التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 38 | الحجر الأسود ” بتيئيل” عند اليهود والنصارى

أهلًا بكم أعزائي المشاهدين!

رأينا في الحلقتين الأولى والثانية لموضوع الحجر الأسود، وتحدّثنا عن التاريخ المادي وأظهرنا العُملات التي تحمل نُقوش الحجر الأسود

ورأينا الموضوع من الجانب الوثني من وجوود قصّة في الميثولوجيا اليونانية للحجر بيتالوس، التي قدّمته الإلهة “رايا” لأخيها وفي نفس الوقت زوجها “كرونوس” ليبتلعه بدلًا من المولود الجديد “زييوس”

فعندما كبر زييوس انتصر على أبوه وأصبح هذا الحجر مُقدّسًا، لأنّه يحمل روح الإله

وللتقرّب من هذا الإله يجب تقديس هذا الحجر الي هو بيتالوس

وكما رأينا في حديث (صحيح البُخاري) عن الصلت بن محمد عن أبا رجاء العطاردي:

«”كُنَّا نَعْبُدُ الحَجَرَ ، فَإِذَا وَجَدْنَا حَجَرًا هُوَ أَخْيَرُ مِنْهُ أَلْقَيْنَاهُ ، وَأَخَذْنَا الآخَرَ ، فَإِذَا لَمْ نَجِدْ حَجَرًا جَمَعْنَا جُثْوَةً مِنْ تُرَابٍ ، ثُمَّ جِئْنَا بِالشَّاةِ فَحَلَبْنَاهُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ طُفْنَا بِهِ…”

أنّ العرب كانوا يعبدون الحجر، وإذًا وجدوا حجرًا أفضل ألقوا بالأوّل وعبدوا الثاني.

إذًا، الحجر ليس هو المُقدّس في حدّ ذاته، وإنّما المجموعة الوثنية التي اختارته، تجعل منه مُقدّسًا

ولهذا التاريخ الماديّ التي قدّمناه من عملات ونقوش يتحدّث عن الحجر المُقدّس بيتالوس، أو بيت إيل أو بيت الله

يظهر هذا تقديس القوم الحجر ليس لذاته كما قُلنا ولكن لإلباس ثوب القداسة من طرف مُقدسيه

فالكعبة على سبيل المثال ليست مُقدّسة لذاتها، فرغم تقديس وتعظيم المسلمين لها إلا أنّه بالنسبة للبوذيين مثلًا أو الهندوس مُجرّد بيت مكسوة بإزار أسود لا قيمة لها

إذًا، ربّما لا يكون نفس الحجر الأسود الذي تحدّثنا عنه في العُملات والنُقوش،

 ولكن عندما يجد العرب حجرًا أحسن منه يتركون القديم وُيقدّسون الجديد

ومن يملك هذا الحجر المُقدّس، ينال هيبة القبائل التي تعبُده وتُقدّسه.

وهذا هو سرّ هجوم القرامطة سنة 317 هجرية على مكّة في يوم التروية

وقلع الحجر الأسود، الحجر المُقدّس ونقله إلى بلادهم مدة أكثر 20 سنة

لتكون لهم هبة الفُرق المُسلمة الأخرى

شوفنا من الناحية الميثولوجية والوثنية لتقدس الحجر الأسود بيتالوس،

وقد أشرت في الحلقة الأولى من هذا الموضوع لوجود قصّة في الموروث الوثني، وأخرى كتابية بمعنى في كُتب اليهود النصارى، والآن ننتقل للقصّة الكتابية،

 أول شيء ننتبه له وجود كلمة بيتالوس في الميثولوجيا فهي نفس الكلمة بيت إيل باللغة العبرية والآرامية التي تعني كما قُلنا: بيت الله

هذا يعني أنّ للحجر قصّة أخرى في كتب اليهود والنصارى

وأوّل ذكر لكلمة بين إيل جاءت في قصة النبي “يعقوب” في التوراة حين كان هاربًا من أخيه عيسو خوفًا من قتله

فكان أثناء مسيره فكان نائمًا في مكان اسمه لوز، سفر (التكوين إصحاح 28: العدد 12 إلى 19 )

فرأى في منامه أي يعقوب، سُلّمًا منصوبًا نحو السّماء والملائك تصعد وتنزل عليه والرب واقف يقول:

«…أَنَا الرَّبُّ إِلهُ إِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ. الأَرْضُ الَّتِي أَنْتَ مُضْطَجِعٌ عَلَيْهَا أُعْطِيهَا لَكَ وَلِنَسْلِكَ.» (تكوين 28: 13)

ووعده ذلك أن يكون معه، ويحفظه إلى أن يرجع إليها، ويجعل من نسله جميع قبائل الأرض

وعندما استيقظ أي يعقوب من نومه قال: «فَاسْتَيْقَظَ يَعْقُوبُ مِنْ نَوْمِهِ وَقَالَ: «حَقًّا إِنَّ الرَّبَّ فِي هذَا الْمَكَانِ وَأَنَا لَمْ أَعْلَمْ!… وَبَكَّرَ يَعْقُوبُ فِي الصَّبَاحِ وَأَخَذَ الْحَجَرَ الَّذِي وَضَعَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ وَأَقَامَهُ عَمُودًا، وَصَبَّ زَيْتًا عَلَى رَأْسِهِ… وَدَعَا اسْمَ ذلِكَ الْمَكَانِ «بَيْتَ إِيلَ»…» (تكوين 28: 16 -19)

