أهلًا بالجمهور الكريم!
في الحلقة الماضية تحدثنا عن كلمة الكلالة، والتغير الي حصل في (مصحف باريسنو – بتروبوليتانس)
ثم بدأنا الحديث عن تغيير أخر في نفس المصحف، كلمة صلل إلى صلصال،
وما لاحظناه هو اختلاف عُلماء الإسلام في مفهوم الصلصال،
لكن هناك إجماع أنّه طين أو تراب بموجب الآية 11 من سورة الصافات، وآل عمران 59
وبالرجوع للكلمة الأصلية صلل، عند ابن منظور في (لسان العرب) نجدها بمعنى الصوت، وهذا المعنى لا يوافق الآيات الأربعة 26 – 28 – 33 من سورة الحجر والآية 14 من سورة الرحمن
لمحاولة فهم الكلمة يجب الرجوع لباقي الكلمات بعدها، وهي حمإ وعبارة (من حمإ) تعني ها أن هذا الصلل هو من حمإ. والحمإ في تفسير علماء الإسلام هو الطين،
وهذا الطين أسود لازج ورطب ونتن كما شوفنا في الحلقة الماضية
لكن لم نخرج من تأثير الآية 11 في سورة الصافات على تأويل الكلمة
والتدقيق في المخطوطات في القديمة نجد عدم وجود لمكان الهمزة، في هذه المخطوطات،
وهذا ما أكّده المُتخصّصين في علم المخطوطات القرآن القديم،
يقول على سبيل المثال الدكتور ” طيار آلتي قولاج ” عن مصحف (طوب قابي سراي)، ليس هناك مكان للهمزة في أي موضع من المصحف يقصد Hs44/32
ويخبرنا “أبو عمر الداني”، في كتابه (المُحكم) أنّ الهمزة من اختراع “الخليل بن احمد الفراهيدي المتوفى سنة 786 ميلادية
وكلمة حما في اللغة الآرامية معناها: حار، ساخن، ومُتقد
وبهذا جاءت في أخر سورة القارعة، نار حامية،
أّما كلمة مسنون، يقول علماء الإسلام معنها متغيّر تراب ُمتبلل مصبوب مصوّر، نتيجة دائمًا الآية 11 من سورة الصافات على تأويلاتها
أمّا إذا رجعنا للغة الآرامية نجدها مصدر من مصدر ميمي، من كلمة سنين، ومعانها مُغربل، نظيف، نقي، خالص. كما يوجد في كتاب (منّ) أو قاموس (منّ)
وهنا نفهم أنّ هذه المادة التي يتحدّث عنها النصّ، كالذهب، صهرت لتصفيتها ولتنقيتها من الشوائب
وبالرجوع للكلمة الأصلية التي نحن بصددها، فهي طبعًا صلل.
نجدها في اللغة السامية، تعني نظيف، نقي، صافي.
وكذلك في اللفة المندائية تعني: ناصعٍ، صافٍ، رائق.
والنتيجة تُصبح أنّ الله خلق الإنسان من شيء طاهر نظيف نقي صافي
وهذا سورة التين التي تقول: «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ» (التين: 4)
الطين أو التراب نقي صافي طاهر، وهذا بعكس ما ذهب إليه علماء الإسلام طين نتن.
والسؤال المطروح، كيف عرف علماء الإسلام أنّ هذا الطين نتن؟
وخاصة أنّ البعض منهم تنبّه لهذه الإشكالية، على سبيل المثال كالطبري في تفسيره للآية 14 من سورة الرحمن فقال:
“فشبّبه تعالى ذكره – أي الصلصال – بأنّه كان كالفخّار في يُبسه، ولو كان معناه في ذلك الُمنتن، لم يُشبّهه بالفخّار، لأنّ الفخّار ليس بمُنتن”
الإشكالية هي أنّ علماء الإسلام تأثروا بالآيتين في سورة الأعراف الآية 12 وسورة ص الآية 76
«قَالَ – يعني إبليس – أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ» (الأعراف: 12)
بمعنى أنّ إبليس احتقر الإنسان لخلقه من طين، فزادوا هم علماء الإسلام في الطين بلّة، عندما قالوا: عليه نتن دون مراعاة الآية في سورة التين التي تقول «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ» (التين: 4)
خلاصة القول: أنّ عبارة (ولقد خلقنا الإنسان من صلل من حما مسنون) كما هو في أصل المخطوط معنها أنّ الله خلق الإنسان من شيء صافي نقي طاهر،
ويقصد به بطبيعة الحال، الطين الصافي النّقي الطاهر
فموضوعنا، موضوعنا الأساسي في هذه الحلقات، هو المخطوطات القرآنية القديمة والتاريخ المبكّر للإسلام
ولهذا نرجع الآن إلى الجزء الثاني من مصحف( باريسنو – بتروبوليتان) مع مخطوطة مارسيل 18
وقد أشرنا لها في الحلقة السابعة وقلنا: موجودة في المكتبة الوطنية الروسية سان بطرسبرج
تحت رقم علمي مارسيل 18 وتكون.. وهي تتكوّن من 26 رقعة قريبًا سوف أقدّم كتابًا عن هذه المخطوطة
تتكوّن أي هذه المخطوطة من أربع كراريس، وهي الكراسة الأولى، من الأنفال: 25 إلى التوبة: 66 أي من الرقعة الأولى إلى الرقعة السادسة
كذلك الكراسة من المؤمنون: 15 إلى القصص: 28 يعني من الرقعة السابعة إلى الرقعة 23
كذلك الكراسة من الروم: 58 للقمان: 23 يعني من الرقعة 23 إلى الرقعة 24
وأخيرًا، الكراسة الأخيرة من الواقعة: 53 إلى الحديد: 26 بمعنى من الرقعة 45 إلى الرقعة 46
سمُيّت بهذا الاسم لخروجها من مصر في بداية القرن التاسع عشر إلى فرنسا على يد المستشرق الفرنسي ” جان جوزيف مارسيل – Jean Joseph Marcel ”
وبعد وفاته انتقلت هذه المخطوطة إلى ملكية إحدى الورثة فباعتها للحكومة الروسية عن طريق الدبلوماسي الروسي في باريس وهو المستشرق “نيكولا فلاديميروفيتش خنيكوف Nicolai V.Khanykov ”
وبذلك انتقلت المخطوطة من باريس إلى سان بطرسبرج بروسيا سنة 1824
في هذه المخطوطة سوف اكتفي بتقديم مثالين أو تلات على هده المخطوطة ودراستها
نأخذ أولًا أول رقعة في هذه المخطوطة ونبدأ بكلمة فُرقان في الآية 29 من سورة الأنفال
لماذا هذه الكلمة؟
لنُبيّن أصلها اللّغوي، وكذلك الكلمات الأساسية في النصّ القُرآني بصفة عامة،
ككلمة قرآن نفسها أو مصحف سورة آية
الكلمة فرقان قال عنها مجموعة المُفسّرين أي مخرجًا نجاة نصرًا وعن “ابن إسحاق” معنها فصلًا بين الحقّ والباطل
فكل هذه التفسيرات اعتمدت على سياق الحديث
ونجحت في الوصول للمعنى الإجمالي إلى أنّه تركوا نقطة مُهمة
ولمعرفة المزيد عنها انتظرونا في الحلقة القادمة وإلى اللقاء!
download text file
You may also like
