التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 61 | كشف المستور عند الشيعة

أهلًا بالجمهور الكريم!

في الحلقة الماضية ذكرنا قصة القرامطة، وهجموهم على مكّة واستباحتهم حُرمتها،

وهذه الحادثة تُظهر على أنّ مكّة لم تكُن مقدّسة عندهم بل الحجر الأسود بيتالوس، هو الأهم.

ومكّة يُمكن استبدالها بمنطقة جغرافيّة أخرى كما كان القرامطة يتوهّمون على غرار نجاح “ابن الزبير” بعيدًا عن الهيمنة الأمويّة

لكن هذا الاستنتاج يبقى غير كافي للحُكم على هذه الفرقة لقلّة المعلومات عنها.

وربّما كلّ ما وصلنا مُبالغ فيه من أعدائهم أهل السنّة، وشبه موافق عليه من بعض الطوائف الشيعيّة تجنّبًا للصراع الطائفي.

ما نُلاحظه هو هذا الحديث يتزامن مع بدايات الأولى للدولة الفاطمية الإسماعلية، أو الدولة العبدية، نسبة “لعبيد الله المهدي بالله” الذي يعتقد من ذرية آل البيت

وكأن نشأت هذه الدولة (الدولة الفاطميّة)، شجّعت القرامطة على القيام بهذه الحادثة الشنيعة لو صحّت عنهم

الدولة الفاطميّة في تلك الآونة كانت مشغولة بتثبت ركائز الدولة ودعائمها، وخاصة بوجودها بين الأمويين في الأندلس والعبّاسيين في المشرق عاصمتها بغداد

لكن هناك طائفة إسماعليّة أخرى جديرة بالاهتمام والدراسة، نشأت في كنف هذه الدولة بمصر وهي فرقة الموحدين الدروز

وذلك في بدايات القرن الحادي عشر الميلادي على يد الداعية “حمزة بن علي بن أحمد” في  عصر الخليفة الفاطمي “الحاكم بأمر الله”

الذي قدّم لهذه الفرقة الدعم المطلوب ولهذا أصبح هذا الخليفة شخصيّة محوريّة في العقيدة الدرزية

توجد الآن هذه الفرقة في لبنان وفلسطين وسوريا والأردن، أُطلق على أتباعها لقب الدروز كُرهًا منهم نسبةً لهم إلى المدعو الشيخ “حسين الدرزي” وهناك من ينسبهم إلى “محمد بن إسماعيل الدرزي”

وهم أي الدروز يُفضّلون اسم الموحدون أو بني معروف

وبنفس منهج التّخفّي والسريّة، لمبدأ التقيّة حافظت هذه الفرقة على وجودها،

وحرصًا على استمرار هذه السريّة شكّلت العقيدة الدرزيّة نظام خاص يُقسّم هؤلاء الموحدين إلى شريحتين

العُقلاء وهم رجال الدين حُرّاس أسرار العقيدة، والجُهّال وهم باقي المجتمع الدرزي

والجهل هنا لا يُقصد به التعميم، وإنما الجهل بأسرار التي يكتُمها رجال الدين العقلاء الأجاود عنهم حتّى لا تصل إلى أعدائهم

وهذه الأسرار موجودة بمعاني باطنيّة في (رسائل الحكمة المقدسة) وهي 111 رسالة

وتُسمّى كذلك بالحكمة الشريفة، تتضمّن هذه الرسائل تشريعات من كتب مُقدّسة كتناخ اليهود وقرآن المُسلمين وكتب الفلسفة وبعض الأديان

 ومن أقدس أجزاء هذه الحكمة الشريفة (رسائل الكتّان) العارية من السريّة فحملها بين الناس خطر على الدروز الموحدين

لأنّها إذا وقعت بين أيدي أعدائهم ففهموا حقيقة عقيدتهم التي تُعتبر صادمة لمن يؤمن بالإسلام

يجب أن أوضّح نقطة مهمّة وهي: أنني أكنّ لهم كلّ الاحترام والتقدير ولا أدّعي معرفة أسرارهم الباطنية

لكن أقدّم للجمهور الكريم، بعض الخصائص المعروفة عنهم، التي تُظهر بوضوح اختلافهم التام بالموروث الإسلامي

يصُبّ في خانة عدم تقديسهم لمكّة كقدسيّة المُسلمين لها،

 واختلافهم الشديد سبّب في تكفير بعض شيوخ الإسلام لهم، ونعتهم بالكُفر والزندقة

فهذه الفرقة يربطُها تاريخ مُشترك بالتاريخ المُبكّر للإسلام والسؤال المطروح: لماذا تم تكفيرها؟

أولًا لأنّهم لا يؤمنون فعليًا بالقُرآن فقط كباقي المُسلمين بين قوسين (مُصحف عثمان بن عفان)

بل هناك آيات منه في رسائل الحكمة جنبًا إلى جنب من كتب مُقدّسة أخرى كالتناخ وحكم فلسفية كما سبق وأن أشرنا

