التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 29 | نص قبة الصخرة ومدلوله

أهلًا بكم أعزائي المُشاهدين مرّة أخرى!

رأينا في الحلقة السابقة تأثير الفكر اليهودي بقوة في الفنّ الأموي خلال عصر “عبد الملك بن مروان” وما بعده..

وبدأنا الحديث عن بناء قبّة الصّخرة التي بناها على أرض معبد سُليمان في أورشليم، وكأنّه يُعدّ الطريق لقُدوم المسيح

ثمّ وضع نقشًا بالخطّ الكوفي ليحسم في مسألة من هو هذا المسيح المُنتظر

تبدأ كلمات هذا النقش بالبسملة، وسوف نُخصّص حلقة عن هذه البسملة، وأصلها ومعناها فيما بعد.

ثم يأتي بعد عبارة أو بعد البسملة عبارة (لا إله إلا الله وحده لا شريك له) وهذه العبارة موجودة على الدينار الذّهبي لعبد الملك بن مروان كما رأينا

وهي تُرادف أعظم وصيلة في التوراة في (سفر الخروج الإصحاح 20 ) «لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي.» (خروج 20: 3) الوصية الأولى من الوصايا العشر لموسى

وتأتي بعدها الوصية التي تحدّثنا عنها في الحلقة الماضية، «لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا، وَلاَ صُورَةً.. إلى آخره» (خروج 20: 4)

وهذه الوصية الأولى تتكرّر في آيات  الآية الرابعة من الإصحاح السادس من سفر التثنية وهي كذلك «اِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ.» (تثنية  6: 4). أو آخاد

أدوناي.. إيلوهيم… أدوناي.. آحاد..

لاحظوا كلمة آخذ بالعبري بالضبط كما جاءت في الدينار الذهبي وكذلك في سورة الإخلاص بمعنى واحد (الله أحد)

ولم يقل الله واحد، فالتأثير العبري واضح في النص، يُكمل بعد بتوضيح المعنى أحد

لا شريك له، له المُلك والحمد يُحي ويميت وهو على كلّ شيء قدير

ثم تأتي عبارة (محمّد عبد الله ورسوله) للوهلة الأولى يظهر على أنّ المقطع يُشير إلى محمّد بن عبد الله سيّد العرب ونبيها.

لكن باقي النصّ لا يتحدّث عنه، وإنّما يتحدث عن المسيح، والسؤال المطروح لماذا ذُكرت كلمة محمّد ههنا؟ للرد على هذا السؤال يجب معرفة جذر الكلمة ومعناه

فمحمّد من فعل حَمَدَ، والحمد نقيض الذم، بمعنى الشكر والثناء

إذًا، محمدًا محمّد أي مُثني عليه ممدوح ممجّد ومحمود، وبالتالي موصوف بالثناء والحمد والمجد يعني مُبارك مُمجّد عبد الله ورسوله

وهذا العبد المُمجّد المًبارك مذكور في الزبور في سفر المزامير إصحاح 108 «مُبَارَكٌ الْمَلِكُ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ!» (مزمور 118: 26)

أي ممجّد ومحمّد الآتي باسم الربّ،

وقد تكرّرت هذه العبارة حتّى في الأناجيل، كإنجيل متى الإصحاح 23 ولمعرفة من هو هذا المُبارك المُمجّد المُحمّد الآتي باسم الرب، يفصح عن هذا المجد في نفس الإنجيل، إنجيل متى إصحاح 21 بالقول:

«وَالْجُمُوعُ الَّذِينَ تَقَدَّمُوا وَالَّذِينَ تَبِعُوا كَانُوا يَصْرَخُونَ قَائِلِينَ (قائلين لمن؟ للمسيح) : «أُوصَنَّا لابْنِ دَاوُدَ! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ!…». (متى 21: 9)

إذًا الحديث عن المسيح المُبارك الآتي باسم الرب، وكلمة مسيح للتّعريف تعني ممسوح من الله بالبركة، أي مُبارك

وللتوضيح هذه المسحة، يتابع نقش قبة الصخرة فالنصّ أنّ الله وملائكته يصلّون على النبيّ.

