التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 72 | ذكر بكة في التناخ

أهلًا وسهلًا بكم أعزائي الكرام!

ردًا على الأسئلة التي طرحناها الحلقة الماضية عن مكّة وقصة محمّد بحسب العُلوم الحديثة التي لا تدّعي امتلاك الحقيقة المُطلقة

وبعُجالة قُلنا: بطن مكّة في سور الفتح ليس هي الشجرة التي جلست تحتها الرسول في الحُديبية

وإنّما الآية تتحدّث عن صراع بين فريقين دون ذكر تفاصيل، وبالتالي: يمكن لشيوخ بلاط الخُلفاء العبّاسيين بأي صيغة بحدّ السيف أو لمعان الدينار

والفتح يخُصّ فتح العرب للقُدس، البلد الأمين بلد التين والزيتون، والحليب والعسل.

البلد المُقدّس عند اليهود والنّصارى، وليست قرية مكّة التي لا يعرفها التاريخ، ولم يذكرها البتّة

وإلى اليوم ليست سوى مزارًا للحجيج المُسلمين لا أقلّ ولا أكثر

ننتقل الآن لكلمة بكّة كبديل لكلمة مكّة، وللأمانة فتغيير حرف الميم بالباء، والباء بالميم في بعض الكلمات مُمكن في دراسة اللّهجات

وكمثال يمكن أن نقول: رأى حامل أو حابل وتعني نفس الشيء

تقول الآية 96 من سورة آل عمران «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ» (آل عمران: 96)

وبكّة تقول الآية بها أوّل بيت وضع للناس، وسياق الحديث يتكلّم عن إبراهيم الخليل أبو الأنبياء كما يُقال

فالسرديّة الإسلاميّة تُفيد أنّ إبراهيم الخليل بنى الكعبة في مكّة بصُحبة ابنه إسماعيل

 وهذا الخبر من المفروض أنّ أهل الكتاب من اليهود والنّصارى يعرفونه جيدًا

وبما أنّ أبو الأنبياء إبراهيم الخليل بنى بيتًا للربّ في مكّة، من الطبيعي أن يُقدَّس على الأقلّ عند اليهود احترامًا لجدّهم إبراهيم الخليل

ولكن في الواقع لم نسمع ولم نقرأ عن اليهود أو النّصارى قد قالوا: بحُرمة هذا المكان

 ولم يفكروا في هذا الطرح أبدًا رغم أنّ القُرآن يتحدّث موسى وبني إسرائيل عشرات الآيات بل ومئات المرّات

ليُشير للتاريخ المُشترك بين بني إسرائيل وبني إسماعيل،

 لكنّ شيوخ الإسلام مُصرّيين على حُرمة كالحالية ومنهم من قال: بناتها الملائكة وأعاد ترميمها إبراهيم الخليل

والكثير من الأقوال التي لا تستند على أيّ دليل، وكلّها تخمينات

بحسب التوراة إبراهيم الخليل كان يعيش في أور كلدان بالعراق، كما يُفيد سفر التكوين الإصحاح 15 العدد 7 «وَقَالَ لَهُ: «أَنَا الرَّبُّ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ لِيُعْطِيَكَ هذِهِ الأَرْضَ لِتَرِثَهَا». (تكوين 15: 7) واعطاه الله أرض موعودة وهي فلسطين

وبالتالي فبيت الربّ، أو مذبح الربّ من الطبيعي أن يكون على الأرض الموعودة أو بالقُرب منها

وليس بعيدًا عنها بحوالي 1500 كيلو متر في صحراء قاحلة

فالتوراة تُفيد أن إبراهيم بنى مذبح للربّ على أرض الكنعانيين وذلك في سفر التكوين الإصحاح 12 العدد 6 إلى 8

«وَاجْتَازَ أَبْرَامُ فِي الأَرْضِ إِلَى مَكَانِ شَكِيمَ إِلَى بَلُّوطَةِ مُورَةَ. وَكَانَ الْكَنْعَانِيُّونَ حِينَئِذٍ فِي الأَرْضِ. وَظَهَرَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ وَقَالَ: «لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ». فَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ. ثُمَّ نَقَلَ مِنْ هُنَاكَ إِلَى الْجَبَلِ شَرْقِيَّ بَيْتِ إِيل وَنَصَبَ خَيْمَتَهُ. وَلَهُ بَيْتُ إِيلَ مِنَ الْمَغْرِبِ وَعَايُ مِنَ الْمَشْرِقِ. فَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ وَدَعَا بِاسْمِ الرَّبِّ.» (تكوين 12: 6 -8 )

