التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 81 | أخطاء نسخية في مصاحف الأمصار للخليفة عثمان

أهلًا بكُم أحبّائي الكرام!

في الحلقة الماضية، ردينا على التحدّي الذي قدّمه أحد الدُّعاة وقُلنا بأدلة دامغة من المخطوطات القُرآنية القديمة بوجود أخطاء نسخيّة متكرّرة على الأقلّ في مخطوطتين مُختلفتين

ووصلنا لنفس النتيجة التي تقول: إنّ القُرآن لم يكن محفوظًا في الصدور كما يُعتقد.

على الأقلّ إلى عصر تدوين هذه المخطوطات التي قدّمناها.

اليوم، سوف نتحدّث عن أخطاء نسخيّة وقعت في المصاحف التي أرسلها الخليفة “عثمان بن عفّان” إلى الأمصار.

وذلك بحسب المراجع الإسلامية التي تخُصّ القراءات المُختلفة وعلى رأسها كتاب (المصاحف) للسجستاني، وكتاب (المُقنع) لأبي عمر الداني.

توصّلنا إلى 46 خطأ نسخي ترتب عن ذلك اختلافات في معنى بعض الآيات،

 لكن كلّ هذه الأخطاء أو يمكن تسميتها تسميت أو نُسمّيها اختلافات تُفيد أنّ القرآن لم يكن محفوظًا في الصدور أثناء تدوين مصاحف الأمصار

 كما يعتقد رغم نقل كلّ النسّاخ من نفس المصدر وهو: مُصحف الإمام في عصر الخليفة عثمان بن عفّان

نبدأ بالخطأ الأوّل وقد وفع في مُصحف الشام، في سورة البقرة الآية 116 في كلمة (وقالوا) سقط حرف العطف، فكُتبت (قالوا) بدلًا من (وقالوا)

المثال الثاني: في سورة البقرة كذلك الآية 132 والكلمة (ووصى) نُقلت في مصحف الشام ومصحف المدينة (وأوصى) بدلًا من (ووصى)

ثمّ في سورة آل عمران: 133 كلمة (وسارعوا) نُقلت في مصحف الشام ومصحف المدينة بدون حرف العطف (سارعوا)

وهذا إن دلّ على شيء بوجود هاذين المثالين في سورة البقرة 132 وآل عمران 133 فإنما يدلّ على أنّ أحدى المصحفين أخذ عن التاني.

علينا فقط إيجاد ما هو المصحف الذي أخذ عن الثاني؟

للجواب على هذا السؤال نجد مثال أخر، كمثال الأول تفرّد به مُصحف الشام،

وذلك في سورة آل عمران: 184 بدلًا من (وزبر) نجد (وبالزبر) مما يدلّ عن أنّ مصحف الشام أخذ من مصحف المدينة

فعندما أخطأ مصحف المدينة في كلمة (وأوصى) في سورة البقرة: 132 نقلها ناسخ مصحف الشام بنفس الخطأ

لكن أخطأ مُتفردًا في المثالين الأول البقرة: 116 والمثال الرابع آل عمران: 184

وعلى العموم ففي كلّ أخطاء مصاحف المدينة، تجدها موجودة في مصحف الشام، وليس العكس

مما يجعلنا نقول بثقة: إنّ مصحف الشام نقل دون شكٍّ عن مصحف المدينة

ننتقل إلى مصحف مكّة، فتجده على سبيل المثال تفرّد في خطأ وذلك في سورة التوبة الآية 100 عند عبارة (تجري تحتها الأنهار) جاءت بالجرّ (تجري من تحتها الأنهار) بزيادة (من)

هذا المصحف اشترك في نقل أخطأ مع مصحف المدينة، وبالتالي مع مصحف الشام

لأنّ هذا الأخير كما قلنا نقل عن مصحف المدينة، والمثل المشترك بين هذه المصاحف الثلاث نجده في سورة الكهف الآية 36 (لأجدنّ خيرًا منها مُنقلبًا)

فالحديث عن إحدى جنتيّ الظالم، بينما في مصحف مكّة والمدينة والشام جاءت كالتالي: (لأجدنَّ خيرًا منهما مُنقلبًا) منهما بدلًا منها

وبحسب هذا المثال يُمكن التساؤل عن المصحف الذي أخذ من الأخر، هل مصحف المدينة أخذ عن مصحف مكة أم العكس؟

المشكلة التي صادفتنا للردّ على هذا السؤال، هو أنّنا لم نجد كل أخطأ مصحف المدينة موجودة في مصحف مكة، ولا العكس

فيبقى أي فرضيّة مجرّد تخمين فقط

ننتقل إلى مصحف الكوفة، فنجده قد اختلف عن باقي المصاحف في سورة الأنعام، كلمة (أنجيتنا) مكتوبة (أنجانا) وكذلك في سورة الأنبياء الآية 4 (قال ربّي) بدلًا من (قُل ربي)

