أهلًا بالجمهور الكريم!
رأينا في الحلقة الماضية أن (طرس) أو طلس صنعاء وللتذكير فكلمة طلس أو طِرس Palimpsest معنها رقعة أو Folio، كتب عليها نصّ أصيلي، ثم مُسح فيما بعد، وكُتب فوقه نصّ آخر
فهو أي طرس صنعاء أقدم مخطوطة للقرآن في العالم،
وهو ينتمي لمصحف قديمة بقراءة مختلفة تختلف عن كلّ القراءات المعروفة.
تحدّثنا كذلك عن الخطأ الذي ارتكبته الأستاذة “أسماء الهلالي” في قراءتها للنصّ الممسوح،
وعلى هذا الخطأ بنت فرضيتها التي أصبحت الآن مُتداولة في مواقع تواصل اجتماعي.
وهي أنّ: طرس صنعاء كان أداة للتعليم والتفسير ولم يكن مُصفحًا رسيمًا للعموم،
فما بني على باطل فهو باطل.
الرقعة الجلدية كانت باهظة الثمن نظرًا للوقت والجهد الذي يتطلّبه صناعتها،
فالألواح الخشبية هي المادة الرخيصة التي كانت تستخدمها المدارس القرآنية العتيقة، ولا زالت إلى اليوم هذا التقليد مُستمرّ
فلا يعقل أن يُضحّي معلم ب 80 رقعة جلدية من أصل 220 رقعة على الأقلّ، كي يُدرّب طلابه على التدوين والتفسير وعملية التعليم كما هو موجود في الموروث الإسلامي
كان يعتمد على الحفظ أساسًا
ننتقل الآن إلى الحديث عن الفحص بالكاربون المُشعّ، C14
ونُظهر إشكاليته في فحص المخطوطات كما أشرنا في الحلقة الرابعة،
أولًا نفهم ما معنى الفحص بالكربون المُشعّ؟
مادة الكربون المُشعّ موجودة في الجوّ، فالشاة أو العنزة التي سوف نحصل على رقعة من جلدها لأجل تدوين نصّ مُعيّن
يتراكم عليها مادة الكربون المُشعّ C14 وهي على قيد الحياة، وعندما تموت أي الشاة، يبدأ الكربون المُشعّ يتناقص ببطء شديد مع الوقت
ويتحوّل إلى مادة النتروجين أو الأزوت المُشعّ، فبعد مرور 5730 سنة من موت الحيوات هذا الشاة هذه الشاة،
يتحوّل نصف كمية الكربون المُشعّ إلى مادة النتروجين المُشعّ،
ولمعرفة كمية الكربون المشعل والنتروجين المشع نستعمل تقنية التحليل مطياف الكتلة ( Mass spectrometry)
بتسريع الجسيمات يُمكننا الحصول على نتيجة الفحص إذا كانت الحفريّة، أي المخطوطة أقلّ من 50 ألف سنة،
والحفرية في موضوعنا نفسها لا تتعدى عمرها 1400 سنة، أيّ 14 قرن.
