التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 40 | فكرة الإسلام مبنية على الدعوة للكمال في اليهودية والنصرانية

أهلًا بكم!

في الحلقات الأربع السابقة تحدّثنا عن الحجر الأسود، بيت إيل، أو بيتالوس،

ورأينا أهمّيته عن الوثنيين، وأيضًا كبناء المذبح من الحجارة، رمز عند أهل الكتاب

وفي هذه الحلقة نُقدّم لكم رمزيّة كعبة بيت هامقداش بيت المقدس، والتي هي بطبيعة الحال قُبّة الصخرة

بُنيت في عهد “عبد الملك بن مروان” كما هو معلوم،

وتحدّثنا عن بناء أبو الأنبياء إبراهيم الخليل مذبح للربّ بحسب الوصية الإلهية في التوراة

وذلك في سفر التكوين، إصحاح 22 العدد الثاني ««خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، الَّذِي تُحِبُّهُ، إِسْحَاقَ، وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا، وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِي أَقُولُ لَكَ». (تكوين 22: 2)

إذًا، المذبح هو على أرض المُريّا، وجبل المُريّا يعتقد اليهود أنّه هو في أورشليم

وذلك على القُدس بيت هامقداش المكان الموجود به الصخرة، التي كما قُلنا: بناها بنى هذه قبة الصخرة عبد الملك بن مروان، هو نفس المكان الذي بُني عليه النبي سُليمان بيت الربّ، بيت إيل

ذلك في أورشليم على جبل المُريّا، في سفر الأخبار الثاني، الإصحاح 3 العدد الأول

«وَشَرَعَ سُلَيْمَانُ فِي بِنَاءِ بَيْتِ الرَّبِّ فِي أُورُشَلِيمَ، فِي جَبَلِ الْمُرِيَّا حَيْثُ تَرَاءَى لِدَاوُدَ أَبِيهِ، حَيْثُ هَيَّأَ دَاوُدُ مَكَانًا فِي بَيْدَرِ أُرْنَانَ الْيَبُوسِيِّ. (أخبار الثاني 3: 1)

فكلمة مُريّا من أصل آرامي مار أو ماري، بمعنى سيّد أو قدّيس، ك مار مارون، مار أفرام، مار جبرائيل، إلى آخره.

وجل المُريّا بمعنى الجبل المُقّدس، فقُدس الأقداس كان مبنيًا على الصّخرة نفسها

والصخرة الملساء في اللّغة الآراميّة والعربية هي الصفا

ففي إنجيل يوحنا الإصحاح الأول العدد 42 يتحدّث عن التلميذ “سمعان” يقول العدد: «فَجَاءَ بِهِ إِلَى يَسُوعَ. فَنَظَرَ إِلَيْهِ يَسُوعُ وَقَالَ: «أَنْتَ سِمْعَانُ بْنُ يُونَا. أَنْتَ تُدْعَى صَفَا» الَّذِي تَفْسِيرُهُ: بُطْرُسُ.» (يوحنا 1: 42)

وبيطريوس أو بُطرس باليوناني معناها الصّخرة، ومنها مدينة بيرا البتراء أي الصخرة

وعلى جبل المُريّا في بيت هامقداش، يعني بيت المقدس أو جبل مارو الجبل المُقدّس،

فشعائر السير في جبل مُريّا لزيارة صفا، كانت من ضمن الطّقوس التي يُقدّمها الحجاّج اليهود بين إسرائيل في زيارتهم لمعبد سليمان

كان يتوضؤون في بركة سلوام ميكفا وذلك في مدينة داود، ويسلبون اللون الأبيض رمز طهارة والقداسة ويصعدون جبل مارو أو المُريّا لزيارة الهيكل مكان الصخرة أي الصفا

وليُقدّموا ذبائح الغُفران والنّذور، فيطوفون حول المعبد 7 مرات مثلما طافوا بني إسرائيل في حصارهم لمدينة أريحا في سفر يشوع الإصحاح السادس العدد 4 «سَبْعَةُ كَهَنَةٍ يَحْمِلُونَ أَبْوَاقَ الْهُتَافِ السَّبْعَةَ أَمَامَ التَّابُوتِ. وَفِي الْيَوْمِ السَّابعِ تَدُورُونَ دَائِرَةَ الْمَدِينَةِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَالْكَهَنَةُ يَضْرِبُونَ بِالأَبْوَاقِ.» (يشوع 6: 4)

وذلك في العاشر من الشهر السابع بالتقويم اليهودي فيكون يوم للكفارة أو يوم الكفارة يوم هاكيبور

يُقدّم فيه كبشين الأول يُقدّم للربّ، والثاني يرمى من جرفٍ في البرية “لعزازيل” بين قوسين (الشيطان)

مقارنة بسيطة بين الحج في الإسلام، وهو عبارة عن عدّة طقوس أهمّها الوقوف طبعًا في عرفات، اليوم التاسع من ذي الحجّة يوم طلب الغفران في جبل الرحمة

واليوم الذي يليه العاشر تُقام شعيرتين، الأولى رمي الجمرات، والثانية تقديم ذبيحة عيد الأضحى

 وكأنّنا أمام مشهد تقديم ذبيحة الغُفران وتيس عزازيل، الذي يُرجم بالحجارة ويرمى من جُرف عالٍ يحمل خطايا الشعب

