التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 91 | نظرية الجنين القزم في القرآن

أهلًا بالجمهور الكريم!

كما وعدتكم في الحلقة الماضية بمُناقشة أطوار الجنين في القُرآن عند تطرُّقنا للآية 14 من سورة المؤمنون «… فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا…» (المؤمنون: 14) إلى آخره.

مُقارنة بالكتب المُقدّسة التي سبقته وما يقول العلم في ذلك العصر، وما استجدَّ في هذا الموضوع في عصرنا الحاضر

هناك فكرة راسخة في عُقول أغلب أحبّائي المسلمين منذ فترة بعيدة من الزمان عن أطوار الجنين

على أنّها حقيقة علميّة غير قابلة للشكّ، لكونها موجودة في بعض الآيات القُرآنيّة

وبما أنّ القُرآن حسب عقيدتهم هو كلام الله المُنزّل على رسوله محمدًا،

 فبالتالي: لا يمكن للمُسلم مُجرّد التفكير في احتمالية عدم صحّتها خاصة عندما يجد حسب رأيه تفاصيل مدهشة عن هذه الأطوار والمراحل التي يمُرّ منها الجنين في بطن أمّه

لم يسبق طبّ أو كتب مقدّسة تقديمها قبله، وحتى إن كانت هناك كتب قبل القُرآن تُشير أو تتحدّث عن أطوار الجنين، فهذا يُعزّز صحّة القُرآن ولا يطعن فيه

ولكن في الواقع إذا أخذنا مقاييس العلم في فترة ظهور الإسلام عند القرن السابع الميلادي، يُمكن القبول بنظريّة تطوّر الجنين القرآنيّة على أنّها حقيقة علميّة سواء في ذلك العصر أو إلى عصر قريب في القرن السابع عشر الميلادي

لكن في وقتنا الحاضر أصبحت في خبر كان، لتطوّر الأجهزة الطبيّة وطُرق فحص الأجنّة بحيث لم تعُد هذه الفحوص تعتمد على الرؤية بالعين المجرّدة كما كان

وإنما تعتمد على أجهزة إلكترونية متطورة كالميكروسكوب الإلكتروني التي تخوّل لطبيب مُشاهدة الجنين في أي لحظة شاء رؤيته أي الجنين

 ممّا جعل العلم يُقدّم لنا مُشاهدة أطوار الجنين منذ تلقيح البويضة إلى لحظة ولادته

قبل الدخول في صُلب الموضوع، نذكُر بعض الآيات التي تُشير لأطوار الجنين في القُرآن

كالآية 14 من سورة المؤمنون التي رأيناها  « ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا …» (المؤمنون: 14)

ويس :77 « أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ» (يس: 77)

الحج: 5 «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ ۚ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ۖ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ۚ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ» (الحج: 5)

غافر : 67 «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا ۚ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ ۖ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» (غافر: 67)

والقيامة: 38 «ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ» (القيامة: 38)

والسجدة: 8 – 9 « ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ. ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ ۖ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ» (السجدة: 8 -9)

والمُرسلات: 20 – 23 « أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ.  فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ  إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ. فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ» (المرسلات: 20 – 23)

عبس: 18 « مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ» (عبس: 18)

وغيرها من الآيات التي تعكس النظريّة السائدة في ذلك العصر، أي القرن السابع الميلادي

نجد على رأسها نظرية التكوين المُسبّق للكائنات، أو ما تُسمّى بنظريّة التشكيل الأولى Preformationism

تُفيد أنّ الكائنات الحيّة كلّها، موجودة بشكل مُصغّر بين قوسين (قزم)

قبل تطوّرها تكوين الجنين عفوًا! وهذا ما تُشير إليه الآية 172 من سورة الأعراف « وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ» (الأعراف: 172) إلى أخره..

أي من ظهر الإنسان تأتي هذه البذرة البشريّة لتنمو كزرعٍ في رحم الأمّ

ولهذا جاء في سورة البقرة الآية 223 « نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ…» (البقرة: 223) إلى أخره..

إذًا البذرة تكون كاملة بشكلٍ مُصغّر تُقذَف في رحم كما تُقذف بذرة زرع في جوف الأرض لتنمو وتكبر

ولهذا جاء في سورة نوح الآية 17 « وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا» (نوح: 17)

وكأنّه يُشبّه المرأة بالأرض « نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ…» (البقرة: 223) هذه البذرة تنمو كالنباتات ولهذا قال بتعبير في سورة آل عمران عن مريم أمّ المسيح الآية 37 «فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا…» (آل عمران: 37) إلى أخره.

أي أخرجها من رحم أمّها كنبتةٍ طيّبةٍ نمت وربت، هذه البذرة تكون في صُلب الإنسان ميّتةً، ولهذا جاء في سورة البقرة الآية 28 «كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» (البقرة: 28)

والسؤال المطروح: متى كنتم أمواتًا؟

بالطبع في أصلاب آبائِكم كما قال ابن عبّاس، وتكرّرت هذه الإشارة بوضوح في سورة الجاثية 26 «قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ» (الجاثية: 26)

أي كنت أمواتًا فأحياكم، والفترة التي تفصل بين آدم أبو البشريّة وأنت أيّها الإنسان فترة موت لا تُذكر لأنّ أكثر النّاس لا يعلمون.