لأنّ القرآن نفسه يشهد بصحّة الكتب السابقة كما جاء في سورة الأعلى من الآية 18 إلى الآية 19 «إِنَّ هَٰذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَىٰ. صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى» (الأعلى: 18 -19)

وسورة النجم من الآية 36 إلى الآية 42 « أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى. وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى. أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى. وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى. ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الأَوْفَى. وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى» (النجم: 36 -42)

وآل عمران الآية 3 «نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ» (آل عمران: 3) وغيرها الكثير من الآيات

فهل المسلمون يؤمنون فعليًا بهذه الكتب السابقة؟

طبعًا لا، لأن ّشيوخهم يتّهمونها بالتحريف والتزوير، فيؤمنون بها ظاهريًا أنّها من عند الله، لكن يرفضون تعاليمها بتُهمة التحريف والتزوير

إذًا لماذا تُكفّر الدروز، لماذا يُكفّر الدروز الموحدون؟

الآن ننتقل لأركان الإسلام الخمسة، أوّلًا الشاهدتين، فالدّروز يشهدون بوجود الله الواحد ولذلك يُسمّون أنفسهم بالموحدين

أمّا محمد بن عبد الله فهو رسول فقط، بلّغ رسالته فتعظيمه وتمجيده من طرف المُسلمين إلى درجة التأليه تقريبًا فهذا مرفوض!

لأنّ الحكمة الإلهية تقتضي الإيمان بقدسيّة الرسالة، أمّا تقديس الأنبياء والرسل والصحابة هو انحراف في عقيدة التوحيد كانحراف بني إسرائيل عندما عبدوا العجل الذهبي إلى جانب إله موسى

إقامة الصلاة عند الدروز الموحدين يقومون بها فقط رجال الدين العُقلاء، وغير مُلزم بها باقي أتباع هذه الطائفة، وهي صلاة واحدة في اليوم،

ولا توجد عندهم مساجد وجوامع كالمُسلمين، فأماكن العبادات 3 أنواع:

المجلس، وهو مكان يجتمع فيه الدروز الموحدون

 والخلوة هي المكان الخاص بأحد المتدين العُقلاء، مُنعزل عن الناس للتعبد والخلوة

ثم المقام، وهو مزار سنوي مُخصّص لأحد الأولياء الصالحين من أجل التبرُّك والتدبير والتفكير

لماذا صلاة واحدة؟ رغم أنّ القرآن على الأقلّ لثلاثة صلوات في سورة البقرة الآية 238 «حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ» (البقرة: 238)

لاحظوا كلمة الصلاة في رسم المصحف، صلوة بالواو لماذا؟

لأنّ أصلها في اللغة الآرامية بالواو صالوتا، وتعني دعاء

وأهم صلاة في القرآن هي صلاة الجمعة أي اللّمة اجتماع المُصليين

حيث جاء في سورة الجمعة الآية 9 «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ …» (الجمعة: 9)

لاحظوا معي مرّة أخرى كلمة للصلاة، لصلوة النداء من أجل التجمُّع للدعاء،

 قد يكون هذا التجمّع يوم الأحد أو الاثنين أو الثلاثاء أو غيرها

 ولهذا يوم الجمعة عند الدروز الموحدون هو مساء يوم الخميس، ويُسمّى كذلك ليلة الجمعة

نكتفي بهذا القدر وإلى اللقاء في الحلقة القادمة!


Download text file

Early History of Islam 061

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 127 | سر ذبح بقرة موسى
أهلًا بالمُتابعين الأفاضل! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة القُرآن، ككتاب [...]
20 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 126 | البقرة الحمراء وبناء معبد اليهود في القدس
مرحبًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن البقرة الحمراء [...]
13 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 125 | بقرة موسى صفراء أم حمراء؟
أهلًا بالمُشاهدين الكرام! مازلنا في إطار الردّ على تعليق الحلقة [...]
11 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 124 | إشكالية نص القرآن (الرد على أحد التعليقات)
أهلًا وسهلًا بكم مرّة أخرى أعزائي الكرام! في الحلقات الماضية، كنا [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 123 | محمد لم يأت بدين جديد
أهلًا بكُم أحِبائي الكِرام. في الحلقة الماضية كنّا تحدّثنا عن كُتب [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 122 | القرآن هو أجبية وقريان العرب
أهلًا بكم أعزّائي الكرام! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة أصول القُرآن، [...]
15 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 121 | هل يجيد الرسول القراءة والكتابة؟
أهلًا بكم مُشاهديّ الكرام! بعد سلسلة من الحلقات حول القراءات [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 120 | إشكالية التنقيط في القرآن
تحيّة محبّة واحترام لكُم مُتابعينا الكرام! كنّا قد تكلّمنا في الحلقات [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 119 | أقدم طبعة للمصحف
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن ظهور القُرآن [...]
9 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 118 | فوضى القراءات المختلفة في للقرآن
تحية محبّة وأخوّة لكُم مُتابعينا الكرام! في الماضية كنّا بدأنا الحديث [...]
5 views

Page 1 of 13

اترك تعليقاً