التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 57 | هل قريش كانت توجد في العراق؟

أهلًا بالجمهور الكريم!

في الحلقة الماضية تحدّثنا عن قريش وباختصار شديد،

قُلنا: قريش لم تكن قبيلة ولد فيها الرسول كما هو شائع، وإنّما تجمُّع ديني من أجل القيام بالتجارة ومناسك الحجّ لبيت الله مرّتين في السنة

مرّة في الشتاء لطلب المطر، والثانية في الصيف لتقدمة القرابين والذبائح شكرًا لرب البيت الحرام على موسم السنة من محاصيل فلاحية وتجاريّة

في هذه الحلقة نرُدّ على بعض التعليقات وصلتنا من المُشاهدين الكِرام، فتحيّة لهؤلاء وعلى رأسهم الأستاذ الدكتور “أحمد حمدان”

فيما يتعلّق بكلمة قريش في رواية نقلها الأستاذ “”ألفونسو منكانا” عن تعليم اللّاهوت السرياني مار Narsai في القرن الخامس الميلادي

 تتحدث هذه الرواية عن هجوم أبناء هاجر على شمال العراق (بيت عربايا) في تلك الحقبة

تقول الرواية: “كانت غارة أبناء هاجر أكتر قسوة حتى من المجاعة”

وتكمل، “ولا سيما شعب قريش الذين هم مثل الحيوانات” إلى أخره…

كما قُلنا في الحلقة الماضية: كلمة قريش في الأصل اللغة الآرامية قريشا معناها سقيفة وهي توافق سياق السورة فيما يخُصّ الإشارة إلى بيت الله

فالنصّ بحسب “ألفونسو منكانا” فعلًا يُفيد وجود قُريش كفرع من أبناء هاجر، لكنّ الإشكاليّة هي وجودهم في منطقة جُغرافيّة بعيدة كلّ البُعد عن مكّة

فالرواية تُفيد أنّ هؤلاء القوم يعيشون على أرض العراق، فهل مكّة وأهل قريش كانوا في العراق؟!

ولم يأتوا من جنوب أرض الحجاز التي تبعُد عن شمال العراق بين قوسين (بيت عربايا) وكذلك في كتاب (المُدن والمواقع في العراق) بأكثر من 1500 كيلو متر

 إذًا الرواية تتحدّث عن جُغرافيا مُختلفة تمامًا عن جغرافيا الرواية الإسلامية

هناك كذلك نقشًا سبأئيًا تحت رقم Ja 931 يوجد بمنطقة العقلة مُحافظة شبوة بالعاصمة حضر موت في اليمن،

يرجع تاريخه لعهد الملك “إيل عزليط” في القرن الثالث عفوًا الميلادي يعني سنة 270 ميلادية

يذكُر هذا النقش مجموعة أسماء الوفود التي جاءت لتُهنئ هذا الملك بمناسبة تتويجه ملكًا على حضر موت

ومن بين الوفود المُهنّئة وفد من تدمُر سوريا، ومن الكلدانيين العراق، ووفد من الهند وكذلك وفد من النساء العربيات من Qrs قريش

فيقول الأب “ألبير جان”: إنهنّ قُريشيات، ومُتأثرًّا طبعًا بالرواية الإسلامية وليس هناك دليل على كون هؤلاء النسوة من قبيلة قريش المذكورة في الرواية الإسلاميّة

خاصةً لمّا نعرف أنّ هذه الوفود كلّها جاءت من مناطق طريق البُخور واللبان والمُرّ والتوابل

فالطريق تبدأ من حضر موت في اتجاه مأرب ثم تتجه نحو نجران إلى يثرب

فتمُرّ بالقُرب من الطائف من الناحية الشرقية وبالتالي مكّة إذا سلّمنا بوجودها قبل الإسلام، فلا توجد على هذه الطريقة

بل بعيدة عنها بمسيرة 3 أيام تقريبًا لأنّ الجمال تسير لمسافة 50 كيلو متر في اليوم تقريبًا

ومكّة من المفترض أنّها أمّ القُرى بمعنى مدينة معروفة في التاريخ ويحجّ لها العديد من التجّار العرب وغيرهم من أجل التسوّق

لكن كلّ هذا لا يوجد أي دليل أثري ماديّ على وجوده يعود لما قبل القرن الثامن الميلادي

ونحن نستغرب كيف تكون مدينة أو تكون مكّة أمّ القُرى ولا وجود لأثر يُذكر

أضف إلى أن تُجّارة البخور عبر القوافل تقلّصت بشكل حاد في القرن السادس الميلادي

ولم تعد مربحة فنقل بضائع عبر البحر الأحمر كانت أقلّ تكلفة بكثير من تكلفة القوافل المحفوفة بالمخاطر

