التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 62 | ما معنى صلاة الجمعة؟

أهلًا بكم أعزائي المشاهدين!

كنا بدأن الحديث في الحلقة الماضية عن صلاة يوم الجُمعة،

وقلنا بمعنى نداء لتجمُّع المُصلّين، وليس معناه يوم مُعيّن في الأسبوع،

حيث جاء في سورة الجمعة الآية 9 «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ…» (الجمعة: 9) إلى أخره..

قد يكون هذا الجمع يوم الأحد، أو الاثنين، أو الثلاثاء أو غيرها،

ولهذا يوم الجمعة عند الدروز الموحدون هو مساء الخميس، ويُسمّى كذلك ليلة الجمعة.

فصلاة الجمعة عند المُسلمين، تُقام في اليوم السادس من الأسبوع، وهذا ليس غلط،

ولكن يُمكن القول: إنّ المسلمين الأوائل تأثروا بعبادات أو بعادات العرب قبل الإسلام،

الذين اعتادوا أن يتجمّعوا في أمور الحرب والسلم للمُشاورة والمداولة فيما تتطلّبه القبيلة

كما تُفيد المراجع الإسلامية فاليوم السادس من الأسبوع يُسمّى عند العرب بيوم العَروبة

ويقول الدكتور “جواد علي” في (مُفصّله لتاريخ العرب قبل الإسلام) وكان أي قريش تجتمع في كلّ جمعة إلى “كعب بن لؤي بن غالب” فيخطُب فيهم

يعني الموضوع لا يتعلّق بالدين والعقيدة،

فأبدلوا كلمة العروبة بالجُمعة، والعروبة معناها غروب باللغة السريانية من عروبثا غروبثا يقول الدكتور “جواد علي” أي مساء نهار مقدّس

وهذا صحيح، لأنّ المقصود به يوم تسوّق عند اليهود والعرب قبل بداية الشبط غروب يوم السادس أي الجمعة

وبالتالي: تسمية اليوم السابع بيوم السبت عند العرب دليل قاطع على تقديسهم لهذا اليوم، يوم السبت كاليهود

ومن الطبيعي فالتسوّق والاجتماع يكون يوم الجمعة أي يوم قبلها

بما أنّ العرب قبل الإسلام اختاروا يوم السادس، كيوم الاجتماع،

 فالدروز الموحدون فهموا أنّ الجمعة يكون في أي يوم من الأيام الأسبوع فاختاروا مساء يوم الخميس ليلة الجمعة

لارتباطه بحدث تاريخي مهّم، وهو إعلان عن بداية هذه الفرقة أو هذه العقيدة

فصلاتهم تُشبه لحدٍ كبير صلاة المُسلمين في الحركات والسجود والركوع

وكذلك لهم صلوات وادعية ترتيليّة شعرية رتبية الوزن والقافية

أمّا فيما يخُصّ القبلة، فليس لهم قبلة محدّدة في اتجاه صلاتهم،

 لأنّه بحسب القرآن في سورة البقرة الآية 115 «…فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ…» (البقرة: 115)

فيُمكن للمُصلّين الدروز التوجّه في صلاتهم نحو قبلة المُسلمين مكّة، لكن من باب التقية فقط، وسوف نرى لماذا عندما نتحدّث عن موضوع الحجّ

بالنسبة للصيام فالدروز الموحدون يصمون العشر الأوائل من ذي الحجّة والاحتفال يكون يوم عيد الأضحى

أمّا رمضان يُمكن للدرزي صيام العشر الأواخر منه نافله، أي ليس فريضة لنزول القُرآن فيها

وإذا صام الدرزي شهر رمضان فهذا يكون فقط من باب تفعيل مبدأ التقيّة

والسؤال المطروح: هل يختلف الدروز في الصيام عن المُسلمين؟

أولًا، بالنسبة لهم استجابة للنصّ القرآنيّ في سورة البقرة  «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» الآية (البقرة: 183)

فالمُسلمون لا يصومون كالذين من قبلهم من يهود ونصارى، كما تأمُر الآية

والآية التي بعدها تقول: بأنّ الصيام أيام معدودات وليس شهرًا كاملًا،

فعشر أيام من الصيام عند الدروز توافق الآية، أمّا صيام شهر كامل فهو فهم خاطئ من المُفسّرين المُسلمين للآية التي بعدها «…فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ…» (البقرة: 185)

والمُشاهدة تكون بالحضور والعيان، وبالتالي: الحديث عن رؤية الهلال وحضور مُعاينته، وليس بالمعنى المُتعارف عليه شهر كامل، أي 30 يومًا

ولو أنّ هذا المعنى قد يكون إلا أنّه يتعارض مع الآية 184 «أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ» (البقرة: 184) التي سبقتها

أضف كذلك مسألة الرفث إلى النساء، كما تُشير الآية 187 «أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ» (البقرة: 187) جاءت بالإفراد ليلة الصيام، وليس ليالي شهر الصيام

والآية 185 «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» (البقرة: 185) تُفيد اليُسر في الصوم، وليس العُسر.

