برنامج “الإمام الطيب” – الحلقة 25

في الحلقة السابقة

فضيلة الإمام “الطيب”، تحدثنا عن أهمية الحوار ومقتضيات وشروط ومكانة الحوار في القرآن الكريم وفي السنة النبوية

حضرتك كلمتني عن الحوار بين الفردين، وأيضًا ظاهرة الحوار في وسائل الإعلام بسلبيتها وإيجابيتها

لكن هناك أيضًا الحوار بين الأديان الذي بدأ في منتصف القرآن الماضي، وحوار الحضارات الذي أتيحت له فرص كثيرة  مؤخّرًا

مع ذلك وجود هذه الفرص في الحوار، المسافة ما زالت كبيرة بيننا وبين الآخر للأسف لماذا؟

أوّلًا من وجهة نظري أنّه لا يوجد حوار بين الأديان!

من حيث المبدأ ولا من حيث الواقع يا مولانا؟

من حيث المبدأ ومن حيث الواقع، وفي بعض مؤتمرات الحوار، بدأت مرّة كلمتي ببيان هذه النقطة الدقيقة

لأنّني أنا كمُسلم لي عقيدة تميّزني عن أو اختلف بها عن عقيدة المسيحي، وهو يختلف بها عن عقيدة اليهودي، وكلّ منّا يختلف بعقيدته عن عقيدة الآخر

وإلا لما كانت هناك أديان الآن. وقُلت: إن الحوار في العقائد هو صراع وليس حوار على الإطلاق

لأنّ إذا كنت أحوارك في يعني في عقيديتك وعقيدتي، أو دينك ودينك، معنى ذلك أننا أريد أن أثبت لك أن ديني هو الأفضل أو هو الصح

ثم أنت تحاول أيضًا أن تثبت أن دينك هو الأصحّ، هذا صراع

وهذا هو المقصد من إنّه حضرتك بتقول: الإسلام يرفض الحوار مع الأديان بهدف احترامها

نعم نحترمها

عدم تعميق الخلاف

لأنّ طبيعة الحوار، وأي حوار مفتوح بين عقديتين هو صراع بين عقيدتين، لأن الحوار حينئذٍ ليس هو هدفه الوصول إلى الحقّ

لأنّ كلّ منّا يعتقد أنّه وصل إلى الحقّ، وأنّ ما بين يديه الحقّ الذي لا حقّ غيره

الطرفين بهذه.. في هذين الإطارين لا يمكن الحوار بينهم، الحوار لا يقع بين عقيدتين

وإنما يقع بين أتباع الأديان، لأنّ المُشتركات، أو الأمور المشتركة بين الأديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام

كثيرة

كثيرة جدًا جدً جدًا وهي الغالبية العُظمى، أكثر من 90 % إذا ما استثنينا العقائد هنا وهناك الكلّ يشترك، هذا هو معنى حوار الحضارات

الحوار الإنساني، أو الحوار من اجل الإنسان

حتى هما بيسمّوها حوار المؤمنين، حوار المؤمنين بالأديان

أه بالأديان بشكل عام

نعم الأديان بشكل عام، هذا الحوار كما تفضلّت حضرتك، يعني مرّ عليه فترة طويلة جدًا، يعني المُسلمون خاضوا عدد كبير هائل

ومع ذلك مازالت الفجوة كبيرة

ما زلت الفجوة كبيرة، وأنا بردو قُدّر لي أن أحضُر، تقريبًا يمكن 10 مرات في حوارات في أميركيا وفي أوروبا وفي أسيا وفي روسيا

بصراحة يا مولانا وجدتها مجدية؟

والله مش مجدية، أو دائمًا نحن المُسلمين خاسرون

ليه، لماذا؟

هناك يعني، أنا يعني تجربتي، وقد أكون تجربة محدودة أوّلًا لأنّ الأجندة ليست مشتركة، أو لم يكُن لنا يدّ في تجهيز هذه الأجندة أجندة الحوار

ودائمًا ما ينتهي الحوار إلى حوار طرف يُريد أن يفرض على طرف آخر.

