التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 63 | الاختلاف عند الدروز

أهلًا بكم أحبائي الكرام!

وصلني تعليق من أحد المُشاهدين يقول: “الأستاذ “محمّد” في هذا البرنامج تحوّلت من مُتخصّص في المخطوطات ووثائق التاريخ المبكّر للإسلام إلى مُتحدث عن الفُرق والمذاهب والأديان، فمقارنة الأديان بلا أدلّة ووثائق لا تُفيد المشاهدين”

أقول لهذا الأخ الكريم: التاريخ المادي المبكّر للإسلام لا يتوفّر على وثائق كثيرة تُفيد الموضوع،

ولهذا قُلت مرارًا وتكرارًا: بأنّ المُتخصّصين يُسمّون هذه الفترة يعني القرن السابع الميلادي بالثقب الأسود Black Hole

لكن القراءة ما بين السطور لهذه الفُرق والمذاهب والديانات يمكن الحصول على معلومات قليلة لكن مُفيدة للغاية،

ولهذا السبب كنت أقول ولا زلت: “إنّ الموروث الإسلامي هو عبارة عن منجم نُخرج منه ألاف الأطنان من التراب للحصول على حفنة من الذهب”

وهذا ما نقوم به خلال هذه الحلقات،

ففي الحلقة الماضية كنا تحدّثنا عن اختلاف كتاب الدروز يعني الكتاب المُقدّس للدروز الموحدين عن كتاب المُسلمين الي هو القرآن رغم أنّهما من مشكاة واحدة وأصل مُشترك

كذلك الاختلاف موجود في الصلاة، والآن نُكمل الحديث عن الصيام، ووقفنا عند صيام اليهود

أمّا الصيام عند المسيحين فيختلف عن الصيام عند اليهود والمُسلمين،

فهم أي المسيحيون يصومون أربعين يومًا ويُسمّى الصوم الكبير، وذلك قبل أسبوع الألآم يعني صلب المسيح

بالإضافة إلى أربعة أيام تعويضيّة عن أيام الأحد التي يتمّ الإفطار فيها

والصيام يكون عن المواد الحيوانيّة، كلّ ما هو حيواني، لحوم ومواد دهنيّة وغيرها أي صيام نباتي

وهناك أيام أخرى للصوم، كصوم الرسل، والصوم الصغير قبل عيد الميلاد، وصوم العذراء وكله غير إجباريّة

فالدروز لا يصمون رمضان كالمُسلمين، لماذا؟ لأنّ الصيام لا يعني فقط الامتناع عن الأكلّ والشرب

فالإمساك عن الكلام هو نوع أنواع الصيام، الصوم عن الفحشاء والمُنكر ذلك نوع من الصيام

الامتناع عن الشهوات وضبط النفس هو نوع كذلك من أنواع الصيام

الصوم عن الطعام من أجل تقدمته للفُقراء والمعوزون هو نوع من أنواع الصيام

فالقُرآن لا يُتحدّد نوع هذا الصوم إلاّ في الخبر كما هو الصيام عن الكلام، وذلك كما جاء في سورة مريم «… فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا» الآية (مريم: 26)

وكذلك في آل عمران: 41 «قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً ۖ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ۗ وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ» (آل عمران: 41) هذا الصيام يكون فقط 3 أيام

ننتقل إلى مسألة الحجّ، فالدروز عفوًا لا يحجّون لمكان، أولًا لأنّ الحجّ لمن استطاع إليه سبيلًا

وبما أنّ الدروز الموحدون يخافون على أنفسهم أخطار الطُرق ومُشاركة المُسلمين طقوسهم

 فباختصار هم لا يحجّون لمكّة وتأدية فريضة الحج، والبعض منهم لا يعتبرونها أي مكة مكانًا مقدسًا

لأنها في نظرهم مقطرة الكُفرة لماذا؟ الجواب لأنّ مناسكها تُخلّد ذكرى مناسك الوثنية وعبادة الأصنام

ألا يطوف المُسلم على الحجر الأسود كما طاف أهل اللّات والعُزّى؟

ألا يرجُم كما كان الوثنيون يرجمون أيام الجاهلية؟

ألا ُيقدّم المُسلم الذبائح في مِنى كما كان عبدة الأصنام يُقدّمونها لآلهتهم؟

ألا يسعون بين الصفا والمروى، كما كان الوثنيون يسعون بين إساف ونائلة؟

كلّ هذه الأسئلة من أجل التدبير والتفكير؟

بسقوط الدولة الفاطمية الشيعية الاسمّاعلية انكمشت هذه الفرق على نفسها، منها ما انقرضت وبقي فقط ذكرها

فتعود هذه الفرق المُتبقية إلى التّمسُّك أكتر بمبدأ التقيّة كما جاء في سورة النحل: 106 «مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ» (النحل: 106)

وتشدّدت فيها حتى أصبحت هي المُهيمنة على العقيدة، ولعلّ الحديث الذي روي عن الإمام السادس أحد أئمة أهل البيت أحفاد الرسول وهو “أبي عبد الله الصادق”

حيث قال لأبي عُمر الأعجمي: “يا أبا عمر إنّ تسعة أعشار الدين في التقيّة، ولا دين لمن لا تقيّة له”

ذلك نجده في (أصول الكافي) “للكليني” وكذلك (بحار الأنوار) “للمجلسي” وغيرها من الكتب الشيعية

فإذًا 90 % من الإسلام الشيعي مخفي عند الأئمة لا يعمله إلا هُم.