وكذلك بنى ابنه إسحاق مذبحًا للرب بحسب سفر التكوين إصحاح 26 العدد 23 إلى 25

«ثُمَّ صَعِدَ مِنْ هُنَاكَ إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ. فَظَهَرَ لَهُ الرَّبُّ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَقَالَ: «أَنَا إِلهُ إِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ. لاَ تَخَفْ لأَنِّي مَعَكَ، وَأُبَارِكُكَ وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ مِنْ أَجْلِ إِبْرَاهِيمَ عَبْدِي». فَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحًا وَدَعَا بِاسْمِ الرَّبِّ. وَنَصَبَ هُنَاكَ خَيْمَتَهُ، وَحَفَرَ هُنَاكَ عَبِيدُ إِسْحَاقَ بِئْرًا.» (تكوين 26: 23 – 25)

وذلك في بئر سبع وهي مدينة فلسطينيّة قديمة، أمّا الابن الأكبر إسماعيل بن إبراهيم فلا ذكر له كبانٍ لبيت الربّ، ولكن ليس هناك مانع أن يكون هو كذلك قد بنى مذحًا للربّ لكن السؤال المطروح، أين؟

فلو بنى إسماعيل بيتًا للرب، أو بمعنى أدقّ مذبحًا للربّ فسيكون في المنطقة التي عاش فيها مع أمه هاجر وأبنائه

تُخبرنا التوراة قبل القُرآن أنّه عاش في برية فاران، وذلك في سفر التكوين الإصحاح 21: من العدد 17 إلى 21

«فَسَمِعَ اللهُ صَوْتَ الْغُلاَمِ، وَنَادَى مَلاَكُ اللهِ هَاجَرَ مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَ لَهَا: «مَا لَكِ يَا هَاجَرُ؟ لاَ تَخَافِي، لأَنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ لِصَوْتِ الْغُلاَمِ حَيْثُ هُوَ. قُومِي احْمِلِي الْغُلاَمَ وَشُدِّي يَدَكِ بِهِ، لأَنِّي سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً عَظِيمَةً». وَفَتَحَ اللهُ عَيْنَيْهَا فَأَبْصَرَتْ بِئْرَ مَاءٍ، فَذَهَبَتْ وَمَلأَتِ الْقِرْبَةَ مَاءً وَسَقَتِ الْغُلاَمَ. وَكَانَ اللهُ مَعَ الْغُلاَمِ فَكَبِرَ، وَسَكَنَ فِي الْبَرِّيَّةِ، وَكَانَ يَنْمُو رَامِيَ قَوْسٍ. وَسَكَنَ فِي بَرِّيَّةِ فَارَانَ، وَأَخَذَتْ لَهُ أُمُّهُ زَوْجَةً مِنْ أَرْضِ مِصْرَ.» (تكوين 21: 17 -21)

هل فاران هي مكّة الحالية؟

تُخبرنا كذلك التوراة عن فاران في سبع آيات وهي: (التكوين الإصحاح 14: عدد 6، والإصحاح 21: 21، وسفر العدد 10: 12، والإصحاح 12: 16، والإصحاح 12: 3 / 26 ثم سفر التثنية 1: 1 كما نجدها في باقي التناخ وذلك في سفر صموئيل الأول الإصحاح 25 العدد 1، والملوك الأوّل الإصحاح 11 العدد 18، وحبقوق 3: 3. )

فالتوراة تُخبرنا أنّ فاران توجد على طريق بني إسرائيل أيام الخروج إلي الأرض الموعودة فلسطين كما جاء في سفر العدد

فهل موسى عبر مع بني إسرائيل أرض مكّة سنوات التيه؟

 أما بحسب الباحثين في علم اللّاهوت فبرية فاران توجد في أقصى جنوب فلسطين على أرض سيناء، يعني بعيدة عن مكّة بأكثر من 1200 كيلو متر

نعود لنصّ الآية في سورة آل عمران الآية 96 «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ» (آل عمران: 96)

كلمة بكة، لا توجد بتدقيق في النّصوص القديمة قبل الإسلام،

نجد ذكر لكلمة הַבָּכָא في سفر المزامير للتعريف باخا أو بكّة معناها البُكاء

 עֹבְרֵי, בְּעֵמֶק הַבָּכָא–    מַעְיָן יְשִׁיתוּהוּ; גַּם-בְּרָכוֹת,    יַעְטֶה מוֹרֶה.  (مزمور84: 6)

والآية تتحدّث عن حجّاج بيت الربّ، عابرين في وادي البُكاء. the valley of Baca

فبحسب المراجع اللّاهوتية واد البُكاء هذا يوجد بالقُرب من مدينة القُدس بيت هامقداش

كان الحجيج أو الحجّاج يعبرونه نحو القُدس وقُلنا سابقًا: إنّ قبائل قيدار العربية وقبائل نَبَايُوتَ كانت تحُجّ لبيت هامقداش

وقُلنا كذلك: العرب وجدوا لهم مكانًا أخر كبديل للحجّ، ولا نعرف على وجه الدقّة أين كان؟

