التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 16 | معنى كلمتي آية وسورة وماهي أصلها؟

أهلًا بكم أعزائي المًشاهدين!

في الحلقة الماضية تحدّثنا عن معنى كلمة القرآن، وقُلنا: أنّها كانت في الأصل تعني (كتاب الليتورجيي) للتعبّد والقراءات

وكذلك كلمة مصحف تؤكّد هذا المعنى الأصل، وهو كما قلنا في الحلقة الماضي: عبارة عن (إنجيل رباعي جديد بلسان عربي مبين)

الآن ننتقل إلى كلمة (سورة)،  فقد جاءت هذه التسمية بحسب علماء الإسلام نسبة لكلمة سور

اعتبار أن كلام الله مسوّر داخل سور يمكن تسميته بفصل من فصول القرآن

وبالتالي: كلّ فصل سُمّي بسورة، إلى أنّ الإشكالية تكمن في هذا الاسم نفسه، لأننا لا نملك أي معلومة تفيد هذا التقسيم لكتاب حسب الفصول مع تسمية سورة قبل وجود القُرآن

سواء داخل الموروث الإسلامي، أو خارجه.

عند العرب فالقُرآن هو أوّل كتاب بلسان عربي على الإطلاق

مما يُفيد أنّ صاحبه في سورة البقرة «وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ..» (البقرة: 23)

يُخاطب قومه بما يعرفونه، يعني أنّ كلمة سورة معروفة عند العرب رُغم عدم وجود كتاب بلسانهم

وهذا لا يتمّ إلّا بمعرفة هذه الكلمة خارج اللسان العربي، وعند أقوام أخرى

لها طبعًا هذه الأقوام، كانت لها كتب كما رأينا في تسمية المصحف،

إذًا بما أنّ صاحب النصّ لم يذهب بعيدًا لتسمية القرآن فكلمة سورة هي الأخرى مقتنية من تسمية كانت موجودة كما تدلّ سورة البقرة في الموروث

ربّما الموروث السرياني وبالرجوع إليه نجد كلمة صورة بالصاد أو صورتا بالصاد

والألف في أخر للكلمة للتّعريف وتعني صورة، رسم، أيقونة، خط، كتابة إلى آخره..

وبالرجوع إلى القاموس (منّا) الكلداني العربي، نجد عبارة (صورتكتاب) التي تعني فصل من الكتاب جاءت بمعنى (المتن من الكتاب المُقدّس)

هناك من سوف يحتجّ أنّ هذه الكلمة بالصاد والسورة بالسين

يكون الردّ ببساطة أن الكلمة عندما تكون أجنبي فيمكن كتابتها بالسين أو بالصاد مثل كلمة (الصراط).

في قراءة “ابن مجاهد والكسائي وأبي عمر” وغيره بالسين، سراط

وحتى في اللسان العربي حرف السين والصاد يمكن أخذ مكان بعضهم البعض

فعلى سبيل المثال نقول كلمة سلخ بالسين، وصلخ بالصاد نفس المعنى. سقر أو صقر بالصاد.

ولهذا نجد كلمة يبسط في (سورة الرعد: 26) بحرف السين، بينما في (سورة البقرة: )245 بالصاد يبصط بالصاد

فيها تكتب فوق الصاد فهي تكتب بسين صغيرة فوق الحرف

إذًا خلاصة الكلام، أنّ كلمة سورة أو صورة معناها فصل من الكتاب

وكانت قبل الإسلام تُطلق على المُتن من الكتاب المُقدّس

أمّا كلمة (الآية) فلا يُمكن أن تخرج عمّا سبقتها من الكلمات الليتورجية بثقافات أهل الكتاب في الجوار من عرب أو سيريان أو أحباش

إلّا أنّ هذه الكلمة لا توجد في أي من ثقافة من الثقافات المذكورة، ولا دليل علمي على وجودها قبل الإسلام

إذًا، من أين أتت هذه الكلمة؟

الغريب أنّني لم أجد هذه الكلمة في (لسان العرب) لابن منظور وأتمنى أن أكون مخطأ

وبالرجوع إلى النصّ القُرآني نجد هذه الكلمة أكتر من 300 مرات بالإفراد وبالجمع

وأوّل مرّة جاءت في القُرآن (بسورة البقرة: )106 «مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا…» (البقرة: 106)

وذكر “الطبري” أن معنى الآية يحتمل وجهين في كلام العرب

أحدهما: أن تكون سُمّيت آية لأنّها علامة يُعرف بها تمام ما قبلها وابتداؤها

والآخر منهما القصّة، فيكون معنى الآيات القصص.