فلا نعرف هل صبّ الزيت على رأس الحجر، أم على رأسه هو

إذًا رمز بيت إيل هو عبارة عن حجر شكل عامودي كما هي أحجار المُقدّسة للوثنيين

وهذا الحجر جعل منه النبي يعقوب مذبحًا على غِرار المذبح الذي بناه أبو الأنبياء إبراهيم، كما هو مكتوب في التوراة:

«وَظَهَرَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ وَقَالَ: «لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ». فَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ.» وذلك في سفر (تكوين الإصحاح 12: العدد 7)

وتكرّرت عملية بناء المذبح في قصّة تقديم الابن كضحية للرب،

ونترك جانبًا هل الذبيح هو إسماعيل أو إسحاق، المُهم أنّه بنى مذبحًا

«فَلَمَّا أَتَيَا (أي إبراهيم وابنه) إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي قَالَ لَهُ اللهُ، بَنَى هُنَاكَ إِبْرَاهِيمُ الْمَذْبَحَ وَرَتَّبَ الْحَطَبَ وَرَبَطَ إِسْحَاقَ ابْنَهُ وَوَضَعَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ فَوْقَ الْحَطَبِ. (تكوين 22: 9)

وهي نفس الطريقة التي كان القُدماء يُقدّمون قرابين بشرية لآلهتهم،

 نأخذ على سبيل المثال الإله “مولوخ” الذي كان ُيقدّم له الطفل البكر ليُذبح ويُلقى على الحطب لحرقه

وهذه القصّة أشار لها القُرآن في سورة (الصافات الآية 102 إلى 106 ) مع اختلاف طبعًا الذبيح هل هو إسماعيل أم إسحاق؟ وليس هذا هو موضوعنا،

فبنى.. بناء المذبح من طرف إبراهيم يُشار إليه في سورة (الحج، الآية 26 ) وكذلك في سورة (البقرة 125 إلى 126 ) وسورة (إبراهيم الآية 37 )

وعلى نهج بناء المذبح قام الأنبياء بنفس المبدأ حتى عهد النبي داود، فتطوّرت فكرة بنائه لبناء معبد كبير يليق بجلال الله

لكن هناك صعوبة وأصعب مرحلة في البناء هي وضع الحجر الزاوية في أعلى الأقواس

حيث يقول النّبي داود: «الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ.» (مزمور 118: العدد 22)

إشارة إلى تدبير إلهي في بناء معبده، ويتحقّق هذا على يد ابنه الملك سُليمان، الذي بنى بيت إيل أو بيت الله، معبد سليمان أو هيكل سليمان،

وهذا وضحه النبي إشعياء الإصحاح 28 العدد 16

«لِذلِكَ هكَذَا يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ: «هأَنَذَا أُؤَسِّسُ فِي صِهْيَوْنَ حَجَرًا، حَجَرَ امْتِحَانٍ، حَجَرَ زَاوِيَةٍ كَرِيمًا، أَسَاسًا مُؤَسَّسًا: مَنْ آمَنَ لاَ يَهْرُبُ.» (إشعياء 28: 16)

ولمّا أتى المسيح أشار للحجر الذي يقصده النّبي داود في مزمور كما قُلنا 118

فهذا الحجر المُقدّس كان رمزًا للفداء، والمسيح هو الذبيحة الحقيقيّة بحسب العقيدة المسيحيّة

نجد هذا الإعلان مثلًا في إنجيل (متّى الإصحاح 21، الآية 42 ) وكذلك في (أفسس الإصحاح 2، العدد 20 )

ولتكملة الموضوع، نراكم في الحلقة القادمة، وإلى اللقاء!


Download text file

Early History of Islam 038

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 127 | سر ذبح بقرة موسى
أهلًا بالمُتابعين الأفاضل! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة القُرآن، ككتاب [...]
20 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 126 | البقرة الحمراء وبناء معبد اليهود في القدس
مرحبًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن البقرة الحمراء [...]
13 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 125 | بقرة موسى صفراء أم حمراء؟
أهلًا بالمُشاهدين الكرام! مازلنا في إطار الردّ على تعليق الحلقة [...]
11 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 124 | إشكالية نص القرآن (الرد على أحد التعليقات)
أهلًا وسهلًا بكم مرّة أخرى أعزائي الكرام! في الحلقات الماضية، كنا [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 123 | محمد لم يأت بدين جديد
أهلًا بكُم أحِبائي الكِرام. في الحلقة الماضية كنّا تحدّثنا عن كُتب [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 122 | القرآن هو أجبية وقريان العرب
أهلًا بكم أعزّائي الكرام! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة أصول القُرآن، [...]
15 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 121 | هل يجيد الرسول القراءة والكتابة؟
أهلًا بكم مُشاهديّ الكرام! بعد سلسلة من الحلقات حول القراءات [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 120 | إشكالية التنقيط في القرآن
تحيّة محبّة واحترام لكُم مُتابعينا الكرام! كنّا قد تكلّمنا في الحلقات [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 119 | أقدم طبعة للمصحف
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن ظهور القُرآن [...]
9 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 118 | فوضى القراءات المختلفة في للقرآن
تحية محبّة وأخوّة لكُم مُتابعينا الكرام! في الماضية كنّا بدأنا الحديث [...]
5 views

Page 1 of 13

اترك تعليقاً