التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 77 | حقيقة معركة بدر

أهلًا بكُم أحبّائي المُشاهدين!

كنّا قد تطرّقنا في الحلقة الماضية إلى نقطة مهمّة في النموذج الثاني من أخطاء النُّساخ في القرآن،

وكيف أخطأ القُرّاء في قراءة الآية 35 من سورة الأنفال «وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً ۚ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ» الأنفال: 35)

ثم تأثير المُفسّرون الأوائل بفكرة همجيّة وجهل المُجتمع العربي قبل الإسلام، وتصوّرهم المُشين لطُرق التعبُّد عند العرب كحُفاة وعُراة، يطوفون حول الكعبة لا يستطيعون ترتيل أي نصّ مُقدّس احترامًا لآلهتهم،

هذا إن سلّمنا بكونهم وثنيين فعلًا، بل فقط تصفيق وتصفير كصلاة لهذه الآلهة.

وهذا التفسير ليس له أي أساس علمي تاريخي يُعزّز هذا الادّعاء،

اعتبار هؤلاء المُفسّرون أنّ النصّ القُرآني في هذه الآية يتحدّث عن أهل قريش،

 في حين نجد سياق سورة الأنفال تتحدّث عن قوّة كبيرة تستطيع التحدّي أو التصدّي لأي زائر للأرض المُقدّسة البيت الحرام،

وختمت الحلقة بالإشارة للبيزنطيين كطرف في الصراع من جهة، وذريّة إبراهيم المُتمثّلة في اليهود والعرب من جهة أخرى،

بحجّة المُطالبة بإرث الأرض الموعودة أو أرض الميعاد فلسطين، أرض جدّهم إبراهيم كما جاء في (تاريخ هرقل) للمؤرّخ الأرميني “سيبيوس”

بحسب التفاسير الإسلامية، فسورة الأنفال نزلت بعد انتصار المُسلمين على قُريش في معركة بدر الكبرى

نظرًا للحديث عن الغنائم وأحكام توزيعها، كما قال الشيخ التونسي “ابن عاشور” في تفسيره (التحرير والتنوير) على سبيل المثال

ولكن هذه المعركة لم يأتِ لها ذكر سوى في المراجع الإسلاميّة التي تعود كما قُلنا: للعصر العبّاسي.

ومهما كان لقبيلة قُريش من نفوذ ورئاسة على القبائل العربيّة الأخرى، إلّا أنّ الانتصار عليها ليس بالحدث التاريخي المُهمّ الذي هّز العالم القديم أيام محمّد

فقوّتها لا يمكن مُقارنتها بالقوّات البيزنطيّة أو الفارسية أو حتى المماليك العربية كالغساسنة والمَنادرة

الآية 65 من سورة الأنفال «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ۚ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ» (الأنفال: 65)

ومعركة بدر بحسب الرواية الإسلاميّة كانت ضدّ قُريش، قبيلة محمّد.

له فيها أهل وأحبّة وجيران، يُعزّهم ويحترمهم فلا يتوقّع وجود هذه اللّهجة القويّة في التحريض على قتالهم، إلّا إذا كانوا قومًا فعلًا مُعتدين، لا توجد بينهم قُرابة ولا مودّة

والجيش القُريشي حسب الرواية الإسلاميّة لا يتعدّى الألف من الفُرسان

والآية 65 من سورة الأنفال تُشير إلى عدد ضخم من الجنود يُعدّ بالألاف، وهذا العدد يتوفّر عند البيزنطيين والفُرس فقط

وفي سورة آل عمران 124 تتحدّث عن هذه المعركة «إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُنزَلِينَ» (آل عمران: 124)

بمعنى أنّ عدد جيوش الأعداء يُقدّر بعشر ألاف من الجنود، حتّى يُرسل الله 3 ألاف من الملائكة كما تُفيد الآية،

وهذا الرقم الكبير لا يتوفّر لأهل قُريش وحتى لو اجتمع العرب كلّهم ضدّ محمّد واتباعه

وبالتالي ما جاء في وثقة قبطيّة للأسف “يوحنا النقيوسي” المُتوفى حوالي 700 ميلاديّة في عهد البابا “سيمون الأول” يتطابق تمامًا مع ما جاء في الآية 65 من سورة الأنفال

