التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 126 | البقرة الحمراء وبناء معبد اليهود في القدس

مرحبًا بالمُتابعين الكرام!

في الحلقة الماضية تحدّثنا عن البقرة الحمراء برا أدوما في النصّ التوراتيّ، وذلك في سفر العدد الإصحاح 19 العدد 2 «هذِهِ فَرِيضَةُ الشَّرِيعَةِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا الرَّبُّ قَائِلًا: كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَأْخُذُوا إِلَيْكَ بَقَرَةً حَمْرَاءَ صَحِيحَةً لاَ عَيْبَ فِيهَا، وَلَمْ يَعْلُ عَلَيْهَا نِيرٌ» (سفر العدد 19: 2)

بينما النصّ القُرآني في سورة البقرة يقول: «قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ» (البقرة: 69)

وتساءلنا عن اللون الحقيقيّ للبقرة، الذي أشار إليه القُرآن والتوراة، أمّا فيما يخُصّ التوراة فكلمة أدوما تعني حمراء.

وهذا اللون مأخوذ من جذر كلمة آداما بمعنى أرض أو تُراب، ومنه جاءت كلمة آدم كما قُلنا سابقًا يرمُز للون الأرض أو التُراب، أي أنّ هذا اللون تُرابي.

أما فيما يخُص النصّ القُرآني فقد اختار عبارة «قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ» (البقرة: 69)

ورأينا في معجم اللغة العربية خاصة (لسان العرب) لابن منظور أن كلمة «كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ» (المُرسلات: 33) تعني اللون الأسود

ونحن دائمًا بصدد الإشارة للون الأرض بلون التُراب، فلا غرابة أن نجد عالمًا من أكبر علماء اليهود في القرن العاشر الميلادي وهو الحاخام سعديا بن جاؤون بن يوسف الفيومي، قد ترجم كلمة أدوما بين قوسين (حمراء) إلى كلمة صفراء باللغة العربيّة

وهو فقيه في اللغتين العربية والعبرية، إلّا تأكيدًا على أنّ الكلمة أدوما هي إشارة للون التُراب،

الآن ننتقل للحديث عن هذه البقرة الحمراء أو الصفراء في التوراة، حيث أنّ الهدف من ذبحها في.. عفوًا في سفر العدد الإصحاح 19 هو تطهير بني إسرائيل من النجاسة

وهي تُعتبر ذبيحة خطية، يأخذها رئيس الكهنة خارج المحلّة أو المُخيّم أو الهيكل، والهيكل بمعنى معبد سليمان، فتذبح ويُرشُّ دمها بأصبُع الكاهن سبع مرات

وذلك نحو تجاه وجه خيمة الاجتماع أو الهيكل، ثم تُحرق بالكامل ويوضع خشب الأرز ونبات الزوفا، ومسحوق القرمز وسط النار، وكلّ هذه المواد لها رمزيّة عند القُدماء

فخشب الأرز يرمز للطهارة كما جاء في سفر اللاويين إصحاح 14 الأعداد 4 «يَأْمُرُ الْكَاهِنُ أَنْ يُؤْخَذَ لِلْمُتَطَهِّرِ عُصْفُورَانِ حَيَّانِ طَاهِرَانِ، وَخَشَبُ أَرْزٍ وَقِرْمِزٌ وَزُوفَا.» و49 «فَيَأْخُذُ لِتَطْهِيرِ الْبَيْتِ عُصْفُورَيْنِ وَخَشَبَ أَرْزٍ وَقِرْمِزًا وَزُوفَا.»

