التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 98 | خلاصة دراسة اسم مريم بنت عمران

أهلًا بكم أعزائي المُشاهدين!

في الحلقة الماضية تحدّثنا عن مسألة خلط الأسماء في القُرآن بين اسم مريم أم المسيح ومريم بنت عمرام أخت موسى وهارون

وقدّمنا الفرضيات عفوًا والاحتمالات لبعض الباحثين في الحلقتين السابقتين

كالأستاذ Guillaume Dye والأنثروبولوجي الألماني Joseph Henninger والأستاذ سليمان مراد

وكلّها مُحاولات لحلّ إشكاليّة خلط اسم مريم أم المسيح وأخت هارون

لتقديم خلاصة للموضوع، يجب أن نطرح سؤلًا مُهمًا هو: هل صاحب القُرآن لا يعلم بقصة مريم أخت موسى في التوراة حتّى يرتكب هذا الخلط الفادح؟

قبل أن نرُدّ على هذا السؤال ثم نُحلّل نتائجه، نُلاحظ كما سبق وأن أشرنا إلى أنّ شخصية موسى هي الشخصيّة المحوريّة والأكثر ذكرًا في القُرآن من أي شخصية نبوية أخرى

بما يُناهز 137 مرة، بينما محمّد لم يذكر سوى أربع مرات.

فقصة موسى الرسميّة كما هي في التوراة في سفر الخروج تجد لها شبيهات في مقاطع مُبعثرة في عدّة سور من القُرآن

هذا الكمّ الهائل من الآيات التي تتحدّث عن موسى في القُرآن

لا يُعطينا انطباعًا على أنّ صاحب القرآن يجهل شخصيّة مريم أخت موسى وهارون

وخاصة عندما نجدها مذكورة في الآية 11 من سورة القصص « وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ ۖ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ» (القصص: 11)

فالقُرآن كعادته لا يذكُر أسماء النساء فقط الاستثناء الوحيد هو ذكر السيدة مريم أم المسيح

فعندما يُشير لسيّدة في قصص الأنبياء يستخدم لفظ (امرأة أو عبارة امرأة فلان أو أم فلان أو أخت فلان أو بنت فلان) إلى أخره..

ومريم أخت موسى لم تكُن استثناء لكن دورها المُهمّ في قصّة موسى مذكور في هذه الآية حيث كانت تتقصّى آثار أخيها من بعيد دون أن تلفت الأنظار إليها

وهذا ما جاء في التوراة سفر الخروج الإصحاح الثاني العدد 4 «وَوَقَفَتْ أُخْتُهُ مِنْ بَعِيدٍ لِتَعْرِفَ مَاذَا يُفْعَلُ بِهِ.» (خروج 2: 4)

إذًا، صاحب القُرآن يعرف جيدًا مريم أخت موسى وهارون ودورها الأساسي في القصة والسؤال المطروح:

لماذا خرج القُرآن عن المألوف، في جعل مريم أم المسيح بنت عمران في سورة التحريم الآية 12 « وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ» (التحريم: 12)

وأمها هي امرأة عمران في سورة آل عمران الآية 35 «إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» (آل عمران: 35)

رغم أنّ أبو مريم اسمه يويقيم وأمه حنا. كذلك لماذا لقبت أم المسيح بأخت هارون في سورة مريم الآية 28 « يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا» (مريم: 28)

بعد قراءة كلّ هذه الدراسات حول هذا الموضوع يتّضح حسب رأيي ما يلي:

اختيار صاحب القُرآن للقب عمران دونًا عن باقي الأسماء لدلالة مهمّة سنرى ما هي

أوّلًا: اسم عمران هو في الأصل عمرام، وهذا الاسم معناه باللغة العبرية (الشعب العالي أو الرفيع)

وفي اللغة الآراميّة كذلك مُشتقّ من كلمتين (عمّ) بمعنى عم أو شعب وكلمة (راما) بمعنى رفيع جليل سامي

وبما أّن اسم يواقيم والد مريم أم المسيح ليس مذكورًا في الأناجيل الرسمية فصاحب القرآن ذهب فاتجاه التعميم

فهمها كان اسم أبو مريم فهو عمّ جليل عم صالح من عائلة تقية أو شعب محافظ أو أمّة مؤمنة تخاف الله

ولهذا جاء في تعبير رجال الدين اليهود في القُرآن عند الآية 28 من سورة مريم «… مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا» (مريم: 28)

يعني أبو صالح وأم شريفة عفيفة، ولهذا اختار مريم ابنتهما واصطفاها على نساء العالمين كما جاء في سورة آل عمران الآية 42 «وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ» (آل عمران: 42)

أمّا بالنسبة لتغيير كلمة عمرام لكلمة عمران فهذا من باب التعريب واختلاف النطق في اللّهجات

فكلمة موسى فالأصل هي موشى، إبراهيم في الأصل أبراهام، عزير في الأصل عِزرا، وهكذا….

