برنامج “الإمام الطيب” ـــ الحلقة 13

مولانا الإمام “الطيّب”، قضيت ليلة أمس في قراءة مقال في هذا الكتاب (الأزهر في  مواجهة الفكر الإرهابي)،

هي مقالات أعقبت مؤتمر الأزهر العالمي لمواجهة التطرف والإرهاب) هذا المقال بقلم حضرتك عنوانه (خطورة التكفير)

الحقيقية حضرتك بتتكلم في كلام في غاية الأهمية عن جذور ظاهرة التكفير، وأنها ليست بجديدة على المجتمعات الإسلامية، وإحنا بنشوف جماعات كثيرة جدًا بترفع راية التفكير عن جهل أو ربما عن سوء نيّة  وقصد.

إزاي يا مولانا هذه الظاهرة دي ليست بجديدة على المجتمعات الإسلامية كيف بدأت؟

هذه الظاهرة بدأت فيما ما يُسمى (بفكر الخوارج)، وهذا كان فكر مُبّكرًا جدًا في صدر الإسلام في خلافة “عليّ” والنزاع بينه وبين “معاوية”.

لكنها توارت ثم أعتقد أشرنا إلى هذا من قبل، أستدعي هذا الفكر وهذه الفلسفة، فلسفة التكفير في الحركات الإسلامية الجديدة المسلّحة، سواء عند “أبي الأعلى المودودي” أو عند “سيد قطب”

من خلال فكرة (الحاكمية)

من خلال فكرة الحاكمية، لأن فكرة الحاكمية بالضرورة تنتهي إلى فكرة التكفير،

بالضرورة لأنها حين تضبطها عن الناس، تقول: أن الله هو الحاكم فقط، وأنتم حين تحكمون بأي شيء آخر تنزعون من الله ألوهيّته، فأنتم كفّار

هذا كفر، من وجهة نظرهم

وجهة نظرهم، فطبعًا عندهم هم يعني بيقفزوا الأول على أنظمة الحكم وعلى وسائل الحكم وعلى مؤسّسات الحكم.

يصفونها بأنها كافرة وبالتالي بما أنّ المجتمع ينساق وراء مجلس الشعب وراء مجلس الشورى، وراء وزراء، وراء حكام

يبقى كفروا بالنسبة لهم، والشعب أيضًا كافر، ينتقلوا إلى نقطة ثالثة، من لم يكفّر هؤلاء معنا فهو أيضًا كافر ومكينة التكفير الملعونة تبدأ وتدور، وطبعًا يعني وقودها دماء المسلمين.

ظاهرة لعينة فعلًا حلّت بنا، وكنا نظن أنها اندثرت، ذهبت مع الخوارج ولكنها عادت يعني ده شيء مُحزن ومؤلم

وكان الحافز ليها في البداية فكرة الحاكمية الي بدأت مع “المودودي” في الأربعينات والخمسينات ثم “سيّد قطب” في الستينات

سيد قطب في الستينات

أمتى ظاهرة التكفير بقى يا مولانا ظهرت؟

إحنا تقريبًا قبل 1967 أو 1968 مكنش المجتمع هنا يعرف مسألة التكفير أبدًا،

قبل 1967

إطلاقًا قبل 1967، لأن طبعًا، والمتخصص جدًا هو الذي يعرف حاجة اسمها خوارج وفيها كان تكفير طبعًا المعنيين بالدراسات العقدية يعرفون هذا تمامًا

 لكن على مستوى المجتمع لا. حتى على مستوى طلابنا في الأزهر في ذلك الوقت 1967 وأنا كنت طالب في أصول الدين بدأً من 1965 مكنش عندنا فكرة التكفير دي وكنا نراها أنها شيء انحراف مفاجئ ظهر في تاريخ الفكر الإسلامي واندثر

برغم إنه كان في تخصص زي ما حضرتك دايمًا بتحكي في قراءة متعمقة في الفكر السياسي المعاصر

الفكر السيسي المعاصر، نعم

الماركسية وغيره وغيره

طبعًا إحنا عيشنا هذه التيارات وعيشنا سطوة حقيقة وأنا أقول لك وأنا شاهد على هذا كان فيه ما يُشبه فرض وتروج للأفكار دي

لكن على كل حال دي أيام وذهبت، في هذه الأيام كان يعني هناك صراع بين النظريات الغربية وبين مش هقول لحضرتك نظريّات إسلامية حيّة ومتواكبة ولكن بين تقاليد إسلاميّة

يعني سار عليها الناس وكان من الصعب جدًا أن يعني يواجه النّاس بأنّ ما ألفوه وما كذا وكذا أفيون شعوب كلام من الي كنّا بنسمعه