 و51 «وَيَأْخُذُ خَشَبَ الأَرْزِ وَالزُّوفَا وَالْقِرْمِزَ وَالْعُصْفُورَ الْحَيَّ وَيَغْمِسُهَا فِي دَمِ الْعُصْفُورِ الْمَذْبُوحِ وَفِي الْمَاءِ الْحَيِّ، وَيَنْضِحُ الْبَيْتَ سَبْعَ مَرَّاتٍ»

و52 «وَيُطَهِّرُ الْبَيْتَ بِدَمِ الْعُصْفُورِ وَبِالْمَاءِ الْحَيِّ وَبِالْعُصْفُورِ الْحَيِّ وَبِخَشَبِ الأَرْزِ وَبِالزُّوفَا وَبِالْقِرْمِزِ.»

حيث يُستخدم في تطهير البرص لهذه الرمزيّة بنى سُليمان الهيكل كما جاء في سفر الملوك الأوّل الإصحاح 6 العدد 18 «وَأَرْزُ الْبَيْتِ مِنْ دَاخِل كَانَ مَنْقُورًا عَلَى شِكْلِ قِثَّاءٍ وَبَرَاعِمِ زُهُورٍ. الْجَمِيعُ أَرْزٌ. لَمْ يَكُنْ يُرَى حَجَرٌ» (سفر الملوك الأول 6: 18)

أيضًا نبات الزوفا يرمُز للطهارة، ولا سيّما في التطهير من البرص كذلك، وذلك في سفر اللاويين الإصحاح 14 الأعداد 4 «يَأْمُرُ الْكَاهِنُ أَنْ يُؤْخَذَ لِلْمُتَطَهِّرِ عُصْفُورَانِ حَيَّانِ طَاهِرَانِ، وَخَشَبُ أَرْزٍ وَقِرْمِزٌ وَزُوفَا.»

و49 «فَيَأْخُذُ لِتَطْهِيرِ الْبَيْتِ عُصْفُورَيْنِ وَخَشَبَ أَرْزٍ وَقِرْمِزًا وَزُوفَا.»

وهذا الرمز يُشير إليه داود النبي في سفر المزامير إصحاح 51 العدد 7 «طَهِّرْنِي بِالزُّوفَا فَأَطْهُرَ. اغْسِلْنِي فَأَبْيَضَّ أَكْثَرَ مِنَ الثَّلْجِ.» (مزمور 51: 7) ثم مسحوق القرمز فهو رمز السلطان والثروة عند اليونان والرومان

أمّا عند اليهود فيرمُز للدم بلونه وللطهارة كما جاء في سفر اللاويين الإصحاح 14 الأعداد 4 «يَأْمُرُ الْكَاهِنُ أَنْ يُؤْخَذَ لِلْمُتَطَهِّرِ عُصْفُورَانِ حَيَّانِ طَاهِرَانِ، وَخَشَبُ أَرْزٍ وَقِرْمِزٌ وَزُوفَا.» و49 «فَيَأْخُذُ لِتَطْهِيرِ الْبَيْتِ عُصْفُورَيْنِ وَخَشَبَ أَرْزٍ وَقِرْمِزًا وَزُوفَا.»

فعند حرق البقرة الحمراء وهذه المواد التطهيريّة، يُجمع الرماد ويُضاف إلى ماء جاري طاهر، ويُخلط بها بهذا الرماد من أجل التطهير من النجاسة، كلمس جُثث ميّت على سبيل المثال

فالبقرة الحمراء وِفقًا لتقليد الحاخاميّة فإنّ “موسى بن ميمون” الرمبام، يعني ربّي موشي بن ميمون، نهاية القرن الثاني عشر الميلادي، ذكر في كتاب (الميشنا) الفصل الثالث العدد 4 فيما معناه أنّ برا أدوما بين قوسين (البقرة الحمراء) من عهد النبي موسى إلى تدمير الهيكل الثاني تم تضحية ب 9 بقرات فقط من هذا النوع

ويُضيف رامبام في أخر العدد الرابع: أنّ البقرة الحمراء العاشرة سيُضحّي بها المسيا نفسه قريبًا. انتهى الاقتباس

