التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 106 | مَلَكَة اليمين (الجزء الأول)

أهلًا بالمُتابعين الكرام!

في أيامنا هذه كثُر الحديث عن رجوع جماعة طالبان للحُكم في أفغانستان

ومدى تأثير هذه الرجوع على الأنظمة السياسية، ليس فقط في بُلداننا العربية الإسلامية، بل حتى في الدول الغربية التي تقطُنها فئة كبيرة من اللّاجئين المُسلمين

فهل انتصار طالبان على الحكومة أو الحكومات الهشّة التي وضعت أمريكا كدُومى لتسيير دفّة الحُكم في هذا البلد،

سوف يُعيد بقوّة فكرة الجهاد المُسلّح والجماعات القتالية كالقاعدة وداعش وبوكو حرام وغيرها من الجماعات الإرهابيّة؟

أم هي مُخطّطات سياسية إمبرياليّة تهدف لقسيم عفوًا العالم، واستغلال ثرواته مُستغلًا النعرات الدينية والعرقية لتحقيق ذلك؟

للوصول لسُدّة الحُكم تستخدم الجماعات الجهاديّة الإسلام السياسي كلُعبة في استقطاب الشباب وضمّهم لصُفوفها

فتزرع في عقولهم المظلوميّة، وتوهمهم بوجود حرب شرسة ضدّ الإسلام والمُسلمين

وتُقدّم لهم نماذج من هذا الصراع السياسي بداية من القضية الفلسطينية، إلى الاضطهاد الذي تعرّض له مُسلمين ميانمار

ومن هنا تبدأ عملية غسل عقول هؤلاء الشباب لتحفيزيهم على الجهاد المُسلّح، وهذا الجهاد لا توجد فيه خسارة

فهو تجارة مُربحة، إمّا النُصرة أو الشهادة، فالنُصرة هي الهدف المنشود لحلّ أزمة المسلمين والعودة السريعة للخلافة، واسترجاع الامجاد الضائعة

أمّا الشهادة والموت في سبيل الله، فهي أسمى درجات علوّ الحياة الأبدية في الجنّة

وبما أنّ الموضوع انطلق من المظلوميّة، وسوء وضع المُسلمين في العالم، فالنُصرة هي الأهم والهدف المنشود

يُصاحبها غنائم كثيرة من أمول وعتاد وسبايا الحرب، وهكذا تنشأ جماعات قتالية تُريد الوصول إلى هذه النُصرة

لتهييج اندفاع الشباب نحو أرض المعركة يستغل المُنظّرون والمُقترون للفكر الجهادي مسألة الجنس كمُكافأة ثمينة لهؤلاء الشباب الذين يفيضون طاقة وحيوية

إمّا في الجنّة مع الحور العين وهذا الموضوع مهمّ جدًا نحتاج تسجيل مجموعة حلقات حول مفهوم الحور العين بين اللغة والاصطلاح

ثم المُكافأة الأرضية من سبايا الحرب، ما يُصطلح عليه بملكت اليمين

قبل الحديث عن هذه المُكافأة، المكافأة الجنسية على الأرض كسبايا حرب، يجب تحديد مفهوم الاصطلاح فيما يخُصّ ملكت اليمن

فهناك إجماع عند فُقهاء الإسلام على أنّ ملكت اليمين هي سبيّة في الحرب

ويقول الطبري “وملك اليمن السبايا اللّواتي فرّق بينهن وبين أزواجهنّ السباء من غير طلاق كان من زوجها الحربيّ لها”

وهذا التفسير لعبارة ملكت أيمانكم في القُرآن، يستخدمها الدُّعاة للقتال وتهييج الشباب المُسلم للانغماس في العدو

لكنّ النصّ القُرآني بوضعه تحت مجهر علم اللغة المُقارن، لا يخدم كثيرًا هذا المفهوم

فعبارة (ملكت أيمانكم) جاءت في 14 آية، من أهمّها الآية 24 من سورة النساء «وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۖ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ۚ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا» (النساء: 24)

سورة النساء هي سورة تشريعيّة بامتياز، بها عدّة أحكام في الإرث والعُقوبات والحلال والحرام، وهذه الآية تُحرّم نكاح أو زواج المُحصنات من النساء

كما حرّمت الآية التي قبلها نكاح الأمّهات والبنات والأخوات والعمّات والخالات وغيرهنّ في الآية 23

المُحصنات من النساء هنّ المُتزوجات بحسب عُلماء الإسلام، ولتبرير وجود تحريم الزواج من المُتزوجةّ وهذا الشيء بديهيّ

يذكر الدكتور جواد علي في (مُفصّله) نوع غريب من النكاح يُسمّى بنكاح الرهط

وهو تُعدّد الأزواج للمرأة الواحدة، كما هو الحال عند بعض القبائل البدائية على سبيل المثال في التبت

حيث تكون زوجة الأخ الأكبر في مُتناول مُعاشرة باقي الإخوة جنسيًا

والأطفال الناتجين عن هذا الزواج ينسب للعائلة، أو كما هو الحال في الصين على ضفاف بحيرة لوجو عند قبيلة Mosuo