على كلّ حال، استُدعيت هذه فكرة الحاكميّة ويعني لا أملّ من تكرار أنّك إذا قلت بفكرة الحاكمية كما قال بها الخوارج وأبو الأعلى المودودي وسيد قطب فلا مفرّ لك من تكفير الناس جميعًا

فهذه الفكرة نشأت في السجون، في 1967 وما بعدها حينما طُلب من الشباب المسجون في ذلك الوقت

في عدد كبير جدًا من المنتمين للجماعات الإسلامية موجودين داخل السجون

موجودين داخل السجون فطُلب منهم كتابة وثيقة لتأييد الحاكم في ذلك الوقت، لإخلاء سبيلهم. فبعض منهم كتب هذه الوثيقة لكن،

 فوجئوا من البعض الآخر يعترض اعتراض شديد ويعتبر أنّ هذا تخاذُل في الدين وأنهم رفضوا أن يكتبوا الوثيقة

من هنا أصبح عندي في الجماعة الإسلامية نفسها مجموعة قبلت أن تؤيّد الحاكم ومجموعة رفضت.

 المجموعة التي رفضت لم تكتفي بالرفض فقط وتعتبر أن هذه وجهة نظر وأنهم حتى خونة للقضية لا، انتقلوا فوراً بأن هؤلاء كفار

ده حتى اعتزلوهم في السجن رفضوا يصلوا معاهم

ده مش بس رفضوا، بل قالوا: لا فائدة من صلاتهم لأنهم كفار بيصلوا ليه دول؟!

ولك أن تربط هذا بفكرة التكفير عند سيد قطب حين سخر من الذي كانوا يُنادون بتطبيق الشريعة في ذلك الوقت

فكان يقول لهم: يعني هذا المُجتمع كافر كيف يعني سخر منهم، أنتم تريدون أن تطبقوا هذه الشريعة في  أي مجتمع؟ هذا المجتمع كافر !

لا يرقى حتى إلى أن نقول تتطبّق فيه الشريعة الإسلامية، أولًا أوجدوا المجتمع الإسلامي ثم بعد ذلك نادوا

نفس الشيء في داخل الجماعة المنشقة، كفّرت الجماعة التي أيّدت الحاكم

فصلتها شعوريا، لم تصلي وراءهم ولم تصلي معها، خطوة أبعد لا فائدة من صلاتهم.

هل يمكن أن تولد فكرة داخل السجون وتكون سليمة؟

لا

البيئة نفسها

دائمًا فكر الموجود والضغط فكر أزمة، يعني ده واحد مش موضوعي ولا يستمد أفكاره من قواعد دينية واضحة، بالعكس هو رجل يعني هو رجل ضدّ

فشيئًا فشيئًا، المجتمع كافر الحاكم كافر، واستمروا على هذا وبدأوا بقى تشكيل الجماعات تشكيل الأفكار

قراءة الإسلام والفقه الإسلامي في ضوء هذه الأزمة في ضغط هذه الأزمة، في الجو المتوتر لهذه الأزمة شيء طبيعي أن مثل هذا الفكر لا يمكن أن يُقبل أولًا

طبعًا

فضلًا على أن أنت تجعله قاعدة تطلع تطبّقها على الناس، أو تكوّن لك جماعة تسلّحها ثم بعد ذلك تطبّق هذا الفكر، هذا الفكر لا يمُت للإسلام بصلة على الإطلاق

تذكّرت يا مولانا إلى جانب السجون أيضًا سبب آخر لنشؤ ظاهرة التكفيريين أيضًا وهو (تُراث الغلوّ) كما أسميته

نعم، هذا يعني مما يجب أن نُلقي الضوء عليه، حتّى أكون مُنصفًا وحتى السادة الذين يُريدون أن يهدموا التراث ويهيلوا عليه التراب، لا تكون بالنسبة لهم دي حجة.

في تراث تكفيري ظهر في ظروف معيّنة في ظروف التتار والمغول والهجوم على المسلمين،

فعلًا ده بردوه فكر أزمة ولكن يدفع ب زي ما بنقول مثلًا: تتشدّد مع غير المسلم إذا كان هو في حالة قهر لك، أو في حالة غزو لبلدك

في أسباب مقبولة يعني

أسباب مقبولة لكن هذا هو فقه الواقع الي هذا الواقع، إذا تحرّك هذا الواقع يبطُل هذا الفقه

ويجب ان يُنظر ليه في ظل الواقع ده

في ظل الواقع، هما خلّوه هكذا، يعني ما دام هنكفّر التتار والمغول مع أنهم مسلمين، كثير منهم مسلمين، واستندوا على فتوى “ابن تيمية”، في هذا.