على الأقلّ في على المنصّة وعلى الحوار والكلام والترخيص وأحيانًا على العشا مثلًا

يكون فيه حوار كده يعني مش مسجّل

جانبي أه جانبي

أنا لاحظت أن كثير منهم يتراجع ما قاله، وكأن له أمام الميكرفون والتسجيل كلام

محددة

لكن حين يلتقي بنا يقول: نحن معكم. وبخاّصة في قضيّة فلسطين، قضية فلسطين

الصراع الأزلي والأبدي والعالمي

الصراع الأزلي، والذي أراه مفتاح المُشكلات في الشّرق

يُقسّم العالم إلى مُعسكرين

يُقسّم العالم مفيش كلام، والغرب حينما هذه القضية يا إخوانا لا بُدّ من حلّ هذه المُشكلة حلًا عادلًا للفلسطينيين

لأنّ بعد ذلك قد تهدأ الأمور ويكون حلّها بكثير جدًا من الآن، ما دامت هذه المُشكلة قائمة

أحيانًا يعني هم طبعًا لا يُصرّحون بأنّ رأيهم مثل رأينا، لكن يُعبّرون مثلًا بمط الشفايف أحيانًا، برفع الكتفين ويرفع إيده، وكأنه يعني يريد أن يقول لنا: هذا كلّ ما أستطيعه هو أن أتحاور معكم بهذه الطريقة

يبدو لأني هو قد يكون مقتنع بما نقول، لكن يعلم أنّ القرار ليس في يده ويعلم أنه ليس قريبًا من صاحب القرار

ويعلم أنّ القرارات التي يعني تتخذّها الأنظمة الكُبرى لا تُراعي ثقافة هؤلاء الناس ولا فلسفة هؤلاء الناس ولا إنسانية هؤلاء المُفكرين الذين يتحاورن معانا

يعني يا مولانا ترى عدم حلّ قضية فلسطين هو أكبر عقبة أمام الحوار العالمي؟

ده واحد من… ثانيًا: نبرة الاستعلاء أو الاعتقاد أنهم.. أنها شعوب مُتحضرّة وأننا شعوب

مُتخلفة

مُتخلفة، وبالتالي هم أصحاب رسالة، في يعني نقلنا من التّخلّف أو تهذيبنا من التوحُّش أو في تعليمنا وإنقاذنا من الجهل وليتهم يعني يفعلون ذلك

لكن هذا الإحساس تشعُر به

وبالتالي دائمًا نحن في موقع الدّفاع الناس

موقف الدّفاع، يا إما نتلقى يا إما نُدافع، وأنا أحيانًا أصل أنا بايع بقولهم: يا إخوانا الي بتعملوه ده غلط،

ومرة قارنت بين معاملة الأوروبيين للمرأة اليهوديّة والبوذية والسّيخ والمسيحية، ومعاملتهم للمرأة المُسلمة

واتكلمت بصراحة وقلت لهم: دي لا ديموقراطية الغربية ولا حقوق الإنسان الغربي ولا الحرية.. ولا حرية الإنسان الذي يعيش في الغرب

يبدو النفاق، كانت رئيسة الجلسة معرفش كانت الاتحاد الأوربي طبعًا يعني هي تأذّت من هذا الكلام

 أيضًا كنا نشعر بأنهم يستفضلون إحساسًا داخليًا بأنّهم شعب وشعوب متفوّقة ومتقدّمة ومتطوّرة وبالتالي هم أصحاب رسالة بالنسبة لنا

يعني المشاعر السلبية ضدّ الإسلام دي قدر مُشترك وهي ناتجة من سوء الفهم، وكنت أقول لهم دائمًا: أن هناك أهمية المؤتمرات في عصرنا هذا هي  أن نتفتحوا علينا وننفتح عليكم

وكنت ودي حقيقة مش طلبًا للتقرّب كنت أعترف بأنّ: إحنا كشرقيين يعني ربما لم نُحسن فهم الحضارة الغربية.

حين يعني اتهمناها بأنّها حضارة انفلات، حضارة لا أخلاقيّة حضارة لا إنسانية وحضارة مادية

وحضارة مادية، لكن غفلنا عن جوانب كثيرة إنسانية فيها وعلمية ومادية، وكان هذا يتقبلونه، في المقابل كنت أقول لهم: أنتم أيضًا لم تحسنوا فهم الإسلام

في بعض الناس يا مولانا مش عارفين يعني إيه (عولمة)، كيف تبسّطها كيف تشرحها؟

باختصار شديد هو حضارة معينة ونضع بين قوسين ولتكن حضارة (الولايات المتحدة) يُراد لها أن تكون هي الحضارة العالميّة

حضارة العالم، الحضارة السائدة!

