التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 15 | مفهوم كلمة القرآن

أهلًا بالجمهور العزيز!

في الحلقة الماضية بدأنا الحديث عن معنى الفُرقان، ووعدناكم تكملة الموضوع في معرفة كلمة القرآن، مُصحف، سورة، آية.

نرجع لكمة الفرقان ونختم بالآية الأولى في سورة الفرقان، «تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا» (الفرقان: 1)

فكما رأينا في الحلقة الماضية في سورة (الأنبياء 48) أنّ هذا الفرقان قد أوتي موسى وأخيه،

 وهنا أخصّ الفرقان لموسى باعتبار هارون أخاه بمرتبة الوزير والمُعين

ويفصح عن هذا الأمر بوضوح في الآية 35 من نفس السورة «وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا» (الفرقان: 35)

فالآية أشارت لموسى بكلمة (عبده)، بالضبط كما أشار في أوّل آية لسورة الإسراء أو ما كانت تُسمّى بسورة (بني إسرائيل).

(وعبده) ليست بمعنى محمّد ولكن موسى، كما سوف نُبرهن في إحدى الحلقات القادمة لهذا البرنامج

فكلمة الفرقان هو الخلاص المذكور في التوراة عن (سِفر الخروج)، خلاص بني إسرائيل من فرعون وجنوده

ولهذا جاء في سورة( الأنفال الآية 42) (وليس 29) «… وَلَٰكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ» (الأنفال: 42) أي ليهلك جنود فرعون ويحيا بني إسرائيل

أمّا كلمة قرآن وقد أخرج “البيهقي والخطيب” وغيرهما عن “الشافعي” أنّه كان يُسمّى (قران) بدون تهميز،

والهمزة كما تعرفون أعزائي المشاهدين، هي من اختراع “الخليل بن أحمد الفراهيدي” في القرن الثاني الهجري كما سبق وأن ذكرنا

ويُضيف العلامة “السيوطي” في كتابه (الاتقان في علوم القرآن) أنّ كلمة قرآن ليس من جذر كلمة قرأ العربية

وهذا ما رشحه ” تيودور نولدكه” بقوة كون مصطلح القرآن لم يتطوّر داخل اللغة العربية، بل الكلمة مأخوذة عن السريانيّة، قريان

مما يدلّ على أنها ليست عربية أو من أصل عربي، وبالرجوع إلى اللغة السريانية الآرامية، فالكلمة قريان بالياء وهذا شائع عندما يكون الحرف قبل الهمزة مجرور

على سبيل المثال لا الحصر، فكلمة ذئاب جمع ذئب، فهي قبل التهميز ذياب بالياء جمع ذيب

ومن بين معانيها هذه الكلمة قريان حسب القاموس الآرامي السرياني كتاب القراءات البيعية بمعنى (كتاب القراءات الكنسية)

ويقول الفلولوجي “كريستوفر لوكسمبرج” إنّ كلمة قرآن مُشتقة من كلمة قريان، وتعني كتاب (الليتورجيا للصلوات الكنسيّة )

السؤال المطروح، هل في الموروث الإسلامي ما يدلّ على أن القرآن كان في الأصل كتاب ليتورجي للتعبّد؟

عن “ابن ضريس وغيره عن كعب قال: في التوراة يا محمّد إنّ مُنزّل عليك توراة حديثة تفتح أعينًا عميًا، وأذانًا صما، وقلوبًا غلفًا” أي أنّ القرآن توراة حديثة،

 وفي رواية أخرى عن قتادة أن موسى لما نظر في الألواح وجد فيها أمّة أناجيلهم في قلوبهم، وتمنى أن يكون من أمته إلّا أنّ الله عز وجل أخبره أنهم من أمّة “أحمد”  بين قوسين (محمّد)

فبغضّ النظر عن صدق هذه الروايات أو عدم صحتها إلا أنّ القرآن في الموروث الإسلامي القديم هو نسخة عذراء من التوراة والإنجيل وهو أي القرآن قراءة جديدة للكُتب التي كانت بين يدي الرسول كما يبدو في الآية 31 من سورة سبإ

«وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ»  (سبإ: 31)

وفي كتاب (طساوروس) أو المُعجم أو قاموس أنّ كلمة القريان في الأدب السرياني تعني القراءة، وهذا ما يوافق تمامًا بما جاء في سورة الإسراء الآية 78 « أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا» (الإسراء: 78)

يعني يوصي بالصلاة من غروب الشّمس إلى حلول الظّلام الدّامس، وقراءة الفجر وكذلك في سورة القيامة «إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ» (القيامة: 17) أي قراءته.

إذًا، القرآن حسب هذه الأقوال يُمكن أن نعتبره إنجيلًا رُباعيًا سريانيًا جديدًا

لا يجمع الأناجيل الأربعة فقط كما هو عند السريان كما قُلنا، وإنّما يوفّق بين أجزاء الكتاب المُقدّس بعديه الجديد والقديم

ولكن هذه المرّة ليس باللّغة السريانيّة، وإنّما بلسانٍ عربيٍّ مُبين، كما جاء في سورة الزخرف وغيرها

«إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ» (الزخرف: 3 – 4)

هذا ما تؤكّده كذلك سورة الشّعراء «بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ. وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ» (الشعراء: 195 – 196)

أمّا كلمة مُصحف بحسب المراجع الإسلاميّة، فقد أطلق المُسلمون الأوائل كلمة مُصحف على القُرآن في بداية الخلافة بعد الجمع الأوّل له.

حيث تُفيد هذه المراجع أنّ الصحابة ناقشوا مسألة تسمية القرآن في حلّته الجديدة للكتاب،

فقال بعضهم: سمّوه إنجيل، ورفضت الفكرة بدعوة أنّ النّصارى يستخدمونه

ثمّ اقترح آخرون تسميته السفر، ورُفضت الفكرة أيضًا بسبب استخدام اليهود

فاقترح “بعد الله بن مسعود” تسميته مصحف، التي استخدمت في بلاد الحبشة، فلقي استحسانًا من الأغلبية فأُخذ بهذا الاقتراح

فكما يُلاحظ أنّ المسلمين الأوائل لم يبتعدوا كثيرًا عن كون القرآن شبيه بالإنجيل أو الأسفار اليهودية

فهجرة بعض المُسلمين الأوائل ومن بينهم بن مسعود إلى الحبشة، إذا صحّت الرواية

 جعل يختارون كلمة مصحف التي كانت تتداول عند الاحباش باللغة الأمهريّة ولا زالت إلى اليوم عند الإرتريين والأثيوبيين عبارة (مُصحف قدّوس)

للإشارة إلى الكتاب المُقدّس بعهديه القديم والجديد

وهذا المعنى يوافق ما ذكرناه عن معنى كلمة القرآن

ولتكملة هذا الموضوع، كونوا معنا في الحلقة القادمة، وإلى اللقاء!


download text file

Early History of Islam 015

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 6 | خطأ الدكتورة أسماء هلالي في قراءة نص طرس صنعاء
أهلًا بكم أحبائي الكرام! في عُجالة نذكّركم بالحلقة الماضية، بدأنا [...]
110 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 5 | مع محمد المسيّح
أهلًا بالجمهور الكريم الحلقة الماضية ذكرنا نقطتين مهماتين وهي أولًا [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 4 | مع محمد المسيّح
1- أهلا بكم مشاهدينا الكرام في الحلقة الماضية توصلنا لنقطة مهمة جدا 2- [...]
13 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 3 | مع محمد المسيّح
أهلًا بالجمهور الكريم في الحلقة الماضية إتحدثنا على المعايير العلمية [...]
10 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 2 | مع محمد المسيّح
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 2 | مع محمد المسيّح أهلًا بالجمهور [...]
23 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 1 | مع محمد المسيّح
  الحلقة الأولى من برنامج التاريخ المبكر للإسلام أهلًا بيكم [...]
36 views

Page 13 of 13

اترك تعليقاً