يمكن كذلك أن نُضيف أنّ معناها أعجوبة أو مُعجزة، كما تُشير بذلك بداية سورة الإسراء «سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» (الإسراء: 1)

الآيات هنا تعني المُعجزات، فالطبري وهو شيخ المُفسّرين لم يُحدّد لنا المقصود بالعرب،

هل هم عرب عصره، أم هم عرب منذ ظهور الإسلام، أم العرب على العموم حتى قبل الإسلام

وهنا الإشكالية لأنّنا كما قُلنا: لا نملك أي دليل علمي على ذلك خاصة أنّه لم يكُن للعرب أي كتاب قبل الإسلام

فالكلمة دون شكّ اقتنيت من لُغة مُجاورة تُفيد نفس المعنى المذكور سابقًا

وبما أنّنا لم نجدها في اللغات الأخرى المجاورة خاصة السامية منها

فعلينا أن نبحث المعاجم والقوامس، والمفاجأة أننا نجد كلمة (آثا أو آثه)

في اللغة السريانيّة، وتعني علامة، إشارة، دلالة، أعجوبة، راية، …. إلى آخره..

والألف أو الهاء ككلمة (بغيا) بالألف في (سورة مريم الآية) 28 يمكن كتابتها بالهاء (بغيّه)

وبالتدقيق في قاموس (منّا) الكلداني العربي نجد عبارة (آثا ذصليبا) معنها (علامة الصليب)

فالمُفاجأة عزيزي المشاهد هي أنّنا وجدنا علامات صُلبان عديدة في المصاحف والمخطوطات القديمة وقد أشرت لها في كتابي  (مخطوطات القرآن)

وهذه العلامات تُشير لنهاية مقطع من السورة، تُسمّى عندنا الآن بالآية

إذًا الكلمة قبل تنقيط المصاحف كانت (آثا وليس آية)

السؤال المطروح: هل النصّ القُرآني يؤيد هذا الطرح في آياته؟

للردّ على هذا السؤال، تابعونا في الحلقة المُقبلة، وإلى اللقاء!


download text file

Early History of Islam 016

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 127 | سر ذبح بقرة موسى
أهلًا بالمُتابعين الأفاضل! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة القُرآن، ككتاب [...]
20 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 126 | البقرة الحمراء وبناء معبد اليهود في القدس
مرحبًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن البقرة الحمراء [...]
12 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 125 | بقرة موسى صفراء أم حمراء؟
أهلًا بالمُشاهدين الكرام! مازلنا في إطار الردّ على تعليق الحلقة [...]
11 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 124 | إشكالية نص القرآن (الرد على أحد التعليقات)
أهلًا وسهلًا بكم مرّة أخرى أعزائي الكرام! في الحلقات الماضية، كنا [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 123 | محمد لم يأت بدين جديد
أهلًا بكُم أحِبائي الكِرام. في الحلقة الماضية كنّا تحدّثنا عن كُتب [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 122 | القرآن هو أجبية وقريان العرب
أهلًا بكم أعزّائي الكرام! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة أصول القُرآن، [...]
15 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 121 | هل يجيد الرسول القراءة والكتابة؟
أهلًا بكم مُشاهديّ الكرام! بعد سلسلة من الحلقات حول القراءات [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 120 | إشكالية التنقيط في القرآن
تحيّة محبّة واحترام لكُم مُتابعينا الكرام! كنّا قد تكلّمنا في الحلقات [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 119 | أقدم طبعة للمصحف
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن ظهور القُرآن [...]
9 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 118 | فوضى القراءات المختلفة في للقرآن
تحية محبّة وأخوّة لكُم مُتابعينا الكرام! في الماضية كنّا بدأنا الحديث [...]
5 views

Page 1 of 13

اترك تعليقاً