تحيّة محبّة وأخوّة واحترام لكي عزيزة المُشاهدة، ولك عزيزي المُشاهد!
تحدّثنا في الحلقتين عن أطوار الجنين في القُرآن، وخُضوع للمعرفة التي وجد أهل عصره عليها فيما يخُصّ هذا الموضوع، ولا دخل لعلم Embryology علم الأجنّة كما يتوهّم شيوخ الإعجاز
هذه المراحل والأطوار التي يمُرّ منها الجنين في بطن أمّه، كانت معروفة قبل الإسلام بمئات السنين
كما رأينا عند الطبيب الإغريقي “كلوديوس جالينيوس” في القرن الثاني الميلادي، وقبله بمئات السنين عند الفلاسفة والأطباء العصور القديمة كفيثاغورس كما قُلنا وأرسطو وأبقراط وغيرهم
وكذلك في الديانات السابقة للإسلام كاليهوديّة والمسيحيّة، ولعلّ أكثر شواهد شهرة في الكتاب المُقدّس لليهود والمسيحيين ما جاء في سفر أيوب الإصحاح 10 من 10 – 12 « أَلَمْ تَصُبَّنِي كَاللَّبَنِ، وَخَثَّرْتَنِي كَالْجُبْنِ؟ كَسَوْتَنِي جِلْدًا وَلَحْمًا، فَنَسَجْتَنِي بِعِظَامٍ وَعَصَبٍ. مَنَحْتَنِي حَيَاةً وَرَحْمَةً، وَحَفِظَتْ عِنَايَتُكَ رُوحِي.» (أيوب 10: 10 – 12)
وهذه النظريّة لم تعُد مقبولة في عصرنا الحاضر، في القرن السابع عشر الميلادي وهي ثورة معرفة حقيقة تطوّر الأجنّة،
كما سبقت الإشارة في الحلقتين السابقتين باكتشاف الحيوان المنوي بواسطة مجهر بدائي من طرف الطبيب الهولندي Antonie Philips Van Leeuwehoek سنة 1677 ميلاديّة
فالاعتقاد السائد قبل هذا التاريخ كان مبنيًا على وجود قزم بشري يُزرع في رحم المرأة أثناء الجماع فيكبُر كنبات إلى أن يُصبح جنينًا كاملًا
وهذه النظريّة كما قُلت سابقًا تُدعى Spermism بينما بعد هذا الاكتشاف أصبح، يُسمّى Sperm وهي خليّة ذكوريّة حيّة وليست ميّتة كما هو الحال في نظرية Spermism بالإضافة إلى اكتشاف Ovum أو الأوفيل من شكله الأوفال أي الدائري على يد العالم الروسي Christian heinrich von pander
وزميله العالم الإستوني من أصل ألماني Karl Ernst Von Baer في سنة 1827 ميلاديّة، وهي ما تُسمّى بالبويضة الأنثويّة
وعند تلاقُح الخليتين تبدأ عمليّة تكوين الجنين الفعليّة، فقبل هذه المرحلة في لحظات الجمال بين الرجل والمرأة،
ينطلق سباق ملايين الحيوانات المنويّة في رحم المرأة نحو البويضة الناضجة
فيتكوّن تاج من الخلايا الذكوريّة حول جدار البويضة، ولا يقتحم هذا الجدار سوى حيوان منوي واحد يحمل نصف صبغات وراثية Chromosome أو كروموسوم أمّا البويضة الأنثوية فهي كذلك تحمل نصف الصبغات الوراثيّة وبعد التلقيح تتفاعل الخليتين وتصبح خلية واحدة كاملة ب 46 كروموزوم
ومن هنا تبدأ مراحل تطوّر الجنين من خليّة واحدة مُخصّبة تُسمّى Zugote تنقسم على نفسها لتكوين الأعضاء
وقد قدّم لنا العالمان الألمانيان Richard Van Hertwing وأخوه الأكبر Oscar Hertwing سنة 1876 ميلاديّة تعريفًا لهذا الفصل الأوّل وهي الخلايا الجينيّة
تبدأ بتطور ال Zugote إلى Morula أو ما تُسمّى بالثمرة التوتيّة ثمّ ال Blastocyst
أو تُسمّى الكيسة الأوريانية، وتستمرّ عمليّة تطوّر الخلايا الجنينيّة حتّى تصل حجمها في الأسبوع الثامن حوالي 3 سنتيمترات ينتهي فصل الخلايا الجنينيّة في نهاية الأسبوع الثاني عشر