حضارة العالم، يعني نأكل كما يأكلون، نشرب كما يشربون، نفكّر كما يفكّرون، تفتح أسواقنا وكذا للبضائع كما يُريدون،

 يعني هيمنة اقتصادية هيمنة ثقافية هيمنة فنية على العالم. بما في أوروبا

أوروبا نفسها مُتأثّرة

مُتأثرة نعم، أوروبا يعني تتحفّظ وتتحسّب لخطر العولمة

بتقاومها شوفنا المظاهرات الكثيرة

بتقاومها وأنا كنت أشعر بارتياح شديد عند كثيرين من الذين يحضرون معنا المؤتمر من الأوروبيّين السياسيّين أو المفكّرين أو أساتذة الجماعات حينما أتحدّث مثلًا عن العولمة

ولاحظت أنّهم لا يتحدّثون كثيرًا عن العولمة لا أدري لأن هما عندهم يعني خطوط حمراء في حاجات كثيرة جدًا لست في حِلّ من أن أعدّدها الآن

من ضمن تقريبًا الحديث عن العولمة

ربما لعدم تسليط الضوء عليها أكثر، يعني ولفت الانتباه إليها

ربما أه، إنما داخليًا فعلًا يرفضونها، ولا يؤمنون بها.

العولمة دي ربما تعمل أكثر هنا في الشرق. وهذا هو يعني ما أنتج فلسفة مثل فلسفة صراع الحضارات فلسفة صراع فلسفة استعمارية

لكن للأسف الشديد ألبست ثوب الفكر ثوب الفلسفة وثوب يعني التأمّل وثوب الصياغات النهائيّة.. فمسألة نهاية التاريخ أو فلسفة نهاية التاريخ أو نظرية نهاية التاريخ مع نظرية صراع الحضارات هي تقول: إنّ هناك حضارة حتى تُصارع الحضارات

وهي عكس الحوار؟

عكس الحوار

قائمة على البسط والفرض؟

طبعًا، قائمة على الفرض، صراع شوفت صراع مش حوار.. ما هو الحوار أن استمع إليك وتستمع إليّ، إنما الصراع جاءتني فُرصة أن أفرض عليك وأن أصرعك أصرك وأفرض حضارتي

هم، ويؤنون فعلًا زي نفس الماركسيّة في قرن تاني، في وقت

يعني لا حوار الأديان ناجح ولا حوار الحضارات ناجح؟

ولا حوار الحضارات ناجح أكيد

لكن أيّهما تُشجّع؟

لا، حوار الحضارات هو رغم أنفنا لم يبقَ لنا من سبيل للحفاظ على البقيّة الباقية من التواصل ومن التعارف، تعارُفنا إحنا نعرفهم وهم يعرفوننا ليس لنا من أمل ولا من سبيل إلا هذا الحوار

وده منصوص عليه في القرآن

نعم طبعًا

منصوص عليه في القرآن: «وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ» (الحجرات: 13)

لتعارفوا، وهذا على أمل تتّسع دائرة الحوار شيئًا فشيئًا، وربّما الحكماء عندهم هكذا يصبرون الآن على يعني ما يبدو وكأنّه ظلم في الحوار على أمل تتّسع رقعة الحوار ودائرة الحوار شيئًا فشيئًا، وتؤتي ثمارها في إقامة ما يُقرّه القرآن الكريم من علاقة التّعارف والتّعاون بدلًا من علاقة الصراع

لأنّ هم أنفسهم بدأوا يجنون ثمارًا مُرّة أيضًا من فلسفتهم في علاقة الصراع وعلاقة فرض الأنماط الثقافية والعلمية

 وأيضًا من ثقافتهم بشكل عام في يعني إحنا نعرف أن دخل بعض الدول الكبرى من السلاح أكثر من أي دخل آخر

طبعًا

هذه حضارة، وهذه حضارة صراع هم بدأوا يفكّرون في أنّ هذه السياسات وهذا الأسلوب له سلبيات صحيح سلبيات نشأت في الشرق لكن لم يعودوا بمعزلٍ على آثارها السيئة،