بالإضافة لوجود مُدن على الساحل، كعدن ومُخاء برنيس وهو ميناء مصري قديم على البحر الأحمر، وميسي هورموس وهو كذلك ميناء مصري قديم

ثمّ نهاية الرحلة البحريّة في ميناء العقبة في الأردن، ثمّ تبدأ طريق البريّة نحو البتراء

ومنها تفترق الطرق القوافل لتتجّه نحو غزة وأخر نحو دمشق عبر بُصرى الشام

والسجلّ البحري رحماني Periplus أو رحمانية كدليل ملاحة يشهد على هذه الطريق البحرية

 فالطريق البري والبحري يلتقيان في مدينة العقبة بالأردن

هناك بعض المراجع الإسلاميّة تقول بوجود طريق القوافل بين يثرب ومكّة

 وهذا الطرح لا يُعزّز أي أثار ملموس يعود لما قبل القرن الثامن الميلادي كذلك

 تقول بعض المراجع وجود طريق من مأرب إلى مكة ثم منها إلى يثرب، وهذا الطرح كذلك لا يستند على وثائق قبل القرن الثامن الميلادي تؤكّد وجودها

لم تكن هناك شبكة طُرق مُتعدّدة في تلك العصور كما يُمكننا أن تخيّل، لأنّ أبراج الحراسة وأماكن الاستراحة والتزوّد بالماء والزاد كانت قليلة

والتكلفة كانت باهظة والمُخاطرة أو المخاطر متنوّعة، من قُطّاع الطُّرق وعواصف وغيرها

تقول الرواية الإسلامية بأنّ مكّة بناها إبراهيم الخليل بمُّساعدة ابنه إسماعيل فلو حصل هذه الرواية لكان اليهود والمسيحين يحجون إليها ويعتبرونها مكانًا مُقدسًّا

المدن الأثرية القديمة دائمًا تحمل بصمات قوية من خلال الآثار الموجودة فيها، كالأسوار والمعابد والفسيفساء

لو أخذنا على سبيل المثال مدينة كتدمُر أو دمشق أو البتراء نُلاحظ وجود هذه الآثار بوضوح حتّى بعد مرور ألاف السنين

لكن لا نجد أيّ أثار تُذكر في مكّة أمّ القُرى يعود لما قبل القرن الثامن الميلادي

أليس هذا غريب؟!

سؤال نطرحه على هيئة الآثار السعوديّة، ونطلب من السلطات السعودية أن تكشف لنا النقاب عن المستور من تاريخ مكّة قبل الإسلام

 ليطمئن قلب المؤمن المُسلم ويزداد إيمانًا بعقيدته وموروثه الديني

نكتفي بهذا القدر، وإلى اللّقاء في الحلقة المُقبلة!


Download text file

Early History of Islam 057

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 127 | سر ذبح بقرة موسى
أهلًا بالمُتابعين الأفاضل! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة القُرآن، ككتاب [...]
20 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 126 | البقرة الحمراء وبناء معبد اليهود في القدس
مرحبًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن البقرة الحمراء [...]
13 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 125 | بقرة موسى صفراء أم حمراء؟
أهلًا بالمُشاهدين الكرام! مازلنا في إطار الردّ على تعليق الحلقة [...]
11 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 124 | إشكالية نص القرآن (الرد على أحد التعليقات)
أهلًا وسهلًا بكم مرّة أخرى أعزائي الكرام! في الحلقات الماضية، كنا [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 123 | محمد لم يأت بدين جديد
أهلًا بكُم أحِبائي الكِرام. في الحلقة الماضية كنّا تحدّثنا عن كُتب [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 122 | القرآن هو أجبية وقريان العرب
أهلًا بكم أعزّائي الكرام! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة أصول القُرآن، [...]
15 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 121 | هل يجيد الرسول القراءة والكتابة؟
أهلًا بكم مُشاهديّ الكرام! بعد سلسلة من الحلقات حول القراءات [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 120 | إشكالية التنقيط في القرآن
تحيّة محبّة واحترام لكُم مُتابعينا الكرام! كنّا قد تكلّمنا في الحلقات [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 119 | أقدم طبعة للمصحف
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن ظهور القُرآن [...]
9 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 118 | فوضى القراءات المختلفة في للقرآن
تحية محبّة وأخوّة لكُم مُتابعينا الكرام! في الماضية كنّا بدأنا الحديث [...]
5 views

Page 1 of 13

اترك تعليقاً