ثم يبدأ الفصل الثاني بين قوسين (الجنين الحيّ) Fetus أو ما تُسمّى بالحميل، وبها عدة حوامل تبدأ بوضعية فطر Fetal Position
يكون الظهر مُنحيًا نحو الأمام والرأس والأطراف مشدودة نحو الجذع بين قوسين (الصدر والبطن والحوض)
وتتميّز هذه المرحلة بتطوّر الأعضاء وبدايات تأدية وظيفتها، وتنتهي في الأسبوع الرابع والعشرين ثمّ يبدأ الفصل الثالث، أي الجنين الكامل من الأسبوع الخامس والعشرين إلى الأسبوع الأربعين وهي مرحلة الولادة
فإذا ولد الجنين ما بين الأسبوع 25 إلى 32 من الحمل يكون جنين خُدّج مُبكّر، وما بين 32 إلى 34 يكون خُدّج مُعتدل، أمّا ما بين 34 إلى 36 أسبوع من الحمل يكون جنين خُدّج مُتأخّر
أمّا فيما يخُصّ جنس الجنين فيتحدّد بحسب الحيوان المنوي للرجل، بين قوسين (Sperm)
الذي يحمل كوروموزمات XY بينما البويضة الأنثويّة تحمل كوروموزمات XX
فالذكر يُعطي Y بينما الأنثى تعطي دائمًا X وبالتالي يكون المولود ذكرًا XY أما إذا أعطى X مع X المرأة فالمولود يكون أنثى XX
إذًا الرجل من يُحدّد جنس المولود وليس المرأة، ودخول الحيوان المنوي في البويضة أثناء الجمال يُحدّد جنس المولود ولا يتنظر أكثر من أربع أشهر بعد مرحلة المُضغة ليُنزلَ اللهُ الملاك لينفخ الروح في الجنين
ويُحدّد جنسه كما جاء في الأحاديث النبوية، حيث رأينا في الحلقة السابقة عن ابن مسعود في هذا الحديث
وخُلاصة القول، إذًا بحسب علم الأجنّة في عصرنا الحاضر توجد عدّة مراحل لتطور الجنين والحيوان المنوي حيّ مُنذ قذفه أثناء الجماع
وهو يتحرك بالملايين بواسطة ذيل نحول البويضة الأنثويّة، فيُلقّحها فرد واحد من هذه الحيوانات مُحدّدًا جنس المولود
ثم يُبنى جدارًا قويًّا حول البويضة مُخّصبة حتى لا يدخُلها حيوان منوي أخر،
ومن هنا تبدأ راحل تطوّر الجنين وتدوم مُدّة الحمل 9 أشهل على أقصى تقدير وليس سنتين أو أربعة أو حتّى خمسة كما توهّم أتباع المذهب المالكيّ
فشتّان بين العلم والاجتهاد الفقهي والمذهبي إذًا، القُرآن ينقل لنا بأمانة مرّة أخرى مراحل اطوار الجنين بحسب علوم القرن السابع الميلادي
مُخاطبًا أهل زمانه بما يعرفونه مُنذ مئات السنين قبل الإسلام، وبالتالي يكون القُرآن شاهد على عصره
والغريب أنّ بعض المُفكّرين والأساتذة المُسلمين يلوون عنق النصّ القُرآنيّ ليوافق بتعسّف ما وصل إليه الأجنّة في عصرنا الحالي
بل يُطلقون كلمات قرآنيّة كالنُطفة والعلقة والمُضغة والأمشاج على مراحل تطوّر الجنين ليوهموا طلّاب علوم الأحياء، وكلّ من يريد معرفة علم الأجنّة في بلاد المسلمين بحقيقة هذه المراحل التي أكل عليها الدهر وشرب
نعود لموضوع أهل الكهف ضمن سلسلة حلقات البيئة التي ظهر فيها القُرآن،
وكنا تحدّثنا عن الجدليّة اللاّهوتية بين المذاهب السريانيّة فيما يخُصّ
طبيعة قيامة الجسد بعد الموت التي ناقشناها أو ناقشها القُرآن في سورة الكهف الآية من 9 – 26 والبقرة 259
لتكملة هذا الموضوع، انتظرونا في الحلقة القادمة وإلى اللقاء!
Download text file