التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة خاصة 11 | الإداعاءات بأقدمية الخط الكوفي وتفنيدها

أهلًا بالجمهور الكريم!

نُكمل الحلقة الخاصة التي تحدّثنا فيها عن أقدم أو أقدميّة الخط الحجازي بمُقارنة بالخط الكوفي،

واليوم نُقدّم لكم نقشًا يعتبروه المُشّككون أنّه دليل على عكس طرحنا،

أي الخط الكوفي هو الأقدم

وهو نقش شاهد قبر رجل اسمه “عبد الرحمن بن خير الحجري” أو الحجازي حسب القراءة،

وجد هذا الشاهد في أسوان بمصر موجود الآن المتحف الفني الإسلامي بالقاهرة تحت رقم 20/ 1508   والمؤرّخ بجُمادى الثاني عام 31 للهجرة، كما يبدو من الصّورة

هو فعلًا نقش قديم، يظهر ذلك من حرف العين المفتوحة من فوق، كما يظهر في أوّل كلمة (لعبد) السطر الثاني،

أو حرف ك بالمقارنة بحرف د أو حرق ي الرجعية وال ت المفتوحة في كلمة (سنة) مثلًا وغيرها من الأمور

لكن هناك أسئلة يجب الجواب عليها مثل: متى تأسّست الكوفة؟

وهل أصبحت مدينة عظيمة بعد تأسيسها؟

وهل حركة التدوين كانت متطوّرة مُزدهرة بعد تأسيسها مباشرة؟

هذا من جهة، ومن جهة أخرى، هل يُمكن مقارنة ما هو مخطوط بما هو منقوش؟

أولًا، مدينة الكوفة كما هو معلوم في التاريخ الإسلامي أسسها “سعد بن أبي وقّاص” بعد موقعة القادسية سنة 27 هجرية.

وأصبحت عاصة للخليفة “عليّ بن أبي طالب” سنة 35 هجري،

ورغم أنّها كانت العاصة إلى أنها لم تنعم بالاستقرار وتطوّر المدارس الإسلامية في ظلّ وجود تمرّد داخلي كمعركة الجملة 36 هجرية ومعركة النهروين سنة 39 هجرية،

فمدينة الكوفة لم تبنى بين عشية وضحى سنة 27 هجرية،

أوّل شيء يبنى في المدينة مسجد للحمية العسكرية، ثم تبدأ عملية الهجرة إلى هذا المكان تدريجيًا من أجل البناء والخدمات الأخرى وتهيئة البنية التحتية

فهذا يأخذ عشرات الأعوام لتحقيقه ولا يُمكن تسمية خط منسوب لمدينة كالكوفة وقت تشيدها قبل أن تكون موجودة وبها حركة كتابة وتدوين قويّة

بل وتكون عاصمة لخليفة مُعيّن ساهم في هذه الحركة الثقافية تُخوّل لهذا الخط المتطوّر أن يُسمّى باسمها

فالخط الكوفي لم يكن موجودًا كما يعتقد البعض حتى عصر “عبد الملك بن مروان” حين دمج بينها وبين الحيرة سنة 691 ميلاديا

فأين نحن من شاهد قبر في أسوان سنة 31 هجرية ؟

ثانيًا، لا يُمكن قراءة المخطوط بالمنقوش لأنّ الحرف المُسمّى بالحجازي، لين بليونة الرسم،

والخط الكوفي خط مستقيم جميل جدًا اختُرع مع التطور لرسم الخط من أجل التزيين وسمو المقام لصاحب النصّ

وهذا ما نجده في نقش قبة الصخرة للخليفة عبد الملك بن مروان، والمصاحف الكبرى الجميلة من أجل وضعها في بيوت الخلفاء للسموّ والرفعة،

وهذا يختلف تمامًا عن المنقوش بإزميل بيد شخص يُريد تقديم معلومة بسيطة على جدار أو صخرة أو شاهد قبر

وبالتالي فهذا النّقش لا يحمل صفات الجمال والرّفعة كما هو الحال في الخط الكوفي

شيء آخر تاريخ النقش إذا قبلنا أن صاحبه لم يكن يقصد السنة 31 هجرية بعد المئة وبالتالي وجود شاهد قبر سنة 31 في أسوان بمصر

لا يمكن تسميته بالكوفي لأنّها قريبة جدًا من تاريخ تأسيس الكوفة من بين أهم النّقوش الذي يعتمد عليها المُشكّكون في تروج فرضية الخطّ الكوفي

