التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 43 | ما هي رمزية شكل الحجر الأسود؟

أهلًا بالجمهور الكريم!

قدمنا لكم سلسلة من الحلقات عن التاريخ المادي للحجر الأسود، بيتال بالآرامية، أو بيتالوس باليونانية، أو بيت إيل بالعبرية

وقُلنا: إن العرب كانوا يقدّسون ويُعظّمون الأحجار المميزة مثل النيازك وكانوا يغيرونها عندما يجدوا حجرًا أحسن منها عندهم

ولهذا نجد العديد من الأحجار المقدّسة كانت موجودة عبر التاريخ، وحاولنا تقديم الفكرة العامة من تقديس هذه الحجارة،

 جاءتني العدد من الردود التي تفاعلت من الموضوع، واعتبرت ما قدمته معلومات جديدة ومفيدة، لمعرفة الخلفية التاريخية للحجر الأسود

ثم تقدّم البعض بسؤال مهم عن شكل الإطار الذي يحفظ القطع الثمانية للحجر الأسود

فما هو رمزيته؟ ولماذا يوجد فقط ثماني قطع صغيرة، أكبر حجمها بحجم الثمرة

في حين تُخبرنا السيرة النبوية: أنّ الرسول حمل بيديه الحجر الأسود ووضعه في إزار ليُرجعه سادة قريش لمكانه

وأنت قُلت في الحلقة الثانية من هذا السلسلة: كان هذا الحجر محمولًا على ظهر جمل

ومن قبله نقل على متن عربة ذهبية من حِمص إلى روما سنة 218 ميلادية

نبدأ بالسؤال التاني، فالحجر الأسود قبل القرامطة سنة 317 هجرية كان كبير الحجم

حُمل على ظهر جمل، وطوله ذراع كما تُخبرنا المصادر الإسلامية

لكن وما بعد عام 331 يعني بعد رجوعه تقلّص حجمه بسبب الاعتداءات المُتكرّرة على مكّة وعلى الحجر نفسه

فهناك العدد من الحُجّاج حاولوا سرقة قطع منه، من أجل التبرُّك، ومنذ أقل من قرن كان عدد القطع 15 قطعة

والآن بقي منه ثماني قطع فقط، والسلطات السعودية تقوم بحراسته حراسة شديدة، وبصيانته من فترة إلى أخرى، حتى لا تضيع باقي القطع الثمانية الموجودة،

فهل هي من نفس الحجر الأصلي قبل القرامطة؟

لا نعلم بوجه الدقّة، لكن نرجح أنها فعلًا من نفس الحجر الأصلي

ونجهل ما تعرّض له هذا الحجر في فترة خروجه من مكّة،

نعود للسؤال الأول، عن شكل الإطار الفضي ورمزيته،

تقول المصادر الإسلامية: إنّ أوّل من ربط الحجر الأسود بإطار فضي هو “عبد الله بن الزبير”، بعدما أعاد بناء الكعبة في مكّة بسبب تضرُّرها بقصف منجنيق “الحصن بن نمير”

ثم أعاد بناءها “الحجّاج بن يوسف الثقفي” سنة 73 هجرية بعدما قصفها هو الأخر بالمنجنيق في عهد الخليقة “عبد الملك بن مروان”

وأعادها ما كانت عليه، وتابع الخلفاء بعده صيانة الكعبة والحجر الأسود بنفس الطريقة التقليدية

وبالرجوع للتاريخ الماديّ، نجد أول عُملة لعبد الله بن الزبير عفوًا تعود لسنة 63 للحكم العربي أي الهجري

وقد ضُربت في كرمان بإيران حاليًا، في حين تقول الرواية الإسلامية إنّه كان في المدينة المنورة وقت وفاة معاوية سنة 60 هجرية

وليهرُب من بيعة “اليزيد بن معاوية” اعتصم في مكة، وكان يُحرّض الحجيج ضدّ اليزيد

وفي سنة 63 هجرية تحرك الجيش الأمور بقيادة “مُسلم بن عُقبة المُري” نحو مكة لقتل “عبد الله بن الزبير”، لولا وفاة لولا وفاة مسلم بنو عقبة في الطريق

والآن أين كان ابن الزبير؟ هل في مكة كما تُفيد الأخبار أم في كرمان بإيران؟

شيء آخر في عُملة عبد الله بن الزبير أو عبد الله الزُنبيل أو الزنبيلان بحسب الأستاذ “بولكر بوب” المُتخصّص في العُملات العربية القديمة،

فالعملة هي أكتر مصداقية من الرواية التي أتت بعد أكتر من قرن بعد الحدث

وعبد الله هو لقب شرفي، كما هو الحال مع عبد الله معاوية كما رأينا في نقش حمّامات جدارة، والحولية المارونية

والسؤال الذي يجب طرحه، أين كانت الكعبة أو مكّة سنة 63 هجرية للحُكم العربي؟

نعود للموضوع، رمزية الإطار الفضيّ، ما معنها؟

أوّلًا معدن الفضّة متوفّر بكثرة في إيران أيام عبد الله بن الزمبيل كما تدُلّ العُملة

