عزيزاتي أعزائي!
في الحلقة الماضية تكلّمنا عن اسم إبراهيم الخليل في القُرآن،
وقُلنا: إنّ هذا الاسم لم يكن في الأصل سوى أبراهام وليس إبراهيم
لأنّ أبراهام باللغة العبريّة والآرامية معناها أبو الجهور أو أب لنسل عظيم،
لإثبات وعد الله لأبراهام أنه سوف يكون أب لذريّة كعدد النجوم في السماء، كما ورد في الإصحاح 17 العدد 5 من سفر التكوين « فَلاَ يُدْعَى اسْمُكَ بَعْدُ أَبْرَامَ بَلْ يَكُونُ اسْمُكَ إِبْرَاهِيمَ، لأَنِّي أَجْعَلُكَ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ.» (تكوين 17: 5)
بعدما كان يعتقد أي أبراهام أنّه عقيم، لن تكُن له ذرية، لأنّ زوجته سارة كانت عاقر
وذلك بحسب الإصحاح 15 العدد الثاني «فَقَالَ أَبْرَامُ: «أَيُّهَا السَّيِّدُ الرَّبُّ، مَاذَا تُعْطِينِي وَأَنَا مَاضٍ عَقِيمًا، وَمَالِكُ بَيْتِي هُوَ أَلِيعَازَرُ الدِّمَشْقِيُّ؟» (تكوين 15: 2)
اليوم سنُقدّم المزيد من الأمثلة على الأخطاء النسخيّة أو أخطاء السهو والنسيان في القُرآن منذ البدايات الأولى لتدوينه
ومُعظم المُسلمين لا يعتقدون بوجود أخطاء من هذا النوع في القُرآن.
وقد تحدّى أحد الدُّعاة المصريين وأيده مجموعة كبيرة من الشيوخ السلفيين حتى عندنا في المغرب بأن نُقدّم كمُختصّين أو غير مُختصّين خطأ نسخيًا واحدًا تكرّر في مخطوطتين للقُرآن
بقوله: في الدقيقة الثالثة إلى الرابعة من إحدى حلقاته على اليوتيوب، قال بالحرف: “لكن في القُرآن الخطأ لا يتكرّر عفوًا أبدًا وقُلت إنّ الخطأ الذي يولد في مخطوطة مُعيّنة يموت في نفس المخطوطة، مش هيجي ناسخ تاني ويحط نفس الخطأ وبالتالي: الأخطاء لا تنتشر في مخطوطة القُرآن وتحديت أي شخص أن يأتينا بخطأ تكرّر في مخطوطتين من مخطوطات القُرآن، فالقس البروتستانتي وصديقه مقدروش إنّهم يجاوبوا عن التحدّي، فتجاهلوا هذه النقطة، وأنا أرفع التحدّي مرّة أخرى. هل يستطيع القسّ البروتستانتي وصديقه أو أي شخص يُشكّك في مخطوطات القُرآن أن يأتينا بخطأ نسخي تكرّر في مخطوطتين مُختلفتين” انتهى الاقتباس
وقد قبلت هذا التحدّي، ليس لأُظهِر له أن كل ما سمعه وتعلّمه من شيوخه ليس دائمًا بالحقيقة،
ولكن فقط من باب البحث في المخطوطات عن هذا النوع من الأخطاء،
فهل هي حقيقة غير موجودة كما يدّعي، أم هناك أمثلة يُمكن دراستها وفهم لماذا هي أصلًا موجودة؟
عندما سمعت هذا التحدّي تذكّرت أنني وجدت بعض الأمثلة من هذا النوع أيام دراستي للمخطوطات القديمة.