ويُصلون يعني يباركون هذا النبي الآتي باسم الرب. حتى يكون مباركًا

نقول على سبيل المثال: صلاة على الميت، معنها الدعاء له بالمغفرة والبركة،

ثم يكُمل النصّ  «يا أيها الذي أمنوا صلوا عليه وسلّموا تسليمًا» صلّى الله عليه أي باركه والسلام عليه ورحمة الله

ثمّ يُحذّر أهل الكتاب اليهود، والنّصارى، «لا تغلوا في دينكم» أي في حكمكم ولا تقولوا على الله إلا الحق، إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله كما جاء في أوّل النقش

وكلمته بمعنى أنّ كلمة الله صارت بشرًا وعبر عنها بعبد الله كما جاء في رسالة فيلبي الإصحاح 2 « لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ (أي المسيح)، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ.» (رسالة فليبي  2: 7).

هذه الكلمة ألقاها إلى مريم وروح منه، فآمنوا بالله ورسوله، ورسوله هنا أي المسيح ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرًا لكم، إنما الله إله واحد

كما جاء في سفر التثنية، اسمع يا إسرائيل، سبحانه أنّ يكون له ولد، لم يلد ولم يولد

كما جاء في سورة الإخلاص، له ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلًا

لم يستنكف المسيح أي لن يستنكف بمعنى لن يمتنع أن يكون عبد الله

كما جاء سورة مريم الآية 30 «قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ..» (مريم: 30)

«وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ۚ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا» (النساء: 172) اللهم صلي على رسولك وعبدك عيس بن مريم.

إذًا تأكيدًا لما قُلنا في الأوّل: أنّ هذا العبد والرسول الممجّد، المحمّد المُبارك هو المسيح بن مريم

«وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا» (مريم: 15)

«ذَٰلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قَوْلَ الْحَقِّ (والقول مُرادف للكلمة، والحقّ هو الله، بمعنى هو قول الحقّ أي كلمة الله الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ» (مريم: 34) بمعنى تختلفون في طبيعته

هل هو ابن الله؟ أو مجرّد إنسان؟ أو نبي إلى آخره.

فيذكر مرة أخرى «مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ ۖ سُبْحَانَهُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ،  إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (مريم: 35 – 36)

والمتكلّم هنا ليس المسيح وإنما صاحب النصّ الذي يدعوا أهل الكتاب لعبادة الله

ويُكمل قوله: «شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ ( أي بالعدل) لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (آل عمران: 18)

«إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ (أي إنّ الحكم عند الله هو القسط والعدل والكمال) و َمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ (أي اليقين والمعرفة) بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ   (آل عرمان: 19)

ولتكملة الموضوع كونوا معنا في الحلقة القادمة، وإلى اللقاء!


Download text file

Early History of Islam 029

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 6 | خطأ الدكتورة أسماء هلالي في قراءة نص طرس صنعاء
أهلًا بكم أحبائي الكرام! في عُجالة نذكّركم بالحلقة الماضية، بدأنا [...]
112 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 5 | مع محمد المسيّح
أهلًا بالجمهور الكريم الحلقة الماضية ذكرنا نقطتين مهماتين وهي أولًا [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 4 | مع محمد المسيّح
1- أهلا بكم مشاهدينا الكرام في الحلقة الماضية توصلنا لنقطة مهمة جدا 2- [...]
13 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 3 | مع محمد المسيّح
أهلًا بالجمهور الكريم في الحلقة الماضية إتحدثنا على المعايير العلمية [...]
10 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 2 | مع محمد المسيّح
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 2 | مع محمد المسيّح أهلًا بالجمهور [...]
23 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 1 | مع محمد المسيّح
  الحلقة الأولى من برنامج التاريخ المبكر للإسلام أهلًا بيكم [...]
36 views

Page 13 of 13

اترك تعليقاً