التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 14 | مفهوم الفرقان

أهلًا وسهلًا بالجمهور الكريم!

رأينا في الحلقة الماضية التّغيير الثاني في مخطوطة Arab 328 a في سورة الحجر الآية 26 – 28 – 33 بحيث كانت الكلمة في الأصل صَلل.

ثم مسح حرف اللام الأخير ناسخ أخر في وقت أخر ورسم فوقها ص ل

في الثلاث أماكن لتُصبح الكلمة في الأخير صلصال

وقلنا: إنّ كلمة صلصال هذه اختلف في معناها عُلماء الإسلام فيهم من قال: إنّ معنها تراب يابس

 ومنهم من قال: بل مُنتن، وآخرون قالوا: معناها بقيّة الماء في الأنية أو الغادية

ممّا يدلّ على عدم معرفتها بأصلها اللّغوي، وعندما بحثنا على أصل الكلمة صلل، وجدناها تتفق في اللغة الآراميّة السريانيّة مع باقي الآيات من (حما مسنون).

والعبارة كلّها تعني أن الله خلق الإنسان من مادة صافية نقيّة طاهرة تتماشى مع آية سورة التين التي تقول: «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ» (التين: 4)

ثم رجعنا للحديث عن الجزء الثاني من “مصحف باريسنو – بتروبوليتانس” وهو الجزء الموجود في المكتبة الوطنية الروسية سان بطرسبرج وهي مخطوطة مارسيل 18

وقلنا: أنّها تتكوّن من 26 رقعة أي قطعة جلد في 4 كراريس وتحدّثنا عن خروجها من مصر إلى فرنسا ومنها إلى روسيا

سوف أكتفي بتقديم مثالًا أو مثالين على هذه المخطوطة ودراستهما

نأخذ أول رقعة في هذه المخطوطة ونبدأ بكلمة (فُرقان). وهي هذه الكلمة موجودة في الآية 29 من سورة الأنفال.

لماذا هذه الكلمة؟ لنُبيّن أصلها اللّغوي كما قُلنا.

وكذلك الكلمات الأساسية في النصّ القرآني بصفة عامة، ككلمة قرآن، مصحف، سورة، آية.

بدأنا بالحديث عن كلمة فرقان وقُلنا: إنّ بحسب علماء الإسلام معنها مخرجًا، نجاة، نصرًا. وكذلك فصلًا بين الحقّ والباطل

فكل هذه التفسيرات اعتمدت على سياق الحديث ونجحت إلى حد ما في توصل للمعنى الإجمالي

 إلى أنّهم أي الفقهاء تركوا جذر الكلمة في اللسان العربي من فعل فرق، بمعنى فصلَ

فنُلاحظ أن هذه الكلمة فرقان، جاءت في النصّ القرآنيّ في الآية 41 من سورة الأنفال

«وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (الأنفال: 41)

وهنا الحديث عن توزيع الغنائم بعد انتصار، وما يبدو جليًّا هو ذكر الخُمس من هذه الغنائم لله ولرسوله ولذي القُربى واليتامى والمساكين وابن السبيل

 وكأنّ السياق يُشير لاعتراض فريق من المُحاربين على عزل هذا الخُمس من الغنائم جانبًا دو إعطاء أي تبرير

فجاءت الآية لتُسلّط الضوء على هذه الفئة المذكورة، رغم أنّ أموال الزكاة والصدقات من المفروض أن تكون كافية لمُساعدة هذه الفئة الهشّة

وكذلك إذا اعتبرنا ذي القُربى الرسول والرسول نفسه من هذه الفئة

بالطبع لا يمكن معرفة هذه الفرقة المُحاربة التي اعترضت على هذا التقسيم من خلال ما سبق

لكن هناك إشارة واضحة على هذه الفرقة في الآية التي تليها.

«إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَىٰ وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ ۚ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ۙ وَلَٰكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ» (الأنفال: 42)

المراجع الإسلامية تقول: إنّ هذه المعركة هي معركة بدر، وسوف نُقدّم دلائل على عدم وجود معركة بدر تاريخيًا

وأنّ الإشارة بمعركة العرب واليهود ضدّ البيزنطيين في هذه الرواية أو هذه الآية

فكلمة (العدوة) كناية عن وجود شاطئ فما ذهبت إليه الرواية الإسلاميّة من حديث معركة بدر

فلا وجود  لشاطئ يُذكر في هذا المكان المنسوب لمعركة بدر،

فقد انتبه بعض المُفسرين كالطبري وابن كثير والجلالين وغيرهم لهذا الأمر

فأقحموا وجود كلمة البحر في التفسير، خاصة بعد التأكد من عبارة (أسفل منكم)

يقول الطبري لشرح هذه العبارة: “في موضع أسفل منكم إلى ساحل البحر”

وعند ابن كثير: “أي ممّا يلي سيف البحر”

من خلال سياق النصّ القرآنيّ يتبيّن أنّ الخطاب للفرقة المُحاربة التي كانت مُعترضة على هذا التقسيم وهم اليهود

وأن ّصاحب النصّ يُشير إلى حادثة خروج بني إسرائيل من مصر، وخلاصهم من جيش فرعون عند البحر الأحمر

وضمير الخطاب (أنتم) تُفيد أن جماعة من اليهود موجودة ضمن المحاربين، وهذا ما أكده الأرميني “سيبيوس” في كتابه (تاريخ هرقل)

حيث يُخبرنا وهو شاهد على العصر عن اتحاد العرب برئاسة محمّد باليهود المضطهدين في الإمبراطورية البيزنطية، وكوّنوا جيشًا لمحاربة البيزنطيين وانتصروا عليهم فعلًا

وهذه الغنائم من تلك المعركة الكبرى ولا دخل لقُريش في الحديث كما سوف نرى لاحقًا

ولهذا السبب نجد في سورة الأنبياء «وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ» (الأنبياء: 48)

فكلمة الفُرقان هي من جذر كلمة فرَق، والصيغة الآن في أخر الكلمة تكون صفة

إذا كانت دون تعريف، مثلًا كلمة فرحان، سرحان، تعبان فهي صفة

أمّا بالتعريف بالألف واللام فهي للتحقيق مثل كلمة الرحمن أي الرحمة الحقيقيّة

وهناك مثال آخر من سورة العنكبوت الآية 64 «وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» (العنكبوت: 64)  بمعنى الحياة الحقيقيّة

إذًا الفرقان معناه الفرق الحقيقي، وهذا لا يستقيم دون الرجوع إلى أصل الكلمة في اللغة الآرامية

فكلمة الفرقان تعني الخلاص ومنها كلمة فاروقا أو الفاروق في العربي،  معنها المُخلّص.

لتكملة الموضوع نراكم في الحلقة القادمة وإلى اللقاء!


download text file

Early History of Islam 014

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 6 | خطأ الدكتورة أسماء هلالي في قراءة نص طرس صنعاء
أهلًا بكم أحبائي الكرام! في عُجالة نذكّركم بالحلقة الماضية، بدأنا [...]
115 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 5 | مع محمد المسيّح
أهلًا بالجمهور الكريم الحلقة الماضية ذكرنا نقطتين مهماتين وهي أولًا [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 4 | مع محمد المسيّح
1- أهلا بكم مشاهدينا الكرام في الحلقة الماضية توصلنا لنقطة مهمة جدا 2- [...]
13 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 3 | مع محمد المسيّح
أهلًا بالجمهور الكريم في الحلقة الماضية إتحدثنا على المعايير العلمية [...]
10 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 2 | مع محمد المسيّح
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 2 | مع محمد المسيّح أهلًا بالجمهور [...]
23 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 1 | مع محمد المسيّح
  الحلقة الأولى من برنامج التاريخ المبكر للإسلام أهلًا بيكم [...]
37 views

Page 13 of 13

اترك تعليقاً