كأقدم خط عربي على الإطلاق وأشهرها، (نقش زهير)،

وقد قدّم الأستاذ “روبرت كير Robert Kerr ” المتخصّص في النقوش واللغات السامية القديمة

كما سبق وأشارنا بمحاضرة فنّد فيها كلّ الادعاءات التي قيلت عن هذا النّقش، وذلك يوم 18 مارس 2018

فأوضح عملية التزوير التي حصلت لهذا النّقش

فعبارة (بسم الله) أضيفت لاحقًا فوق النّقش رغم ضيق المكان لكتابته، ووفرة المجال الكافي قبل عبارة (أنا زهير)

كذلك يلاحظ بوضوح اختلاف في نقش الأحرف التالية وهي:

ع وال م وال ر كلّها مختلفة عن الأصل،

إذًا يمكن القول: (أنّ الأصل أنا زهير كتبت زمن توفي عمر) والباقي أضيف لاحقًا

والواضح أنّ من أضاف هو صاحب النقش الثاني، (أنا الحكم بن الوليد)

تحت نقش زهير ليوهم الناس أنّ الكلام عن عمر بن الخطاب، ولكن طريقة النقش واضحة هي للحكم بن الوليد

لهذا أخفاه المدلّسون يعني هذا النقش الثاني، بواسطة الفوتوشوب حتى على هيئة اليونيسكو التي أخذت بهذه الصورة المزوّرة.

وعُمر قد يكون أي عُمر  كـ”عمر بن عبد العزيز” الأموي، على سبيل المثال، الذي توفي سنة 720 ميلادي

خلاصة القول أن الخط الكوفي خط جميل جدًا أجمل من الخط الحجازي بكثير

وهو يعبّر عن تطوّر ومهارة عالية لا تكون إلّا عند مهني قام بهذا العمل عشرات السنين حتّى أصبح مُتقنًا له

وهذا الخطّ نجده في المصاحف الكبرى التي تزن أكتر من 50 كيلو جرام وبزخرفة جميلة تُعبّر عن مستوى رقي أصحابه من خلفاء وملوك وأمراء وسلاطين

والتي تكون في قُصورهم هذه المصاحف من أجل التبرّك والمُباهاة

فالخط الحجازي البدائي لا يرقى لمُستوى الخطّ الكوفي المتطوّر

ولا يمكن أن تجده كنقش على جدران مسجد كقبة الصخرة أو على مصحف مُخصّص للملوك والخلفاء

سوف نُكمل الحلقة القادمة بما قدّمناه سابقًا، وإلى اللقاء في حلقة أخرى!


download text file

Early History of Islam 011

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 127 | سر ذبح بقرة موسى
أهلًا بالمُتابعين الأفاضل! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة القُرآن، ككتاب [...]
20 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 126 | البقرة الحمراء وبناء معبد اليهود في القدس
مرحبًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن البقرة الحمراء [...]
13 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 125 | بقرة موسى صفراء أم حمراء؟
أهلًا بالمُشاهدين الكرام! مازلنا في إطار الردّ على تعليق الحلقة [...]
11 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 124 | إشكالية نص القرآن (الرد على أحد التعليقات)
أهلًا وسهلًا بكم مرّة أخرى أعزائي الكرام! في الحلقات الماضية، كنا [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 123 | محمد لم يأت بدين جديد
أهلًا بكُم أحِبائي الكِرام. في الحلقة الماضية كنّا تحدّثنا عن كُتب [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 122 | القرآن هو أجبية وقريان العرب
أهلًا بكم أعزّائي الكرام! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة أصول القُرآن، [...]
15 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 121 | هل يجيد الرسول القراءة والكتابة؟
أهلًا بكم مُشاهديّ الكرام! بعد سلسلة من الحلقات حول القراءات [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 120 | إشكالية التنقيط في القرآن
تحيّة محبّة واحترام لكُم مُتابعينا الكرام! كنّا قد تكلّمنا في الحلقات [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 119 | أقدم طبعة للمصحف
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن ظهور القُرآن [...]
9 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 118 | فوضى القراءات المختلفة في للقرآن
تحية محبّة وأخوّة لكُم مُتابعينا الكرام! في الماضية كنّا بدأنا الحديث [...]
5 views

Page 1 of 13

اترك تعليقاً