “ما أدري ما الرقيم أكتاب أم بُنيان”

علماء الإسلام توصلوا لمعرفة جذر الكلمة (ر ق م ) بمعنى ينقُش يكتُب يُخطّط

لكن هذا الجذر لا يخفى على متخصصين في علم الفيلولوجيا كالمستشرق الأمريكي ” James A. Bellamy” حيث قال بإمكانية حدوث خطأ في قراءة الحروف بالإملاء في المُصطلح الرقيم

يُشير إلى أصحاب الكهف ثم يُقدّم كلمة الرقود كأصل لكلمة الرقيم.

ثمّ في سنة 2007 بمقال بعنوان (بقايا الحروف السريانيّة في المخطوطات القرآنيّة القدية) للدكتور “كرستوفر لوكسمبرج” اعتبر الكلمة الرقيم تحريفًا لكلمة الرقاد فالنبرة بعد القاف ليست ياء وإنّما هي في الأصل ألف كما هو الأمر في كلمات كثيرة في القُرآن كمثل البقرة: 29 «هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ  (فسوىهى) سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» (البقرة: 29)

بأيام في سورة إبراهيم: 5 «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ( ىأىىم) اللَّهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ»

التوراة آل عمران الآية 3 «نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ (الىورىه) وَالْإِنجِيلَ»

65 «يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ (الىورىه)  وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ» (آل عمران: 65)

أمّا الرّاء فهي دال في الأصل لتشابُه حرفيّ الدال واراء في الخطّ السريانيّ

يُشبه الرّاء الدال، ولهاتين الفرضيتين يمكن إضافة فرضية أخرى كتبتها في مقال بعنوان (حبر الأمّة وما لا يعرفه في القُرآن) كما رأينا في النصّ الأصل لمار يعقوب السروجي

حيث جاء في ميماره أخذ أرواحهم ووضعها في السماء وجعل مُراقبها (عيرا) بين قوسين ليحرُس أجاسدهم

إذاً، الحديث عن الفتية والمُراقب وهو ملاك، وبالتّالي الآية  «أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا» (الكهف: 9)

فالرقيم بحسب السياق النصّ هو الملاك الرقيب

 الذي يحرُس أجسادهم وبالتالي يكون الخطأ وقع أثناء النقل من الرقيب إلى والرقيم

وهذا وارد جدًا لما رأيناه من أخطاء نسخيّة في سلسلة الحلقات التي تتحدّث عن الأخطاء النسخيّة في القُرآن وقعت أثناء مرحلة تدوينه، أي تدوين القُرآن

نكتفي بهذا القدر، وإلى اللّقاء في حلقة قادمة فكونوا معنا!


Download text file

Early History of Islam 089

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 127 | سر ذبح بقرة موسى
أهلًا بالمُتابعين الأفاضل! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة القُرآن، ككتاب [...]
19 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 126 | البقرة الحمراء وبناء معبد اليهود في القدس
مرحبًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن البقرة الحمراء [...]
11 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 125 | بقرة موسى صفراء أم حمراء؟
أهلًا بالمُشاهدين الكرام! مازلنا في إطار الردّ على تعليق الحلقة [...]
11 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 124 | إشكالية نص القرآن (الرد على أحد التعليقات)
أهلًا وسهلًا بكم مرّة أخرى أعزائي الكرام! في الحلقات الماضية، كنا [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 123 | محمد لم يأت بدين جديد
أهلًا بكُم أحِبائي الكِرام. في الحلقة الماضية كنّا تحدّثنا عن كُتب [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 122 | القرآن هو أجبية وقريان العرب
أهلًا بكم أعزّائي الكرام! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة أصول القُرآن، [...]
14 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 121 | هل يجيد الرسول القراءة والكتابة؟
أهلًا بكم مُشاهديّ الكرام! بعد سلسلة من الحلقات حول القراءات [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 120 | إشكالية التنقيط في القرآن
تحيّة محبّة واحترام لكُم مُتابعينا الكرام! كنّا قد تكلّمنا في الحلقات [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 119 | أقدم طبعة للمصحف
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن ظهور القُرآن [...]
9 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 118 | فوضى القراءات المختلفة في للقرآن
تحية محبّة وأخوّة لكُم مُتابعينا الكرام! في الماضية كنّا بدأنا الحديث [...]
5 views

Page 1 of 13

اترك تعليقاً