التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 46 | معراج النبي

أهلًا بكُم أعزّائي الكرام!

تكلّمنا في الحلقة الماضية عن حادثة الإسراء،

 وقُلنا: إنّها تُشير إلى صعود موسى وليس محمّد نبيّ العرب،

والدليل على ذلك وجود 3 آيات قدّمناها لكم، التي تتحدّث عن إسراء موسى مع بني إٍسرائيل، وذلك في سورة الشعراء: 52 «وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ» (الشعراء: 52)

طه: 77 «وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَىٰ» (طه: 77)

الدخان: 23 «فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ» (الدخان: 23)

وقدّمنا لكُم قراءة “ابن مسعود” «سُبحان الذي سَرَى بعبده ليلًا» كردّ على مسألة السير والإسراء

ثم قدّمنا آية من نفس السورة الآية 93   أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ ۗ …» (الإسراء: 93)

لتنهي جدليّة الاعتقاد بصعود محمّد إلى السماء

جاءت هذه الآية على لسان قُريش، مُطالبين محمّدًا بأن يُقدّم لهُم مُعجزة كسائر الأنبياء السابقين

فيجيبهم: «… سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا» (الإسراء: 93)

إذًا، المسجد الحرام هو مسجد موسى أي جبل حوريب،

 الجبل المُقدّس كما جاء في سفر الخروج، الإصحاح 3 عدد 5، «فَقَالَ: «لاَ تَقْتَرِبْ إِلَى ههُنَا. اخْلَعْ حِذَاءَكَ مِنْ رِجْلَيْكَ، لأَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي أَنْتَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ أَرْضٌ مُقَدَّسَةٌ». (خروج 3: 5)

 وكذلك في سورة طه 12 «إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى» (طه: 12)

 وفي القصص 30 « فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ» (القصص: 30)

 والنمل 8 «فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» (النمل: 8)

وقُلنا: حتّى البهيمة يُحرّم دخولها لحُدود هذا الجبل، وذلك في سفر الخروج 19، العدد 12 – 13 «وَتُقِيمُ لِلشَّعْبِ حُدُودًا مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، قَائِلًا: احْتَرِزُوا مِنْ أَنْ تَصْعَدُوا إِلَى الْجَبَلِ أَوْ تَمَسُّوا طَرَفَهُ. كُلُّ مَنْ يَمَسُّ الْجَبَلَ يُقْتَلُ قَتْلًا. لاَ تَمَسُّهُ يَدٌ بَلْ يُرْجَمُ رَجْمًا أَوْ يُرْمَى رَمْيًا. بَهِيمَةً كَانَ أَمْ إِنْسَانًا لاَ يَعِيشُ. أَمَّا عِنْدَ صَوْتِ الْبُوقِ فَهُمْ يَصْعَدُونَ إِلَى الْجَبَلِ». (خروج 19: 12 – 13)

أمّا المسجد الأقصى فهو كما قُلنا: أورشليم السماويّة في التلمود البابلي، وذلك بحسب تفسير الناسك “رابي يهودا”

وأورشليم السماوية هي الجنّة، ففكرة الإسراء في الموروث الإسلامي نابعة من الثقافة الشرقيّة عمرها آلاف السنين

في الديانة الزرادشتية صعود النبي زرادشت إلى حضرة الإله (أهورا مزدا) على ضهر جمل مُجنّح

في التوراة اختطاف النبي أخنوخ بين قوسين (إدريس) في سفر التكوين الإصحاح الخامس

ويوجد كذلك في سورة مريم الآية: «وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا. وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا» (مريم: 56 – 57)

أضف كذلك صعود المسيح بعد قيامته بحسب الأناجيل، وكذلك أمّه رُفعت إلى السماء بحسب اعتقاد أقليّة من الطوائف المسيحيّة Assumption of Mary انتقال العذراء

ويُشير القرآن لهذا الصعود في سورة المؤمنون الآية 50 «وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ» (المؤمنون: 50)

لأنّ الربوة إشارة لعلوّ المكان وسموّه كما جاء في سورة البقرة الآية 265

«وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» (البقرة : 256)

وكذلك في (التناخ) صعود النبي إيليا أي إلياس على متن عربة نارية في سفر ملوك الثاني

وفي الميثولوجيا اليونانيّة صعود زييوس أو زوس إلى السموات على ضهر الفرس المُجنّح، بيجاسوس

وغيرها الكثير من المعارج في الثقافات والأديان المُختلفة

حُلم صعود الإنسان إلى السماء والوصول إلى مكان الآلهة، رواده من مُنذ القِدم

ليعيش الخلود ويأتي بشريعة أو حُكم أو قانون إلهيّ يُفيد البشر

فعمليّة الصعود بواسطة مراكِب إلى السّماء وجدت في الحضارات كالحضارة المصرية القديمة

مركب الشمس، سفينة روح الإله، وهي سفينة جنائزية الغرض من استخدامها، استعادة الحياة في الأماكن المُقدّسة

كذلك في الحضارة البابليّة، بناء بُرج بابل العظيم، وُسمّيت بابل باللغة الأكاديّة بابلي، وحصل تغيير طفيف في الاسم باللغة الآرامية بابيل، وتعني بوابة إيل أي باب الإله