والمراجعات التي حدثت اخيرًا مع الجماعات الإسلامية خطّأوا أنفسهم هم الذين كانوا يفتون بالسحن هذه الفتوى

لما طلعوا ودرسوا من جديد راجعوا أنفسهم وقالوا: كنا مُخطئين هذه الفتوى لا تطبّق في جميع الأحوال وإنما خاصة بظروفها

هذا التراث موجود وأنا لا أستدل منه على أن تُراثنا عدائي، لا . وإنما هذا التراث كان ملائمًا لظروفه، أو كان للرد على وضع معين كان لا بد منه

لا أريد أن أسترسل في هذا، لكن شيئًا فشيئًا أصبح هناك تيار معيّن، هذا التيار مُستعد لتكفير الغير

وده وهذا التيار هو تيار قديم جدًا، والجماعات الإسلامية بسيطة جدًا بالنسبة لمجموع الأمة

لكن صوتها مرتفع

نعم

وأفعالها واضحة

لأنها وجدت من يدعمها

وفي الحقيقة سبب آخر حضرتك أشرت إليه في هذا المقال (خطورة التكفير)

 أيضًا نُشر في هذا الكتاب الي أعقب مؤتمر (الأزهر في واجهة الفكر الإرهابي).

 حضرتك بتقول في هذا عبارة: كثير من الأفكار لو قُدِّر لها أن تُكبت في جوٍ من الحرية لتغيرّت شكلًا ومضونًا.

نعم

 يبقى أجواء الحرية أيضًا بتُساهم في خلق الفكرة

مفيش كلام

أو في توجيه الفكرة

طبعًا، ما هو الفكر الي هو يُكتب في السجون مثلًا، هتتوقّع منه إيه؟

لأن هو بيُعاني، “ابن تيمية” لما سُجن مثلًا، كان له فكر وكلّ فكره تقريبًا لأنه ده انعكاس التضيق عليه في الحياة في الحريّة وبعدين ليس ابن تيمية هو الذي يصوغ للأمة تراثها

يعني ابن تيمية ده واحد من مليون، فليه إحنا تركنا المليون دول إلي هما يرى حرمة التكفير

ويرى أن يعني أن أخر كلام للنبي صلى الله عليه وسلم، “أيها الناس إن دماءكم وأموالك واعراضكم حرام عليكم، حرام كحرمة يومكم هذا”. ده آخر شيء تركنا عليه النبي صلى الله عليه وسلم

وخد بقى حديث الدنيا كلها

تُحرم الدماء

تُحرّم الدماء، وتُحرّم التكفير، إذا وجدنا أن في جزء من فقه عام عند فقيه واحد معيّن ولظروف معين يُكبّر هذا ويضخّم ويصور على أن هذا هو الإسلام وأن بقية ضالة وبقية الأمة منحرفة هذا هو الذي أدى بنا إلى ما نحن فيه

هو إيه الخلاف يا مولانا عقيدة التكفيريين وعقيدة سائر علماء المسلمين؟

نعمن هقول لحضرتك حاجة: هي المشكلة يا سيدي في العلاقة من هو الكافر، أو تقييم و تشخيص من هو الكافر

تعريف الكافر.

تعريف الكافر، في تعريف الكافر حصل هذا اللبس، المؤمنون أو المسلمون 99% منهم يقولون أنّ النبي صلى الله عليه وسلم حدّد من هو المؤمن.

وأنا أريد أن أقول لسيادتك: من الآن الكُفر ضد الإيمان، وليس ضد الإسلام. دي حتة فنية لازم نعرفها ومن ذلك قولنا: لابد يا إخوانا من العلم

الكفر ضد الإيمان، «قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا»  (الحجرات : 14)، واخد بلك حضرتك، فإذا الي ضدّ الإيمان الكُفر

طيب، ليه؟ لأنّ الإيمان اعتقاد، الإيمان اعتقاد، والكفر اعتقاد.