وللتأكّد من هذا الطرح، أولًا نسأل اليهود والنصارى عن الصيام عدد الأيام التي يصومونها بحسب عقيدتهم وكيف هو هذا الصيام؟

بالنسبة لليهود هناك صيام فرديّ للتكفير عن الذنوب والخطايا،

 أو جماعي كصيام أحداث عسيرة عاشها بنو إسرائيل عبر التاريخ لكن بحسب التوراة نجد النبي موسى صام أربعين يومًا عن الخبز والماء على جبل سيناء

كما يشهد سفر الخروج الإصحاح 34: العدد 28  «وَكَانَ هُنَاكَ عِنْدَ الرَّبِّ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، لَمْ يَأْكُلْ خُبْزًا وَلَمْ يَشْرَبْ مَاءً. فَكَتَبَ عَلَى اللَّوْحَيْنِ كَلِمَاتِ الْعَهْدِ، الْكَلِمَاتِ الْعَشَرَ.» (خروج 34: 28)

وهذا النوع من الصيام للتقرّب إلى الله، لهذا جُلَّ اليهود لا يصومنه لعدم تصريح كتابهم المُقدّس بصيامه

لكن هناك صيام إجباري لليهود، وهو صيام انقطاعي مثل صيام المُسلمين،

 لكنه يوم واحد فقط من غروب الشمس إلى الغروب المُقبل وذلك في يوم الغُفران، يوم كيپبور أو هاكيپبوريم יוֹם הַכִּפּוּרִים

بحسب سفر اللاوين الإصحاح 16 من العدد 29 – العدد 34

فلو صادف هذا اليوم يوم السبت، فيجب صيامه رغم أنّه يوم السبت، يوم راحة لا يجوز الصيام فيه عادة

يوم صيام جدليا ابن أخيقام צוֹם גְּדַלְיָה ‎ وهو يوم صيام ذكرى موت جدليا ابن أخيقام وبداية أثر البابليين لشعب بني إسرائيل فهو كذلك صيام انقطاعي غير واجب بل مستحب

يوم صيام ذكرى دمار الهيكل الأول ט באב أي التاسع من آب العبري وهو صيام انقطاعي غير واجب

يوم صيام تعانيت أستير תַּעֲנִית אֶסְתֵּר وهو يوم دخول أستير على الملك “احشويروش” بحسب سفر أستير

 ويبدأ الصيام من شروق الشمس إلى ظهور النجوم إلى 12 ساعة تقريبًا

صيام يوم יוֹ בתמוז  أي يوم 17 تموز وهو صيام من أجل ذكرى أشياء مُحزنة حصلت كلها في اليوم 17 عشر للسنة العبرية،

 مثل كسر ألواح الشريعة من قبل موسى، وحرق الحاكم “بوستوموس” التوراة الأصلية حسب الاعتقاد اليهودي ودمار المدينة وغيرها.

صيام العاشر من شهر تِيفيت العبريעשרה בטבת يعني عصر بيتفيت أي ذكرى مُحاصرة البابليين لمدينة أورشيلم، وذلك بحسب حزقيال 24 في هذا اليوم يمكن الصيام حتّى إذا وافق يوم السبت

صيام الفصح فيساخ פֶּסַח  وهي 8 أيام صيام عن كلّ شيء به خميرة أو يُخمّر لذكرى خروج من أرض العبودية، أرض مصر

نكتفي بهذا القدر، وإلى اللقاء في الحلقة المقبلة!


Download text file

Early History of Islam 062

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 127 | سر ذبح بقرة موسى
أهلًا بالمُتابعين الأفاضل! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة القُرآن، ككتاب [...]
20 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 126 | البقرة الحمراء وبناء معبد اليهود في القدس
مرحبًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن البقرة الحمراء [...]
13 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 125 | بقرة موسى صفراء أم حمراء؟
أهلًا بالمُشاهدين الكرام! مازلنا في إطار الردّ على تعليق الحلقة [...]
11 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 124 | إشكالية نص القرآن (الرد على أحد التعليقات)
أهلًا وسهلًا بكم مرّة أخرى أعزائي الكرام! في الحلقات الماضية، كنا [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 123 | محمد لم يأت بدين جديد
أهلًا بكُم أحِبائي الكِرام. في الحلقة الماضية كنّا تحدّثنا عن كُتب [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 122 | القرآن هو أجبية وقريان العرب
أهلًا بكم أعزّائي الكرام! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة أصول القُرآن، [...]
15 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 121 | هل يجيد الرسول القراءة والكتابة؟
أهلًا بكم مُشاهديّ الكرام! بعد سلسلة من الحلقات حول القراءات [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 120 | إشكالية التنقيط في القرآن
تحيّة محبّة واحترام لكُم مُتابعينا الكرام! كنّا قد تكلّمنا في الحلقات [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 119 | أقدم طبعة للمصحف
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن ظهور القُرآن [...]
9 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 118 | فوضى القراءات المختلفة في للقرآن
تحية محبّة وأخوّة لكُم مُتابعينا الكرام! في الماضية كنّا بدأنا الحديث [...]
5 views

Page 1 of 13

اترك تعليقاً