فالصعود يتمّ بواسطة المركبات الناريّة أو سُفن أرواح الآلهة أو البُرج العالي كما هو الحال كما قُلنا في الحضارة البابلية التي كانت سبّاقة في فكرة جلب الشريعة من عند الآلهة

فحمّورابي يتسلّم القوانين من إله الشمس، أقدّم شريعة لها تاريخ مادي يشهد على هذا القِدم

النبي موسى يصعد جبل حوريب ليأتي بشريعة بني إسرائيل، ومنه إلى السماء بحسب التلمود البابلي،

 وهذا ما فهمه عُلماء الإسلام عن أنّه حدث المعراج بمحمّد

وكذلك ركوبه الفرس المُجنّح البُراق مأخوذة من أسطورة بيجاسوس أو بهاسس، الذي ركبه الإله زوس كما قُلنا ليطير به إلى السموات من أجل حروبه الانتصاريّة على الآلهة

وصعود محمّد إلى سِدرة المُنتهى، ما هي سوى صدى لقصّة موسى وصعوده في العُليّقة في جبل حورب

ليأتي مُحمد بتشريع الصلاة الرُّكن الأساسي في التشريع الإسلامي، كما أتى موسى الألواح الوصايا العشر،

لكن محمّد نبي الإسلام بحسب النصّ القُرآني لم يرقَ إلى السماء كما جاء في الآية 93 «أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ …» في سورة الإسراء أو سورة بني إسرائيل

ولم يقُم بأي إسراء أو معراج إلى أورشليم السماوية، كما ظنّ فُقهاء الإسلام.

وإنّما اكتفى بفتح القُدس كما رأينا في بعض الحلقات من هذا البرنامج

كتعليم يعقوب Doctrina Jacobi  وكتاب المؤرخ الأرميني “سيبيوس” أو “سيدوسيبيوس” كما يحلو للبعض

ففتح بيت هامقداش أورشليم الأرضيّة البلد الأمين، بلد التين والزيتون، لم يكن بالأمر الهيّن،

فهو أمر إلهيّ كما قال بعض المسيحيين عند اغتصاب العرب لأرضهم، فاعتبروه عقابًا سماويًا لضُعف إيمانهم

فهذا الانتصار والفتح العظيم، على الإمبراطوريّة البيزنطية أقوى إمبراطورية في عصر محمّد في تحالُف مع بعض اليهود الذين اضطهدوا في عصر “هِرقل”

جعل هذا القائد العربي المحمّد الممجّد سيّد البشر والحاكم المُطلق باسم إلهه

وصاحب الكلمة الأخيرة في التشريع والحُكم في عصره، فسُمّي بالعصر المدني، عصر السلطة المُطلقة

وظهور القُرآن كالدستور لهذا الحكم الكامل، أصبح فيما بعد يُسمّى الدين الإسلاميّ

فمُعجزة فتح بيت هامقداش أصحبت سنة 634 ميلادية يُضاهي بحسب أنصار الحكم الجديد، شقّ موسى البحر الأحمر وعبور بني إسرائيل لبرّ الأمان

فعبر ليس العرب وحدهم برئاسة قادهم المُحمّد والمُمجّد إلى برّ الحكم والسّلطة والأمان، بل هو كذلك عبور اليهود الذين أزروه ووقفوا جنبه بالمال والرّجال،

 فتخلّصوا من حُكم الامبراطور هرقل وإجبارهم على التّنصير

فلقّبوا هذا القائد العربي العظيم بالفاروقا، أي المُخلّص شعبه باللغة الآراميّة

نكتفي بهذا القدر، وإلى اللّقاء في الحلقة القادمة، فكونوا معنا!


Download text file

Early History of Islam 046

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 117 | القراءات المختلفة وعلاقتها بالقرآن
تحيّة لكُم مُتابعينا الأفاضل! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن مفهوم [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 116 | أصل الأحرف السبعة في القرآن
أهلًا بالمُتابعين الكرام! بعد ما قدّمته في الثلاث الحلقات الأخيرة عن [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 115 | فصول الكتاب المقدس في القرآن
أهلًا بكم أحبّائي المُتابعين! في الحلقتين السابقتين، تحدّثنا عن [...]
11 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 114 | الكلمات الليتورجيا في القرآن
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية وجدنا أنّ القُرآن في مرحلة [...]
11 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 113 | القرآن كتاب الليتورجيا للصلوات
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في هذه الحلقة والحلقة القادمة سوف نُحاول [...]
6 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 112 | تهجير الرسول من أرض العراق
أهلًا بكم أعزّائي الكرام! في الحلقة الماضية، وفي إطار سلسلة من الحلقات [...]
7 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 111 | شواهد على مكة بالعراق
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن الفق ما بين [...]
3 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 110 | كعبة القدس وحرم مكّة
أهلًا بالمُتابعين الكرام! وصلني سؤال من أحد المُتابعين من سوريا يقول [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 109 | مكة عند المؤرخين القدماء
أهلًا بالأحبّاء الكرام! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن إشكالية مكّة، [...]
16 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 108 | جغرافية مكة بين التاريخ والأسطورة
أهلًا بالمُتابعين الأحبّاء! سبق وقدّمت العديد من اللقاءات والحلقات على [...]
5 views

Page 2 of 13

اترك تعليقاً