واستمرار حوار الحضارات سوف يُشجّعهم على تغيير هذه الثقافة يومًا ما

اه يعني فضيلتك قولت: إنه من شروط نجاح الحوار إنّ الأطراف تكون متساوية

متكاتفة

أو متكافئة بينهم مساواة أو ندية،

نعم

يبدو إنّه الطرف الآخر بيحاول أن يفرض قوّته وهيمنته علينا، كيف يمكن أن ينجح الحوار بهذا الشكل؟

أنا بعتقد أنهم مُجرّد أن يستمعون إلينا، وحتى إن كانوا يتفقوا معنا يعني داخليًا، ويصمتون ولا يُعقّبون، أو لا يرفضون أنا أراها مرحلة مُتقدّمة

يعني أنا من يأسي في الحوار إلى هذا الحدّ. لأن قبل ذلك هناك رد فرض

الآن في أذن تستمع، ويبدو عليها أنّها مُتأثرة، يبدو على الوجوه أنها..

طب كيف يمكن أن نطرُق على الحديد وهو ساخن، كيف يمكن أن نُطوّر هذا المستوى بحث نصل إلى حالة النديّة في الحوار؟

أنا مبقولش: إننا ننتقل إلى المنزلة العكسيّة، إن إحنا نبقى المرحلة الأقوى، لكن على الأقل نصل لمرحلة الندية

شوف يا سيدي لا بد أن يكون الذين يتعاملون مع هؤلاء الناس يجب أن يكونوا من العقلاء

على أي مستوى، يعني لو كان على مستوى الإسلام ودُعاة الإسلام يجب الذين يذهبون إلى هناك ويتحدّثون معهم يدرسون أوّلًا من هؤلاء الناس ومن أين وكيف تتأتّى لهم

وما هو الأسلوب الذي يقبلونه، والحمد لله هو قدر مُشترك وكبير، وما هو الأسلوب الذي إحنا نظن أنه يعني دفاع عن الإسلام لكن في نفس الوقت لا يحظى بقبول عند هؤلاء الناس

لا أقول ذلك بالنسبة إلى الإسلام فقط، أنا لست محصورًا فقط في دائرة الحديث عن الإسلام وإنما دائرة الحديث عن الشرق بشكل عام

الحضارة

الحضارة، طبعًا لأنّ الحضارة يعني حضارة قويّة وحضارة لها تاريخ وحضارة ضاربة بجُذورها في القِدم، ومش من السّهل خلخلتها ولا إسقاطها،

لأنّها يعني فعلًا لا زالت تستمسك حضارتنا تستمسك حتى الآن بالقيم التي هي شرط أساسي في استمرار الحضارة هذا متوفر عندنا وموجد لدينا من حُسن الحظّ

لو أردت يا مولانا أن توجّه رسالة إلى المُعسكر الآخر إن جاز التعبير أو الطرف الآخر في الحوار وتدعوه إلى حوار حقيقي يتمتع فيه الطرفان بالندية والمساواة ماذا تقول؟

أنا أقول: أنهم عليهم أن يعرفون، وعلينا أن نعرفهم معرفة حقيقية.

وأن تتشابك الأيدي للتّصدي لمُشكلات لم تعُد تقتصر علينا.

وإنّما أيضًا بدوأوا هم يعانون منها،

 هذا يحمل العقلاء والمفكّرين على أن نبدأ مرحلة جديدة في الحوار هي مرحلة لا أقول: يعني لا أريد أن أربطها بهدف ديني ولكن المرحلة مرحلة التّعارُف، والتعارُف يقتضي تبادل المنافع


Download text file

Al-tayed season1-25

You may also like

برنامج "الإمام الطيب" — الحلقة 4
في الحلقة السابقة طيب أمام كل هذه القيم المهمة في الإسلام المتعلقة [...]
0 views
برنامج "الإمام الطيب" — الحلقة 3
سؤال في غاية الأهمية الحقيقية يتعلق بالمرأة والدعاوي المتعلقة بالمرأة [...]
4 views
برنامج "الإمام الطيب" — الحلقة 2
في الحلقة السابقة فضيلة الإمام "الطيب"، تحدثنا عن أهمية التجديد، ضرورة [...]
6 views
برنامج "الإمام الطيب" — الحلقة 1
هذا ينقلنا بالتأكيد، إلى السؤال الأهم والأبرز ونحن نتناول قضية [...]
1 views

Page 6 of 6

اترك تعليقاً