وبالتالي كميّة الكربون المُشعّ التي تحوّلت إلى نتروجين قليلة جدًا،
زيادة على ذلك أنّ المخطوطة تعرّضت أثناء صناعتها لمواد تحمل الكربون المُشعّ كمادة الجير على سبيل المثال
ولا ننسى مادة الحبر كذلك خاصة لو كانت من طبيعة حيوانية كالصوف مثلًا
وبالتالي: الفصح الكربون المُشعّ لمخطوطة القرآن لا تعطي نتائج مضبوطة
وإليكم المثال الشهير الذي يُبيّن إشكالية الفحص بالكربون المُشعّ 14
فالطلس أو طرس صنعاء أخذِت منه عينة لفحصها في 5 مراكز عليمة لفحص الكربون المُشعّ لتحديد عمرها الافتراضي
ففي أمريكا (جامعة أريزونا) وفحصت مرتين في المعهد (الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ)، وفي (جماعة أوكسفورد البريطانية)، وفي (جامعة كيل الألمانية)، و3 مرات في (مركز الفحص بالكربون المشعّ) بمدينة ليون بفرنسا
8 فحوصات في 5 مراكز علمية لنفس المخطوط، أعطت أرقام مختلفة منها ما ذهبت من 388 ميلاديًا إلى 535 ميلاديًا يعني قبل الإسلام ب 3 قرون،
وعند فصح برمنجهام الشهيرة Arabic 1572a
والنتيجة التي قُدّمت ما بين 568 إلى 645
يأتي أحد الأساتذة الذين لا علاقة لهم بعلم المخطوطات
ويقول: إنّ الناسخ، يعني هذه المخطوطة الي هي مخطوطة برمنجهام، عاصر الرسول
فكيف، فمن أين له هذا؟
إذًا ما هي مرتبة مخطوطة برمنجهام Arabic 1572a من حيث القِدم؟
الجواب، هي في المرتبة الثالثة عالميًا، وهي تنتمي إلى مصحف خدوا بالك، “مصحف باريسنو – برمنجهاموس)
على أساس أن الرقعتين فقط في جامعة برمنجهام Arabic 1572a و16 رقعة في المكتبة الوطنية بباريس، تحت رقم Arabic328C
والسؤال المطروح ما هي المخطوطة التي تلي طرس أو طلس صنعاء، والجواب هو مصحف خدوا بالكم ” مصحف باريسنو – بتروبوليتانس”
سمّي بهذا الاسم لأنّ الأجزاء الكبرى منه موجودة في الجزء الأول في المكتبة الوطنية بباريس، يتكوّن من 70 رقعة منها 56 رقعة برقم علمي Arabe 328a (56)
و14 رقعة تحت رقم Arabe 328b (14)
ثمّ الجزء الثاني موجود بالمكتبة الوطنية الروسيّة سان بُطرسبرج تحت رقم علمي Marcel 18 (26) وأنا أشتغل على هذه المخطوطة الآن،
وتتكوّن من 26 رقعة وكذلك نجد في مكتب، مكتبة الفاتيكان توجد رقعة واحدة من هذا المصحف تحت رقم Vaticani Arabi 1605
ورقعة أخرى كذلك ضمن مجموعة الفنّ الإسلامي “لناصر الخليلي” KFQ60 في لندن
هذا المصحف أي “مصحف باريسنو – بتروبوليتانس” هو بالخطّ المائل، الخط الحجازي
بقراءة “ابن عامر” الذي توفّيَ سنة 118 هجري
فكلّ من الدكتور “فرانسوا ديروش ” والدكتور التركي الطيار “ألتيكولاج” رجّح عدد.. رُقع هذا المصحف الكامل ما بين 210 و220 رقعة.
هذا المصحف كانت أجزاء منه مُخزّنه في غُرفة خاصة بالمُخطوطات القديمة المهترئة والحصائر البالية في مسجد عمر بن العاص بالفُسطاط بمدينة القاهرة حاليًا
يمكن تسمية هذه الغرفة بجنزة أو كنيزة فهي كنيزة (مسجد عمرو بن العاص)
وأوّل من تحدّث عن هذه الكنيزة هو الرّحالة الألماني “أوليش ياسبر زيتس – Ulrich Jasper Seetzec” وذلك في يناير سنة.. في (17/1/1809)
ففي أثناء الحملة الفرنسية على مصر، أخرج المُستشرق الفرنسي “جان جوزيف مارسيل – Jean-Joseph Marcel” إلى فرنسا الكثير من المخطوطات ومن بينها 26 رقعة من هذا المُصحف وهي Marcel 18 (26)
وقبله أخرج وكيل القُنصلية الفرنسية بمصر “جون لويس أسلا شيرفيل John Lewis Asala Chirville” المخطوطة ومن بينها Arabe 328a
فهؤلاء المُستشرقين كان يعرفون قيمة هذه المخطوطة النادرة فحين أنّ القائمين على هذا المسجد في ذلك الوقت لم يكونوا يعرفون قيمة هذا الكنز الذي بين أيديهم
للمزيد من المعلومات، انتظرونا في الحلقة القادمة وإلى اللقاء!
download text file
You may also like