حيث تعتبر المرأة هي العمود الفقري للأسرة، وتختار شريك حياتها باستمرار خفية، وتغيره كما شاءت، ولا يعيش معها تحت سقف واحد

فهذا النوع من النكاح يُسمّى نكاح الرهط، يعتقد بعض الباحثين أن العرب لم يكن عندهم هذا النوع من الزواج

ولكن كانت هناك مُعاشرات جنسيّة جماعيّة بين إمراة واحدة وعدد من الرجال في نفس الوقت برضى كلّ الأطراف

مهما كان الأمر فليس هذا هو الموضوع في هذه الحلقة،

فما يهُمّنا هو الاستثناء من التحريم ما جاء في النص بملكت أيمانكم

يقول أستاذنا الدكتور كرستوفر لوكسمبرج: “هذه العبارة تعني ما ملكت يمينًا على الزواج بها”

أي ما عقدت عليها بحلف يمين، وبعقد مكتوب على الزواج بها

وما يُعزّز هذا الطرح وجود عبارة «وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۖ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ۚ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا» (النساء: 24)

يعني هناك كتب كتاب شرعيّ بين الطرفين، فرغم هذه الإضافة لا زالت عبارة ملكت أيمانكُم غير واضحة

فالسبيّة حسب فُقهاء الإسلام تُعاشَر مُعاشرة الرجل للزوجة، دون عقد نكاح

فقط بعقد ملكية بشراء من سوق النّخاسة أو الحصول على سبيّة حرب عند نهاية المعركة

تأتي الآية بعدها للتوضيح، «وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُم ۚ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۚ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ …» (النساء: 25) إلى أخر الآية…

في هذه الآية، المُحصنة ليس بالزواج فقط بل حتّى بل العفّة،

كما جاء في سورة التحريم الآية 12 «وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا …» (التحريم: 12) والبديل عن عدم القُدرة على نكاح المُحصنات من المؤمنات تأتي ملكت الأيمان

من الفتيات المؤمنات بشرط عقد وحلف اليمين من الطرفين، بطلب الإذن من أهلهنّ، وتقديم مبلغًا من المال،

وما هو معلوم عند فُقهاء الإسلام فالمملوكة لا يُطلب موافقة أهلها، لأنّها سبية ولا يُقدَّم لها مهرًا كالحرائر

ونكاح الإيماء والعبيد مُباح بحسب الآية 32 من سورة النور، شريطة الصلاح «…وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ …» (النور: 32)

والآية التي بعدها تتطرّق هي الأخرى لملكت الأيمان، تقول الآية «وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ۖ وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ۚ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا…» (النور: 33) إلى أخر الآية…

إذًا مرّة أخرى التأكيد والتوكيد على كتب الكتاب ودفع المهر، وهذه الشروط لا توافق نكاح الإيماء بحسب عُلماء الإسلام من طلب الإذن من الأهل وكتبت الكتاب ودفع المهر

إذًا، الحديث عن نوع أخر غير معروف من الزواج عند الفُقهاء، والسؤال المطروح: ما نوع هذا الزواج؟

للردّ على هذا السؤال كونوا معنا في الحلقة المُقبلة، وإلى اللقاء!


Download text file

Early History of Islam 106

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 127 | سر ذبح بقرة موسى
أهلًا بالمُتابعين الأفاضل! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة القُرآن، ككتاب [...]
20 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 126 | البقرة الحمراء وبناء معبد اليهود في القدس
مرحبًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن البقرة الحمراء [...]
12 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 125 | بقرة موسى صفراء أم حمراء؟
أهلًا بالمُشاهدين الكرام! مازلنا في إطار الردّ على تعليق الحلقة [...]
11 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 124 | إشكالية نص القرآن (الرد على أحد التعليقات)
أهلًا وسهلًا بكم مرّة أخرى أعزائي الكرام! في الحلقات الماضية، كنا [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 123 | محمد لم يأت بدين جديد
أهلًا بكُم أحِبائي الكِرام. في الحلقة الماضية كنّا تحدّثنا عن كُتب [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 122 | القرآن هو أجبية وقريان العرب
أهلًا بكم أعزّائي الكرام! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة أصول القُرآن، [...]
15 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 121 | هل يجيد الرسول القراءة والكتابة؟
أهلًا بكم مُشاهديّ الكرام! بعد سلسلة من الحلقات حول القراءات [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 120 | إشكالية التنقيط في القرآن
تحيّة محبّة واحترام لكُم مُتابعينا الكرام! كنّا قد تكلّمنا في الحلقات [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 119 | أقدم طبعة للمصحف
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن ظهور القُرآن [...]
9 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 118 | فوضى القراءات المختلفة في للقرآن
تحية محبّة وأخوّة لكُم مُتابعينا الكرام! في الماضية كنّا بدأنا الحديث [...]
5 views

Page 1 of 13

اترك تعليقاً