ويشعُر المُسلم الشيعي البسيط بعلامات استفهام حول العديد من الأمور التي هي ضبابية بين السنة والشيعة

على سبيل المثال: موضوع المُصحف، فالروايات تقول: إنّ الإمام “علي بن أبي طالب” كتب بيده المصحف،

لكن ما هو بين أيدينا فقط، مصحف “عثمان بن عفان” ومن المؤكّد أنّ هناك اختلاف بينه وبين مصحف الإمام علي، وإلا ما كان داعيًا لكتابته أصلًا

فهل ضاع مصحف الإمام علي؟ هذا سؤال،

أم هو موجود بين يد الإمام “المهدي” الذي يُقال: أنّه في السرداب، ويقولون: عجّل الله فرجه.

وبالتالي يُقرّ المُسلم الشيعي مُجبر بما هو موجود في مصحف “عثمان بن عفان”

إذًا خلاصة القول وردًا على من يؤيّد اتفاق المذاهب والفُرق الإسلاميّة على نفس التاريخ المبكّر للإسلام

في الحقيقة عندما نضع هذه الفرق وخاصة المُستضعفة منها تحت المجهر للبحث،

نجد في الواقع أنّ التقية هي سيدة الموقف، وليس بالضرورة ما يقولونه هي الحقيقة

فتخيّل أخي المؤمن المُسلم لو استطاع موحدون الدروز -وهذا بس فقط تشبيه- بقوّة السيف والإرادة أن يتغلّبوا على كلّ أعدائهم ويهزمون كلّ معارضيهم

أليس من الطبيعي أن تسود عقديتهم وتُصبح هي العقيدة الساطعة على أرض الإسلام؟

الإسلام انتشر في معظمه بحدّ السيف كما تُفيد الروايات الإسلاميّة

ومؤخّرًا بعملية التكاثر ونادرًا ما آمن أحد غير المُسلمين بما يُقدّم له أو إليه من حقيقة عن الإسلام وتاريخه المجيد

فمن مِنّا يمتلك الحقيقة المُطلقة؟

لا أحد، الكل يعتقد أنّه يمتلكُها ولا يحسم في الظروف إلّا السيف والمال

كما أخذ “ابن إسحاق” من الخليفة “أبي جعفر المنصور” العبّاسي ليكتب له تاريخ الإسلام الذي كلنا نعرفه، وأصبح من البديهيات،

كم أخذ “الإمام مالك” رضي الله عنه عن الخليفة نفسه ليكتب كتاب الشهير (الموطأ)

وكم من رأس قُطعت بسبب قولها الحقيقة التي تراها مُطلقة؟ وهي الأصل سراب ناتج عن الأسطورة

أعود وأقول وقفة للتأمُّل ودعوة للتفكير

نكتفي بهذا القدر، وإلى اللقاء!


Download text file

Early History of Islam 063

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 127 | سر ذبح بقرة موسى
أهلًا بالمُتابعين الأفاضل! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة القُرآن، ككتاب [...]
20 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 126 | البقرة الحمراء وبناء معبد اليهود في القدس
مرحبًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن البقرة الحمراء [...]
12 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 125 | بقرة موسى صفراء أم حمراء؟
أهلًا بالمُشاهدين الكرام! مازلنا في إطار الردّ على تعليق الحلقة [...]
11 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 124 | إشكالية نص القرآن (الرد على أحد التعليقات)
أهلًا وسهلًا بكم مرّة أخرى أعزائي الكرام! في الحلقات الماضية، كنا [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 123 | محمد لم يأت بدين جديد
أهلًا بكُم أحِبائي الكِرام. في الحلقة الماضية كنّا تحدّثنا عن كُتب [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 122 | القرآن هو أجبية وقريان العرب
أهلًا بكم أعزّائي الكرام! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة أصول القُرآن، [...]
15 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 121 | هل يجيد الرسول القراءة والكتابة؟
أهلًا بكم مُشاهديّ الكرام! بعد سلسلة من الحلقات حول القراءات [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 120 | إشكالية التنقيط في القرآن
تحيّة محبّة واحترام لكُم مُتابعينا الكرام! كنّا قد تكلّمنا في الحلقات [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 119 | أقدم طبعة للمصحف
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن ظهور القُرآن [...]
9 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 118 | فوضى القراءات المختلفة في للقرآن
تحية محبّة وأخوّة لكُم مُتابعينا الكرام! في الماضية كنّا بدأنا الحديث [...]
5 views

Page 1 of 13

اترك تعليقاً