فالإطار حافظ عليه الخلفاء وهو يُحاكي الجهاز التناسُلي للمرأة، فهل هذه صُدفة أم يرمز للخُصوبة كما هو الحال في الديانات الوثنية القديمة

كالهندوسية مثلًا فنجد شكل مهبل (الآلهة شاكتي)، الي هو هذا الرمز الي هو (يوني) يرمُز للخُصوبة

وهذا الشكل يوجد في البتراء مركز عبادة (اللات) لكن كانت تقدم له أو عليه ذبائح حيوانية، بخلاف يوني عند الهندوس

وُيقابله رمز الذكورة (حجر لينجا) الذي يُمثل فحولة الإله (شيفا)، وهذا الرمز تجده في البوذية Stumpa التي تُمثّل بوذا كما رأينا سابقًا

فالتقاء لينجا بيوني يُشكّلان القوّة، أي قوة الوجود والخلق، وهذا ما نجد في رمز الشكل بأكمله

فالإطار يُشبه رمز الأنوثة، والحجر بداخله يرمز للذكورة وهو على شكل رأس جنين، يخرج من رحم أمّه، يُمثّل قوّة الخلق والولادة الجديدة، فيُقبّله الحاج، يطلب الغفران،

 وهذه العادة أي تقبيل الرأس كطلب العفو والغفران عادة كانت موجودة عند العرب مُنذ القديم وإلى الآن

وقد اكتشفت فرقة من الباحثين في الآثار من معهد (وادي عربة) مجموعة من الأحجار تعود ل 8000 سنة تحمل رمز الذّكورة والأنوثة

ويُخبرنا الدّكتور “جوّاد علي” في (مفصله لتاريخ العرب قبل الإسلام) عن اللّات في الطائف، كانت في مكان منارة مسجد الطائف حاليًا

وهي أي اللّات عبارة عن صخرة قال عنها “عمر بن لُحي” يعني في العصر ما يسمى بالجاهلي “إنّ ربكم كان قد دخل في هذا الحجر”

وهذا يوافق تمامًا ما قوُلناه عن الحجر الأسود بيتالوس تسكُنه الآلهة

والحصول عليه يُشكّل رمز القوّة وهذا ما سعى إليه الإمبراطور الروماني Heliogabalus

عندما نقله من حِمص إلى روما، وكذلك الملكة زنوبيا عندما نقلته إلى البتراء

وعبد الله الزنبيل عندما نقله لمكّة، والقرامطة عندما نقلوه للبحرين

للحصول على القوة والشعرية كما سبق أن قولنا من قبل

وبالتالي: الحجر الأسود بيتال أو بيتالوس، يُمثّل ولادة الله إله الوثنية أو الإله الوثني العربي من رحم اللّات

ولهذا جاء الإسلام ليُحارب مثل هذه العقيدة الوثنية بالقول في القُرآن:

«قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ» (سورة الإخلاص 1 – 3) ككناية عن المسيح واللّات

ولكن استبدل رأس الله بيمينه في الأحاديث، كما جاء في الحديث عن “ابن عبّاس”

(الركن يمين الله في الأرض يصافح بها خلقه، والذي نفسي بيده ما من امرئ مسلم يسأل الله عنده شيئًا إلا أعطاه إياه) (الحديث عن بن عباس)

شكرًا على انتباهكم، وإلى اللقاء في الحلقة القادمة!


Download text file

Early History of Islam 043

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 127 | سر ذبح بقرة موسى
أهلًا بالمُتابعين الأفاضل! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة القُرآن، ككتاب [...]
20 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 126 | البقرة الحمراء وبناء معبد اليهود في القدس
مرحبًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن البقرة الحمراء [...]
12 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 125 | بقرة موسى صفراء أم حمراء؟
أهلًا بالمُشاهدين الكرام! مازلنا في إطار الردّ على تعليق الحلقة [...]
11 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 124 | إشكالية نص القرآن (الرد على أحد التعليقات)
أهلًا وسهلًا بكم مرّة أخرى أعزائي الكرام! في الحلقات الماضية، كنا [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 123 | محمد لم يأت بدين جديد
أهلًا بكُم أحِبائي الكِرام. في الحلقة الماضية كنّا تحدّثنا عن كُتب [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 122 | القرآن هو أجبية وقريان العرب
أهلًا بكم أعزّائي الكرام! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة أصول القُرآن، [...]
15 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 121 | هل يجيد الرسول القراءة والكتابة؟
أهلًا بكم مُشاهديّ الكرام! بعد سلسلة من الحلقات حول القراءات [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 120 | إشكالية التنقيط في القرآن
تحيّة محبّة واحترام لكُم مُتابعينا الكرام! كنّا قد تكلّمنا في الحلقات [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 119 | أقدم طبعة للمصحف
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن ظهور القُرآن [...]
9 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 118 | فوضى القراءات المختلفة في للقرآن
تحية محبّة وأخوّة لكُم مُتابعينا الكرام! في الماضية كنّا بدأنا الحديث [...]
5 views

Page 1 of 13

اترك تعليقاً