وكذلك في سورة المؤمنون الآية: 112 و 114 ويس: 35،  وغافر: 26،  والاحقاف 15

بينا يشترك في نفس الخطأ مع مصحف مكّة، في سورة محمد: 18 عند كلمة (تأتيهم) بدلًا (تاتيهم) ولا ندري بالتدقيق هل هي صدفة؟ أم أحدهما أخذ عن الثاني؟

ولحسم الموضوع شكّك “الكسائي” في هذه القراءة عن شيخه “أبو جعفر الرُّؤاسيّ الكوفي”

وبالتالي يمكن القول: أنّ مُصحف الكوفة نقلَ فقط عن مصحف الإمام،

ننتقل الآن إلى مُصحف البصرة، ونجده أقلّ المصاحف وقوعًا في أخطاء فقط في سورة المؤمنون الآية 85 ، 87 ، 89

فكلمة (الله) تكرّرت في هذه الآيات الثلاث بدلًا من كلمة (لله)،

الخُلاصة: يُمكن القول: بأنّ كلّ المصاحف أخذت عن مصحف الإمام ما عدا مصحف الشام الذي أخذ دون شكّ عن مصحف المدينة

وكلّ المصاحف دون استثناء وقعت فيها أخطاء نسخيّة، ويمكن قبولها كأساس قراءات مُختلفة أُنشأت مدارس في القراءات المختلفة تسمّت بأسماء هذه المُدن المذكورة

لكن بيّنت وبلا شكّ إمكانية وقوع أخطاء نسخيّة تكرّرت في مصاحف أخرى كما وقعَ في مصحف المدينة ومصحف الشام

مما يدلّ على أنّ القُرآن لم يكُن مرّة أخرى محفوظًا في الصدور كما هو مُعتقد،

لأنّه لو كان كذلك لأصلح المُسلمون الأوائل هذه الأخطاء ولَمَ أصبحت ضمن القراءات المختلفة العديدة هذا من جهة

أمّا من جهة أخرى فهذه المصاحف لم يبقَ منها مصحفًا واحدًا كدليل مادي على جمع القُرآن وتدوينه

كلّها واجهت مصيرًا مجهولًا لا نعرف عنه شيء، هل أكلتها نيران الحروب أو دفنت تحت الرّمال حتّى لا تبقى شاهدًا على ما قيل لنا من روايات؟

لكن ما يُثير الانتباه هو وجود طرس صنعاء DAM 01- 27-.1 الذي يختلف تمامًا عن هذه المصاحف

مما يطرح فرضيّة وجود مصاحف أخرى مجهولة لا نعرف عنها سوى بقايا ما وجدناه على هذا الطرس

وقد حاول النسّاخ طمس هذا المصحف بمحو نصّه وكتابة نصّ أخر فوقه، ولولا تطوّر العلم، وكشف هذا النصّ بواسطة الأشعة فوق البنفسجيّة لَمَ عرفنا بوجود مثل هذا المصحف المجهول

والغريب أنّ بعض الشيوخ والباحثين أمثال الدكتورة التونسية “أسماء هلالي” حاولوا طمسه مرّة أخرى

والقول عنه: مُجرد كراسة بين أيدي طلّاب يتدرّبون على رقع كتابة النصّ القُرآني دون تكلّف أنفسهم عناء التدقيق في كلمات هذا الطرس وقراءته وقراءة صحيحة

وقد تكلّمت في هذا الموضوع مرارًا وتكرارًا كلّما يهُمّ هؤلاء الشيوخ الباحثين هو سلامة القُرآن من أي تغيير أو تبديل

نكتفي بهذا القدر، وإلى اللقاء في الحلقة المقبلة!


Download text file

Early History of Islam 081

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 6 | خطأ الدكتورة أسماء هلالي في قراءة نص طرس صنعاء
أهلًا بكم أحبائي الكرام! في عُجالة نذكّركم بالحلقة الماضية، بدأنا [...]
115 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 5 | مع محمد المسيّح
أهلًا بالجمهور الكريم الحلقة الماضية ذكرنا نقطتين مهماتين وهي أولًا [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 4 | مع محمد المسيّح
1- أهلا بكم مشاهدينا الكرام في الحلقة الماضية توصلنا لنقطة مهمة جدا 2- [...]
13 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 3 | مع محمد المسيّح
أهلًا بالجمهور الكريم في الحلقة الماضية إتحدثنا على المعايير العلمية [...]
10 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 2 | مع محمد المسيّح
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 2 | مع محمد المسيّح أهلًا بالجمهور [...]
23 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 1 | مع محمد المسيّح
  الحلقة الأولى من برنامج التاريخ المبكر للإسلام أهلًا بيكم [...]
37 views

Page 13 of 13

اترك تعليقاً