التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 78 | معركة بدر بين الأسطورة والتاريخ

أهلًا بكم أعزّائي الكِرام!

بعد إطلالة قصيرة حول المعركة الكبرى، معركة الحسم بين البيزنطيين والعرب برئاسة محمّد، وانتصاره أي محمّد على أقوى دولة في العالم بانتصار إلهي كما شهد لذلك الأسقف القبطي “يوحنّا النقيوسي”

وتبديل كذلك كلمة عرا بكلمة بدر في سورة آل عمران الآية 123 «وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» (آل عمران: 123)

قبل أن ننتقل لموضوعنا الذي بدأناه هو عن أخطاء النّساخ في القُرآن وتقديم نموذج أخر، أريد أنّ نوضّح ما قلته في الحلقة السابقة فهناك بعض المُشاهدين لم يفهموا بوضوح النقطة التي تطرّقنا إليها في معركة بدر تخُصّ البيزنطيين وليس قُريش

فما دخل البيزنطيين في معركة بدر يمكن أن نطرح هذا السؤال،

أوّلًا: لا توجد بحسب التاريخ المادي أي معركة اسمها بدر، انتصر فيها المُسلمون على قُريش، بل هناك معركة اسها عِزرا انتصر فيها العرب برئاسة محمّد واليهود على البيزنطيين،

وهذه المعركة أي عزرا تحدّثت عنها بعض الوثائق تعود لتلك الفترة وليس كالرواية الإسلاميّة التي وصلتنا بعد قرن ونصف من الحدث

وكلمة عزرا تعني نُصرة إلهيّة كما وضّح ذلك أستاذنا الكبير “كرستوفر لوكسمبرج”

نُصرة إلهيّة لمحمّد وأتباعه، نعود الآن لتوضيح ما قُلته في الحلقة السابقة،

أوّلًا الرواية الإسلامية تقول: إنّ سورة الأنفال تتحدّث عن معركة اسمها بدر، وكانت بين المُسلمين وقبيلة قُريش، قبيلة الرسول محمّد نفسه

بدأت هذه المعركة بسبب مُحاولة المسلمين، بأمر من الرسول اعتراض قافلة تجاريّة لقُريش قادمة من الشام، فهذا الخبر وحده كفيل بأن ينسف رسالة محمّد بأكملها

إذا كانت بداية انتصار الرسول بالسطو واعتراض القوافل التجارية مهما كان أصحابها مُعتدين، فما بالكم بقافلة لأبناء عشيرته

فهل تحوّل محمّد من رسول الله يدعو للهداية والرُّشد في الفترة المكيّة إلى رئيس عصابة وقُطّاع طُرق،

يتعرّض لقافلة تجارية مُسالمة مصدر رزق قبيلة بأكملها، وربما مصدر لُقمة عيش للكثيرين، وسط صحراء الحجاز؟

هذا التّصرف غير مقبول من رجل مؤمن زاهد في الدنيا لا يحقد ولا يكره ولا يتعرّض للناس بالأذى، فما بالكم برجل يُقال عنه: نبي الله أو رسول الله؟

هذه الرواية تُسيئ لمحمّد ورسالته، الرواية الإسلامية تقول: بأنّ سورة الأنفال نزلت في هذه المعركة.

والأنفال هي الغنائم التي استولى عليها المُسلمون في هذه المعركة،

 وهذه السورة جاءت بالأحكام التي تُبيّن توزيع الغنائم كما جاء في الآية 41 من نفس السورة « وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (الأنفال: 41)

وكأن الموضوع  بحسب الرواية الإسلامية فعلًا سطو مُسلّح الغاية منه نهب أموال الغير وليس دعوة للهداية والرُّشد

مرة أخرى، الأمر يتطلّب تفكير، فمعركة بدر بحسب الموروث الإسلامي لا نجد لها أي أساس في التاريخ الماديّ.

فأوّل ظهور لهذه الرواية كانت عفوًا في بداية الحُكم العبّاسي عصر “أبو جعفر المنصور”

أي بعد مرور قرن ونصف من الحدث كما أشرت، مما يزيد شكوك قويّة في صحّتها

فكيف يُعقل القول: بأنّ محمّد رجل يدعو لعبادة إله إبراهيم أتى برسالة التوحيد يهدي قومه للرشد وعمل الخير،

ويُفكّر في الاستيلاء على قافلة مُسالمة قافلة قبيلته ونهب أموالها؟

لماذا لا يُمكن للشيوخ والفقهاء الآن إعادة النّظر في هذا الموروث والبحث عن الحقيقة الغائبة؟

ناس من غير المسلمين من عقائد مُختلفة منهم اليهودي ومنهم المسيحي يشهدون لهذا الرجل أي محمّد بالنُّصرة الإلهيّة عزرا على أقوى إمبراطورية في العالم وهي الإمبراطورية البيزنطيّة

بعد مُفاوضات بين محمّد وبين  هرقل العظيم فيما يخُصّ إرث جدّه أي جدّ محمّد وهو إبراهيم الخليل الذي يعود هذا الإرث لأحفاده من يهود وعرب

فلم يكن أي محمّد مُعتدي ولا قاطع طريق بل فقط يُطالب الإمبراطور هرقل بأرض الميعاد فلسطين

انتهت هذه المُفاوضات بين محمّد وهرقل بالفشل، ودقّت طبول الحرب بين العرب واليهود المُتمرّدين على هرقل من جهة والبيزنطيين من جهة أخرى