حيث قال عن محمّد: “رجل يُطارد ألفًا، واثنين يهزمون عشرة ألاف كما هو مكتوب في سفر التثنية الإصحاح 32، العدد 30 «كَيْفَ يَطْرُدُ وَاحِدٌ أَلْفًا، وَيَهْزِمُ اثْنَانِ رَبْوَةً،…» (تثنية 32: 30)

وتساءل هذا الأسقف قائلًا: “كيف أمكن لعُراة – بين قوسين يتحدّث عن (ملابس الحرب)- يمتطون -بين قوسين (جيادهم) – من غير دروع أن يفوزوا في غنى عن المُساعدة الإلهيّة؟”

وبحسب هذا القول يعني أنّ الله هو الذي قدّم هذه النُصرة العظيمة لمحمّد واتباعه.

وعزاء هذه النّصرة للظّلم الذي مارسه البيزنطيون على الشعوب المحكومة، حيث قال: “إنّ خطايا البيزنطيين جلبت الغضب الإلهيّ بين قوسين (المُتجسّد فيما يُسمّى الفتح العربي) – ويدعو زميلة “يوحنّا بار فينيق” إلى عدم اعتبار ظهور أبناء هاجر -بين قوسين (العرب)- أمرًا عاديًا، بل أخذه كنتيجة عمل إلهيّ،

ثم يُضيف هذا الأسقف قائلًا: “عندما جاء هؤلاء النّاس، – أي الهجريين- جاؤوا بأمر من الله، واستولوا على ما كان للمملكتين – بين قوسين (مملكة فارس، ومملكة بيزنطة)- وضع الله النُّصرة  أو النَّصرَ بين أيديهم كما لو أنّ الكلمات التي تعنيهم، تنفّذت بحذافيرها

وعبارة نُصرة إلهيّة في اللغة السريانيّة هي (عِزرا) وكما وضّح دكتورنا الأستاذ “كرستوفر لوكسمبرج” فنبرة الباء هي في الحقيقة عين سريانيّة

فالكلمة ليست ببدر كما جاء في سورة آل عمران الآية 123 « وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» (آل عمران: 123)

فانتصار العرب على الروم البيزنطيين بين قوسين (في معركة تبوك) دون دروع أو تروس كما يتّضح من شهادة المؤرّخ “سيبيوس” ما هي سوى كما قال الأسقف “يوحنا النقيوسي” نُصرة إلهيّة أو المُساعدة الإلهّية،

 قدّمت لنا في النصّ القُرآني بقراءة مُغايرة وهي ببدر

فنكتفي بهذا القدر، وإلى اللقاء في حلقة مُقبلة، فكونوا معنا!


Download text file

Early History of Islam 077

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 127 | سر ذبح بقرة موسى
أهلًا بالمُتابعين الأفاضل! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة القُرآن، ككتاب [...]
20 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 126 | البقرة الحمراء وبناء معبد اليهود في القدس
مرحبًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن البقرة الحمراء [...]
13 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 125 | بقرة موسى صفراء أم حمراء؟
أهلًا بالمُشاهدين الكرام! مازلنا في إطار الردّ على تعليق الحلقة [...]
11 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 124 | إشكالية نص القرآن (الرد على أحد التعليقات)
أهلًا وسهلًا بكم مرّة أخرى أعزائي الكرام! في الحلقات الماضية، كنا [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 123 | محمد لم يأت بدين جديد
أهلًا بكُم أحِبائي الكِرام. في الحلقة الماضية كنّا تحدّثنا عن كُتب [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 122 | القرآن هو أجبية وقريان العرب
أهلًا بكم أعزّائي الكرام! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة أصول القُرآن، [...]
15 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 121 | هل يجيد الرسول القراءة والكتابة؟
أهلًا بكم مُشاهديّ الكرام! بعد سلسلة من الحلقات حول القراءات [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 120 | إشكالية التنقيط في القرآن
تحيّة محبّة واحترام لكُم مُتابعينا الكرام! كنّا قد تكلّمنا في الحلقات [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 119 | أقدم طبعة للمصحف
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن ظهور القُرآن [...]
9 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 118 | فوضى القراءات المختلفة في للقرآن
تحية محبّة وأخوّة لكُم مُتابعينا الكرام! في الماضية كنّا بدأنا الحديث [...]
5 views

Page 1 of 13

اترك تعليقاً