فعندما راجعت العمل الذي قُمتُ به سابقًا، وإذا بي أجد على الأقل سبع مخطوطات مختلفة بالخطيّ الحجاز والكوفي تحمل نفس الخطأ ما سمّاه هذا الداعية بالخطأ النسخي
وذلك في سورة الرعد الآية 19 «أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ ۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ» (الرعد: 19)
كلمة أولو في كلّ هذه المخطوطات السبع على الأقلّ جاءت بالألف في أخر الكلمة أولا
أنا شخصيًا لم أجد هذه القراءة في أي مرجع من مراجع القراءات المُختلفة ولا حتى الشاذّة منها
والسؤال المطروح، هل هو فعلًا هو خطأ نسخي أم قراءة أصلية ضاعت مع الزمن؟
أولًا ننظر للمخطوطات التي جاءت فيها هذه الكلمة وهي كالتالي: في المكتبة الوطنية الفرنسيّة بباريس توجد أربع مخطوطات وهي:
Arabe 332 الرقعة 24 R
Arabe 333 (a) الرقعة 13 R
Arabe 334 (c) الرقعة 31 R
Arabe 328 a الرقعة 50 V
وفي مكتبة بستشتاين ببرلين 305 Ahlwa الرقعة 95 R
ثم مخطوطة في المكتبة البريطانية عفوًا بلندن Or. 2165 الرقعة 28 v
وأخيرًا وليس أخرًا مُصحف المشهد الحسيني بالقاهرة، الرقعة 435 R
التي توجد في البلد الذي يعيش في هذا الداعية،
وبعد أن تأكّدنا من وجود كلمة (أولا) في هذه المخطوطات السبع، نُحاول مناقشة الأمر، فطرحنا السؤال الأوّل
هل هو فعلًا خطأ نسخي؟ الجواب في ظلّ الاعتقاد بوجود إمكانيّة حفظ القُرآن في الصدور فهذا مُستحيل تكرار نفس الخطأ في أكتر من مخطوط
لكن في غياب هذه الإمكانيّة في عصر التدوين هذه المخطوطات القديمة، فذلك ممكن،
وبالتالي: فرضيّة حفظ القُرآن في الصدور لا تقف على أرضية صلبة مُنذ عصر الرسول إلى عصر تدوين هذه المخطوطات القديمة على الأقلّ
أمّا إذا كانت قراءة من القراءات الزّمان فهذا ممكن كذلك،
لكن تنسف نظرية حفظ القُرآن في الصدور على الأقلّ إلى فترة التدوين أخر مخطوط من هذه المخطوطات التي قدّمناها على الأقلّ
إذًا، كلا الحالتين تظهر ادّعاء حفظ القُرآن في الصدور في بدايات الأولى لظهور الإسلام،
قد يتساءل أي باحث في الموضوع، هل هناك أمثلة أخرى من هذا النوع؟ الجواب نعم
وهو من سورة النّحل الآية 21 «أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ۖ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ» (النحل: 21)
وهذا المثل كان من اقتراح الصديق الدكتور “صموئيل” تحية له!
كلمة أيّان جاءت على الأقلّ في مخطوطتين بدون ألف المد، أين يبعثون، أي المكان الذي سوف يُبعثون فيه خلافًا لمعنى أيّان يُبعثون «أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ۖ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ» (النحل: 21) أي متى إيوان ذلك؟
نجد هذا المثال في مخطوطة المكتبة البريطانية بلندن Or. 2165 الرقعة 34 R
وكذلك في مكتبة بستشتاين ببرلين 331 الرقعة 11 v
هذا النموذج قد نتفهّم سقوط حرف الألف المدّ سهوًا من طرف الناسخين في هاتين المخطوطتين
ويكون محلّ صدفة، لكنّ المثال الأول في سورة الرعد يستحيل أن يكون صدفة لتكراره على الأقلّ في سبع مخطوطات مختلفة
هناك أمثلة أخرى لا داعي لتقديمها لأنّه تُشابه المثل الأخير في سورة النحل.
نتيجة البحث على العموم تُفيد أن التّحدي الذي طرحه هذا الداعية مُجرّد ادّعاء ولا يقف على أسس علميّة
وبالتالي يمكن القول: أنّ القُرآن لم يكن محفوظًا كما يعتقد جُلّ المسلمين في عصرنا الحاضر.
نكتفي بهذا القدر، وإلى اللقاء!
Download text file
You may also like