والكلّ يلبس اللّبس الأبيض كما قُلنا: رمز القداسة والطّهارة والفرح

فهذه الذبائح لم تعُد موجودة لعدم وجود الهيكل في القُدس، في بيت هامقداش

في النصّ القُرآني لم يُعطِ للذبائح أهمية كُبرى كما عند اليهود رغم وجود ذبيحة عيد الأضحى والعقيقة في السنّة بشكل ثانوي

لكن، ركّز على الهدف من تقديم الذبيحة، وهي أن تعمل بوصية الله كما وصّى بها إبراهيم الخليل في التوراة، عندما طلب منه أن يكون كاملًا، ولذلك في سفر التكوين الإصحاح 17 الآية الأولى

«وَلَمَّا كَانَ أَبْرَامُ ابْنَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً ظَهَرَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ وَقَالَ لَهُ: «أَنَا اللهُ الْقَدِيرُ. سِرْ أَمَامِي وَكُنْ كَامِلًا،» (تكوين 17: 1)

طبعًا تتذكّرون ما قُلنا في حلقات من حلقات هذا البرنامج عن معنى الدّين الإسلامي أي الحُكم الكامل والخُضوع لمشيئته بالكامل

فالكلمة من جذر آرامي شيلمى، بمعنى سليم برئ صحيح، وفي اللغة العبرية شليم معناها كامل تتذكروا كلمة كامل

فعندما طلب الله من إبراهيم أن يُقدّم ابنه البكر كذبيحة في الآية التي أشرنا لها في التوراة «خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، الَّذِي تُحِبُّهُ، … » (تكوين 22: 2) إلى آخر العدد

فالخُضوع إلى هذا الأمر غير سهل، من منّا يستطيع أن يُقدّم ابنه الذي يُحبّه قُربانًا لإلهه؟

إبراهيم كان بارًا وعمل بالوصية ونفّذ الأمر، فأصبح مُسلمًا أي كاملًا

لهذا النصّ القُرآني يُعطيه، أحقيّة أن يكون هو أوّل المسلمين،

كمثال في سورة الحج: 78 «وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ»(الحج: 78)

وآل عمران: 67 «مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» (آل عمران: 67)

فوصية أن يكون المؤمن، مؤمنًا كاملًا تعاقبت في وصايا الديانات الإبراهيميّة، فنجد المسيح يوصي بها تلاميذه وأتباعه أنّ يكونوا كاملين كما جاء في إنجيل متّى الإصحاح 5 العدد 48

«فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ.» (متى 5: 48)

الوصية التي يشهد بها الحواريون في النصّ القُرآني «وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ» في (المائدة: الآية 111)

أي واشهد بأنّنا كاملون، والكمال في النصّ القُرآني يُقدّم لكلّ البشريّة، ليس للهود فقط

فالعرب أولى بهذا الكمال لأنّهم أبناء العهد كذلك، لأنّ جدّهم كما يُعتقد هو إسماعيل بن إبراهيم

اختُتن هو كذلك لأنّ في الإصحاح 17 العدد 7 «وَأُقِيمُ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَبَيْنَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ فِي أَجْيَالِهِمْ، عَهْدًا أَبَدِيًّا، لأَكُونَ إِلهًا لَكَ وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ.»

أقام الله بينه وبين إبراهيم ونسله عهدًا أبديًا، وليس لنسله فقط فحتّى من اختُتن من عبيده وخُدّامه

وبالتالي الدعوة للكمال لا تخُصّ اليهود فقط، ولهذا السبب قام الصّراع بين أتباع الرسول “بولس” وأهل الختان

 كما أشرنا، أو كما شاهدنا في أعمال الرّسل وبعض الرسائل

فهو لا يرى الختان مسألة مهمّة، بل المقصود منها ختان القلب

بينما خصومه يرونها علامة على العهد الذي قدّمه الله إبراهيم،

 نكتفي بهذا القدر وإلى اللّقاء في حلقة قادمة، فكونوا معنا!


Download text file

Early History of Islam 040

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 127 | سر ذبح بقرة موسى
أهلًا بالمُتابعين الأفاضل! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة القُرآن، ككتاب [...]
20 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 126 | البقرة الحمراء وبناء معبد اليهود في القدس
مرحبًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن البقرة الحمراء [...]
13 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 125 | بقرة موسى صفراء أم حمراء؟
أهلًا بالمُشاهدين الكرام! مازلنا في إطار الردّ على تعليق الحلقة [...]
11 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 124 | إشكالية نص القرآن (الرد على أحد التعليقات)
أهلًا وسهلًا بكم مرّة أخرى أعزائي الكرام! في الحلقات الماضية، كنا [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 123 | محمد لم يأت بدين جديد
أهلًا بكُم أحِبائي الكِرام. في الحلقة الماضية كنّا تحدّثنا عن كُتب [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 122 | القرآن هو أجبية وقريان العرب
أهلًا بكم أعزّائي الكرام! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة أصول القُرآن، [...]
15 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 121 | هل يجيد الرسول القراءة والكتابة؟
أهلًا بكم مُشاهديّ الكرام! بعد سلسلة من الحلقات حول القراءات [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 120 | إشكالية التنقيط في القرآن
تحيّة محبّة واحترام لكُم مُتابعينا الكرام! كنّا قد تكلّمنا في الحلقات [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 119 | أقدم طبعة للمصحف
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن ظهور القُرآن [...]
9 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 118 | فوضى القراءات المختلفة في للقرآن
تحية محبّة وأخوّة لكُم مُتابعينا الكرام! في الماضية كنّا بدأنا الحديث [...]
5 views

Page 1 of 13

اترك تعليقاً