أمّا الإسلام فهو عمل، فهو عمل. ولذلك لا علاقة يعني، لا أريد أن أقول: لا علاقة انفصال، العمل الي هو الإسلام يقوّي الإيمان

يعني إذا آمنت بالله ثمّ بعد ذلك عملت بالمأمورات واجتنبت المنهيات إيمانك يزيد، والعكس صحيح

طبعًا

لكن مهما كان العمل مُخالفًا ومهما ارتكبت من الكبائر هذا لا ينقض الإيمان بمعنى أنه يزيله، قد ينقصه ولكن لا ينقضه، واخد بالك حتى شيوخنا كانوا يقولوا: ينقُص ولا ينقُض

فالإيمان لما سألى النبي صلى الله عليه وسلم، ما الإيمان؟ – وده من حسن حظنا نحن المسلمين – قال له: الإيمان أن تؤمن، – واخد بالك – ، قال أن تؤمن مش تعمل. أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، خلاص الي يؤمن بدول هذا هو مؤمن ولا يسمّى كافرًا

حتى لو ارتكب الكبائر، إلا الشرك

حتى لو عاش حياته كلها يرتكب الكبائر، ولا يفعل طاعة واحدة ومات مُصرًّا على كبائره أمره مفوض إلى الله، هذا هو الفقه الي جرت عليه الأمة

وإحنا كأزهريين وأنا لا أملّ من يمكن الناس يقولوا: بيكرّر، وإحنا صغيرين من بين الخامس عشر والثامن عشر سنة سنّنا حُفّظنا، ومن يمت ولم يتُب من ذبنه فأمره مفوّض لربّه.

فإذاً لا يحقّ لك أن تقول ممن ارتكب أي كبيرة مهما كانت أي كبيرة

باستثناء كبيرة الشرك مرة أخرى

لا الشرك ده حاجة تانية، الشرك ده التكذيب لأي معتقد من المعتقدات

ده الي هو إنكار معلوم من الدين بالضرورة

إن كان معلوم من الدين بالضرورة، وحتى قالوا: – يا أخي سبحان الله لازم – قالوا: لا يُخرجك من الإيمان إلى جحده، يعني إلا إنكار من أدخلك فيه، الي أدخلك فيه الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر

إذا أنكرت الله أنكرت الملائكة أنكرت الكتب أنكرت الرسل

أي ركن من الأركان

الإيمان طار خلاص، وحين إذًا يكون كافرًا

المعتزلة كان عندهم مرتبة وسط ما بين الإيمان والكُفر وهي (الفسق)

نعم، هي طبعًا ده مذهب عجيب وإحنا درسناه، يسمّونه يعني المُسلم والمؤمن ماشي، لكن عندهم مرتكب الكبيرة إيه؟ مُرتكب الكبيرة قالوا: والله ده عنده إيمان مقدرش اسميه كافر

وفي نفس الوقت خرج عن الإسلام مقدرش اسميه مسلم،  لأنّه لم يأتي بأعمال الإسلام، طب نسميه إيه يا شيوخنا الأجلاء؟ قالوا: نسمّيه فاسق

طب حكمه إيه؟ إحنا عندنا المؤمن في الجنة والكافر في الناس، قالوا: هو في منزلة بين المنزلتين. طبعًا كلام غير معقول

انشغال بالقلوب الحقيقة أنا بشوفه

لا طبعًا يعني

ربنا سبحانه وتعالى أعلم يعني

هما العلاقة بين الإيمان والكفر، يعني العاصي ده تودّيه فين؟

من هنا نقول: أن الأمة احتاطت التكفير، احتياط شديد، وضيّقت التكفير وجعلته في أضيق نطاق وهو أن تُنكر إيمانك، أن لا تؤمن بالله

إذًا الإسلام وضع ضوابط وشروط وموانع للتكفير. السؤال هو من بيده سلطة التكفير في الإسلام؟

في الحالة القادمة

إخوانا الي هما بيكفرونا بيكفرونا من تحت هذا الخلط. وهو أنّه مُرتكب الكبيرة كافر

طب ده مؤمن، يقولك: لا مرتكب الكبيرة كافر

الصورة التي يعرفُها عنا العالم هي هذه الصورة البائسة الرديئة جدًا


Download text file

Al-tayed season1-13

You may also like

برنامج "الإمام الطيب" — الحلقة 4
في الحلقة السابقة طيب أمام كل هذه القيم المهمة في الإسلام المتعلقة [...]
0 views
برنامج "الإمام الطيب" — الحلقة 3
سؤال في غاية الأهمية الحقيقية يتعلق بالمرأة والدعاوي المتعلقة بالمرأة [...]
4 views
برنامج "الإمام الطيب" — الحلقة 2
في الحلقة السابقة فضيلة الإمام "الطيب"، تحدثنا عن أهمية التجديد، ضرورة [...]
6 views
برنامج "الإمام الطيب" — الحلقة 1
هذا ينقلنا بالتأكيد، إلى السؤال الأهم والأبرز ونحن نتناول قضية [...]
1 views

Page 6 of 6

اترك تعليقاً