كما تقول الآية ولهذا جاء في سورة الإنسان «هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا. إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا» (الإنسان: 1 – 2)

هو موجود في صُلب آبائه حين من الدهر غير مذكور هذه البذرة تحتاج لماء دافئ ليُحييها بعد موتها

ولهذا جاء في سورة الطّارق، الآية 5 إلى 7 «فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ. خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ» (الطارق: 5 -7)

والخلق بمعنى ولادة جديدة، خليقة جديدة كما يظهر من خلال الآية 27 من وسورة الروم «وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ۚ …» (الروم: 27) إلى آخره..

يبدأ الخلق بآدم ثمّ يُعيده مع كلّ خليقة بشريّة جديدة، ولهذا أكمل القُرآن في مقطع سورة الطارق بوضوح «إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ» (الطارق: 8)

أي أنّ الله قادر على إرجاع خلق الخلوق بين قوسين (الإنسان) فآدم خلق من طين حسب القُرآن وكل الكتب المُقدّسة الإبراهيميّة،

ففي سورة ص الآية 71 «إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ» (ص: 71)

ثم كرّر هذا المعنى في سورة الحجر: 28 «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ» (الحجر: 28) وغيرهما من الآيات

ثمّ خلق زوجته منه، فالقُرآن لا يذكُر حوّاء بالاسم فدائمًا يُشير لها بالزّوجة، في العدد أو في العديد من الآيات أهمّها الآية 189 من سورة الأعراف «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا…» (الأعراف: 189) إلى أخره..

وتكرّر هذا المعنى في سورة الزمر الآية 6 «خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا…» (الزمر: 6)

فالقُرآن لا يذكُر كيف جعل الله لآدم زوجًا له، كما هو الحال في التوراة حيث يقول في سفر التكوين الإصحاح 2 « فَأَوْقَعَ الرَّبُّ الإِلهُ سُبَاتًا عَلَى آدَمَ فَنَامَ، فَأَخَذَ وَاحِدَةً مِنْ أَضْلاَعِهِ وَمَلأَ مَكَانَهَا لَحْمًا. وَبَنَى الرَّبُّ الإِلهُ الضِّلْعَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ آدَمَ امْرَأَةً وَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ. فَقَالَ آدَمُ: «هذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي…» (تكوين 2: 21 – 23) إلى أخره..

ومن هنا يتّضح لنا جليًا مسألة من أين يخرُج الماء الدافق كما رأينا في الآية 7 من سورة الطارق «يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ» (الطارق: 7) أي بين الضهر والصدر إشارة للأضلاع

ثم تضّح لنا مسألة ملء العِظام باللّحم «…هذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي…» (تكوين 2: 23) كما تذكر التوراة

وكذلك كما رأينا في سورة المؤمنون مقطع «…فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا …» (المؤمنون: 14)

خُلاصة هذه الحلقة: كلّ إنسان حسب القُرآن فهو موجود في صُلب آبائه يتنقل عبر سلالة من طين

 على سبيل المثال المؤمنون 12 «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ» (المؤمنون: 12)

كبذرة ميّتة تُصبح حيّة بعد قذفها بماء دافق في رحم الأمّ.

ثمّ تبدأ عملية تطوّر الجنين، إذًا مسألة التكوين المُسبّق للكائنات، أو ما تُسمّى بنظريّة التشكيل الأولى Preformationism

حاضرة بقوّة في بدء خلق الجنين،

نكتفي بهذا القدر ونكمل الموضوع في الحلقة القادمة، أو التي بعدها وإلى اللقاء!


Download text file

Early History of Islam 091

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 127 | سر ذبح بقرة موسى
أهلًا بالمُتابعين الأفاضل! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة القُرآن، ككتاب [...]
20 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 126 | البقرة الحمراء وبناء معبد اليهود في القدس
مرحبًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن البقرة الحمراء [...]
12 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 125 | بقرة موسى صفراء أم حمراء؟
أهلًا بالمُشاهدين الكرام! مازلنا في إطار الردّ على تعليق الحلقة [...]
11 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 124 | إشكالية نص القرآن (الرد على أحد التعليقات)
أهلًا وسهلًا بكم مرّة أخرى أعزائي الكرام! في الحلقات الماضية، كنا [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 123 | محمد لم يأت بدين جديد
أهلًا بكُم أحِبائي الكِرام. في الحلقة الماضية كنّا تحدّثنا عن كُتب [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 122 | القرآن هو أجبية وقريان العرب
أهلًا بكم أعزّائي الكرام! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة أصول القُرآن، [...]
15 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 121 | هل يجيد الرسول القراءة والكتابة؟
أهلًا بكم مُشاهديّ الكرام! بعد سلسلة من الحلقات حول القراءات [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 120 | إشكالية التنقيط في القرآن
تحيّة محبّة واحترام لكُم مُتابعينا الكرام! كنّا قد تكلّمنا في الحلقات [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 119 | أقدم طبعة للمصحف
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن ظهور القُرآن [...]
9 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 118 | فوضى القراءات المختلفة في للقرآن
تحية محبّة وأخوّة لكُم مُتابعينا الكرام! في الماضية كنّا بدأنا الحديث [...]
5 views

Page 1 of 13

اترك تعليقاً