وهنا منطق مقبول لمطلبه، ورفض هرقل عفوًا لهذا الطّلب بالتشكيك في أصل محمّد وأصحابه من العرب

 واعتبارهم بدوًا لا يمُتّون للنبيّ إبراهيم بصلة كما جاء في الرواية الأجنبية ككتاب (تاريخ هرقل) للمؤرّخ الأرميني “سيبيوس”

والسؤال المطروح، لماذا حُبكت أو حَبكت الرواية الإسلاميّة قصّة معركة بدر الوهميّة؟

الجواب، ليس هناك أي مُبرّر حسب رأيي سوى تشريع السطو ونهب أموال ومُمتلكات غير المُسلمين بحجّة نشر الإسلام

وليس على أساس مطلب شرعي كما نرى في هذه الوثائق الأجنبيّة،

لم يكن محمّد مغرورًا ولا متهوّرًا ولا أحمقًا حين طلب تسليم أرض الميعاد الي هي فلسطين فقط لأصحابها نسل إبراهيم الخليل من يهود وعرب إسماعيليين

 كورثة شرعيين لهذه الأرض، وطلبه للإمبراطور كان بالحُسنى مبني على نصّ في التوراة، التي يؤمن بها اليهود والنّصارى على السواء،

 وذلك في سفر التكوين الإصحاح 15 العدد 18 كما يقول هذا النصّ: «فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَطَعَ الرَّبُّ مَعَ أَبْرَامَ مِيثَاقًا قَائِلًا: «لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ.» (تكوين 15: 18)

فالمُطالبة كانت بأرض فلسطين فقط وليس أرض الميعاد كلّها من نهر مصر يعني النيل إلى الفُرات.

فلو دقّقنا في الرواية الإسلامية لرسالة محمّد لهرقل العظيم، نجد عجب العُجاب

يقول نصّ الرسالة بحسب الرواية الإسلامية: “بسم الله الرحمن الرحيم، من محمّد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، سلامٌ على من اتبع الهدى، أمّا بعد. فإني أدعوك بدعوة الإسلام: اسم تسلم، يؤتيك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأرس”

 كما تلاحظونا على المخطوطة المزعومة وهي في المصادر الإسلامية الأريسيين.

ثم ختم الرسالة بالآية 64 من سورة آل عمران

أولًا كما قُلت سابقًا: فخط الرسالة المزعومة يُحاكي الخطّ الكوفي الذي ظهر في عصر “عبد الملك بن مروان”

ثانيًا: خاتم الرسول أو اللوجو معمول بطريقة الإستيف عند الخطّ الطغرائي هذا الخط ظهر في عصر السلاطين العُثمانيين

فهو يُقرأ من تحت إلى فوق (الله رسول محمّد) أو (محمّد رسول الله)

في حين نجد عُملات تعود لمُنتصف الثاني للهجرة مُنقوش عليها (محمّد رسول الله) وليس (الله رسول محمّد)

ثم في نص العبارة (أسلم تسلم) تهديد مُباشر للحرب من رجل في قلب الصحراء مع جماعة صغيرة من أتباعه

 وكأنّنا أمام رئيس قبيلة يُهّدد ترامب أو بوتين، والمُضحك المُبكي هو وجود كلمة (الأرس) بمعنى الإريسيين.

والبيزنطيين لم يكونوا في يوم من الأيام آريوسيون اتباع أتباع أريوس، البيزنطيين كانوا دائمًا من الأرثوذوكس الروم أو الروم الأرثوذكس، وقد حاربوا عقيدة أريوس واعتبروها هرطقة

فكيف يكون هرقل من أتباع أريوس، يبدو أنّ أصحاب الرواية أو الرسالة المزعومة لا يعرفون حتى عقيدة من يتكلّمون عليهم أي البيزنطيين

نكتفي بهذا القدر، وإلى اللقاء!


Download text file

Early History of Islam 078

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 127 | سر ذبح بقرة موسى
أهلًا بالمُتابعين الأفاضل! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة القُرآن، ككتاب [...]
20 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 126 | البقرة الحمراء وبناء معبد اليهود في القدس
مرحبًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن البقرة الحمراء [...]
13 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 125 | بقرة موسى صفراء أم حمراء؟
أهلًا بالمُشاهدين الكرام! مازلنا في إطار الردّ على تعليق الحلقة [...]
11 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 124 | إشكالية نص القرآن (الرد على أحد التعليقات)
أهلًا وسهلًا بكم مرّة أخرى أعزائي الكرام! في الحلقات الماضية، كنا [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 123 | محمد لم يأت بدين جديد
أهلًا بكُم أحِبائي الكِرام. في الحلقة الماضية كنّا تحدّثنا عن كُتب [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 122 | القرآن هو أجبية وقريان العرب
أهلًا بكم أعزّائي الكرام! لا زلنا ضمن سلسلة دراسة أصول القُرآن، [...]
15 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 121 | هل يجيد الرسول القراءة والكتابة؟
أهلًا بكم مُشاهديّ الكرام! بعد سلسلة من الحلقات حول القراءات [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 120 | إشكالية التنقيط في القرآن
تحيّة محبّة واحترام لكُم مُتابعينا الكرام! كنّا قد تكلّمنا في الحلقات [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 119 | أقدم طبعة للمصحف
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن ظهور القُرآن [...]
9 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 118 | فوضى القراءات المختلفة في للقرآن
تحية محبّة وأخوّة لكُم مُتابعينا الكرام! في الماضية كنّا بدأنا الحديث [...]
5 views

Page 1 of 13

اترك تعليقاً