هل في البتراء أو سيناء أو مكّة الحالية أو غيرها؟

لكن من الطبيعي أن يعود للحجّ إلى المذبح الذي بناه جدّهم إسماعيل على أرض فاران

لكن ليس هناك أي أدلّة علميّة على ذلك، ووادي البُكاء تعبيرًا عن التوبة والخشوع أمام الربّ

سواء كان بالقُرب من أورشليم أو مكان أخر قريبًا من أحد بيوت الربّ،

نعود لفاران، حيث تُخبرنا التوراة في سفر العدد الإصحاح 13 العدد 26

«فَسَارُوا حَتَّى أَتَوْا إِلَى مُوسَى وَهَارُونَ وَكُلِّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِلَى بَرِّيَّةِ فَارَانَ، إِلَى قَادَشَ، وَرَدُّوا إِلَيْهِمَا خَبَرًا وَإِلَى كُلِّ الْجَمَاعَةِ وَأَرَوْهُمْ ثَمَرَ الأَرْضِ.» (عدد 13: 26)  أنّ على أرض فاران يوجد مكان اسمه قادش קָדֵשָׁ

سكن بالقُرب منه إبراهيم الخليل، بينه وبين شور

وذلك في سفر التكوين الإصحاح 20 العدد الأوّل «وَانْتَقَلَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ هُنَاكَ إِلَى أَرْضِ الْجَنُوبِ، وَسَكَنَ بَيْنَ قَادِشَ وَشُورَ، وَتَغَرَّبَ فِي جَرَارَ.» (تكوين 20: 1)

حين خروج هاجر بإسماعيل فتاهت في بريّة بئر سبع، كما تُفيد سفر التكوين الإصحاح 21 العدد 14 «فَبَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ صَبَاحًا وَأَخَذَ خُبْزًا وَقِرْبَةَ مَاءٍ وَأَعْطَاهُمَا لِهَاجَرَ، وَاضِعًا إِيَّاهُمَا عَلَى كَتِفِهَا، وَالْوَلَدَ، وَصَرَفَهَا. فَمَضَتْ وَتَاهَتْ فِي بَرِّيَّةِ بِئْرِ سَبْعٍ.» (تكوين 21: 14)

ولم يكُن معها سوى قربة ماء وخُبز، فهل تستطيع هاجر أن تُسافر مسافة 1200 كيلو متر إلى مكّة حاليًا مشيًا على الأقدام تحمل صغيرها بزاد زهيد قربة ماء وخبز؟

الظاهر أنّها لم تبتعد مسافة طويلة قُرب بئر سبع،

 وعندما نبحث عن مدينة قديمة أو آثار معبد قديم بالقُرب من هذه المنطقة في صحراء النقب قُرب بئر سبع

نجد آثار مدينة قديمة لازالت أطلالها شاهدًا على عصر أو عصور غابرة على أرضها معبد قديم جدًا كان يعبد فيه إله إبراهيم الإله يهوه إيلوهيم

وإلهة أخرى سوف نتحدّث بتفاصيل عنها، كونوا معنا في الحلقة القادمة، وإلى اللقاء!


Download text file

Early History of Islam 072

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 127 | سر ذبح بقرة موسى
أهلًا بالمُتابعين الأفاضل! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة القُرآن، ككتاب [...]
20 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 126 | البقرة الحمراء وبناء معبد اليهود في القدس
مرحبًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن البقرة الحمراء [...]
12 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 125 | بقرة موسى صفراء أم حمراء؟
أهلًا بالمُشاهدين الكرام! مازلنا في إطار الردّ على تعليق الحلقة [...]
11 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 124 | إشكالية نص القرآن (الرد على أحد التعليقات)
أهلًا وسهلًا بكم مرّة أخرى أعزائي الكرام! في الحلقات الماضية، كنا [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 123 | محمد لم يأت بدين جديد
أهلًا بكُم أحِبائي الكِرام. في الحلقة الماضية كنّا تحدّثنا عن كُتب [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 122 | القرآن هو أجبية وقريان العرب
أهلًا بكم أعزّائي الكرام! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة أصول القُرآن، [...]
15 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 121 | هل يجيد الرسول القراءة والكتابة؟
أهلًا بكم مُشاهديّ الكرام! بعد سلسلة من الحلقات حول القراءات [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 120 | إشكالية التنقيط في القرآن
تحيّة محبّة واحترام لكُم مُتابعينا الكرام! كنّا قد تكلّمنا في الحلقات [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 119 | أقدم طبعة للمصحف
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن ظهور القُرآن [...]
9 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 118 | فوضى القراءات المختلفة في للقرآن
تحية محبّة وأخوّة لكُم مُتابعينا الكرام! في الماضية كنّا بدأنا الحديث [...]
5 views

Page 1 of 13

اترك تعليقاً