ربّما يقول قائل: لو اقتنعنا بهذا الطرح من باب الفرضية، فلماذا جاءت عبارة أخت هارون في سورة مريم الآية 28 «يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا» (مريم: 28)

الجواب يكمُن في السيدة حنّة والدة مريم بين قوسين (امرأة عمران) تضرّعت لله أن يرزُقها بذُرية وقالت في تضرعها «إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» الآية 35 من آل عمران (آل عمران: 35)

بمعنى أنّها نذرت ما في بطنها أن يكون خادمًا للربّ، وخدّام الربّ والكهنة عند بني إسرائيل من اختصاص هارون أخو موسى في ذريته

كما جاء في التوراة سفر الخروج الإصحاح 28 والإصحاح 40 واللّاويين 8

وبالتالي خدّام الهيكل على العموم لهم انتماء عائلي ومهني لهارون أخو موسى

وبما أنّ مريم تربّت في الهيكل مع رجال الدين فعبارة (أخت هارون) جاءت بحسب النصّ القُرآني في إطار استجواب مريم من طرف رجال الدين الكهنة بما جاءت به من حمل غير شريعي

كما تدُلّ الآية 27 من سورة مريم «فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ ۖ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا» (مريم: 27)

وكذلك لتضخيم المعصية لكونها ليست فقط من أبوين صالحين، وكذلك تربّت في الهيكل، كأخت لهم في الخدمة، تربّت بينهم وعلى أيديهم

ومن هنا جاء تعبير (أخت هارون)، لإدانتها بشدّة ما أتت به من حمل غير شريعي لا يعرف له أب

في قصة حمل مريم أم المسيح، بحسب الأناجيل الرسميّة لا توجد مثل هذه المُحاكمة من أهلها وعشيرتها

نظرًا لوجود يوسف النجّار خطيبها وهو في الحُكم زوجها والمسؤول الأوّل عنها

والنصّ القُرآني لا يُشير لشخصية يوسف النجّار لا من بعيد ولا من قريب

بل بالعكس مُحاكمة مريم تدل على عدم وجود يوسف النجار بصفته خطيبها لا لشيء

إلا ليُثبت مُعجزة الحمل الربّاني وإزالة أي شك في أن يكون يوسف النجّار الأب الحقيقي للمسيح

فتصادف معن اسم عمرام أو عمران العمّ الصالح بكون هارون أخو موسى ومريم منذ ذرية عمرام،

فأصبحت أي مريم أم المسيح من آل عمران هي وابنها وكذلك موسى وهارون ومريم وأختهما

ولهذا جاء في سورة آل عمران الآية 33 «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ» (آل عمران: 33)، ما يجمع هؤلاء هو الاصطفاء،

إذًا خُلاصة القول هي: أنّ الإشارة إلى عمران وهارون يجب أن تُحمل على المجاز لتبرير وجود المُحاكمة للسيّدة مريم من قبل رجال الدين اليهود،

وتعزيز قوّة مُعجزة الحمل الربّاني دون زرع بشري أو حتى مُجرّد إمكانية اشتباه فيه.

وهذا الطرح قد يون مستوحاة من الموروث العربي النصرانيّ الذي كان موجودًا في عصر محمد ولا دليل حتى الآن عليه

أو هي مجرّد نظريّة لاهوتيّة لمولد المسيح العجائبيّ من صاحب القُرآن

نكتفي بهذا القدر، وإلى اللّقاء في حلقة مُقبلة!


Download text file

Early History of Islam 098

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 127 | سر ذبح بقرة موسى
أهلًا بالمُتابعين الأفاضل! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة القُرآن، ككتاب [...]
20 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 126 | البقرة الحمراء وبناء معبد اليهود في القدس
مرحبًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن البقرة الحمراء [...]
12 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 125 | بقرة موسى صفراء أم حمراء؟
أهلًا بالمُشاهدين الكرام! مازلنا في إطار الردّ على تعليق الحلقة [...]
11 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 124 | إشكالية نص القرآن (الرد على أحد التعليقات)
أهلًا وسهلًا بكم مرّة أخرى أعزائي الكرام! في الحلقات الماضية، كنا [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 123 | محمد لم يأت بدين جديد
أهلًا بكُم أحِبائي الكِرام. في الحلقة الماضية كنّا تحدّثنا عن كُتب [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 122 | القرآن هو أجبية وقريان العرب
أهلًا بكم أعزّائي الكرام! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة أصول القُرآن، [...]
15 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 121 | هل يجيد الرسول القراءة والكتابة؟
أهلًا بكم مُشاهديّ الكرام! بعد سلسلة من الحلقات حول القراءات [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 120 | إشكالية التنقيط في القرآن
تحيّة محبّة واحترام لكُم مُتابعينا الكرام! كنّا قد تكلّمنا في الحلقات [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 119 | أقدم طبعة للمصحف
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن ظهور القُرآن [...]
9 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 118 | فوضى القراءات المختلفة في للقرآن
تحية محبّة وأخوّة لكُم مُتابعينا الكرام! في الماضية كنّا بدأنا الحديث [...]
5 views

Page 1 of 13

اترك تعليقاً