وبالتالي: فهذه البقرة ترمُز إلى أخر الأيام ومجيء المسيا لتطهير الأرض من الفساد والظُلم وبناء الهيكل الثالث، بإعلان مملكة إسرائيل الكُبرى

فمنذ تدمير هيكل هيرودوتس أي الهيكل الثاني سنة 70 ميلاديّة على يد الروم بقيادة تيطس، واليهود يدعون في صلواتهم صلاة التفيلات ال 18 أو صلاة البركات الثماني عشر، ببناء الهيكل الثالث في أورشليم القُدس لمجيء المسيا

ولهذا نجد بعض الأصوليّين من اليهود يبحثون عن هذه البقرة الحمراء النادرة جدًا لمعرفة اقتراب وقت بناء الهيكل، وأخر الأيام لأنّها ضروريّة لتطهير المعبد الجديد،

وفي وقتنا الحاضر أخذ معهد (الهيكل ماخون هامقداش) على عاتقه تهيئة البقرة الحمراء من أجل بناء الهيكل، ومُنذ سنة 2018 لم يُعثر إلّا على بقرتين في إسرائيل تتوفّر فيهما الشروط المطلوبة

وأصبعها عدم وجود ولو شعرتان تختلفان عن سائر الشعر الأحمر لهذه البقرة

وكما تُلاحظون أحد القائمين على معهد الهيكل يفحص بالمجهر عن وجود شعرة واحدة لونها يختلف عن لون البقرة ككل

إذًا الموضوع برُمّته يُحيلنا إلى موضوع اقتراب الساعة ونهاية العالم، وبما أنّ القُرآن في عدّة سور وآيات يُشير بوضوح لنهاية العالم مثل: «اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ» سورة (القمر: 1) الآية الأولى، الزلزلة، القارعة، وغيرها من السور..

تأتي سورة البقرة أيضًا في قصّة موسى أو قصّة بقرة موسى، للإشارة إلى اقتراب الساعة وقيامتها، والتذكير بمجيء المسيح والاستعداد له، ويوم البعث،

وهذه العناصر الفكرية موجودة في سورة البقرة، فعند ذكر البقرة ووصفها في حوار موسى وبني إسرائيل واتهامهم بقسوة القلب كما جاء في الآية التي بعدها أي الآية 74 «… فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ…» (البقرة: 74)

فهي إشارة لسفر العدد الإصحاح 20 العدد 11 «وَرَفَعَ مُوسَى يَدَهُ وَضَرَبَ الصَّخْرَةَ بِعَصَاهُ مَرَّتَيْنِ، فَخَرَجَ مَاءٌ غَزِيرٌ، فَشَرِبَتِ الْجَمَاعَةُ وَمَوَاشِيهَا.» (سفر العدد 20: 11)

مُعجزة ضرب الصخرة وخروج الماء، وقصة البقرة كما جاءت في التوراة كما رأينا، أشار لها القُرآن في سورة البقرة من الآية 67 إلى 74 ثم لخّصها وأشار للمسيا في الآية 87 من سورة البقرة «وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ (أي التوراة) وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ (ويختم الآية بذكر عيسى بن مريم) ۖ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ۗ …» (البقرة: 87)

كتذكير بأنّ عيسى بن مريم هو المسيح كما جاء في سورة النساء الآية 157 «وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ…» (النساء: 157) أي اتهام اليهود بقتل المسيح عيسى

ولهذا يختم الآية التي نحن بصددها بهذا الاتهام بقوله في سورة البقرة «… أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ» (البقرة: 87)

وكأنّ هذه الآية تُحدّد من هو المسيا الحقيقيّ الذي ينتظره اليهود في أخر الزمان بحسب القُرآن، هو نفسه المسيح عيسى بن مريم،

ومجيئه الثاني لتكملة رسالة الخلاص وبهذه الإشارة الواضحة تُعزّز شهادة المؤرخ الأرميني “سيبيوس” في كون نبي العرب محمد أو محمت جاء لتحرير القُدس، وتهيئة لرجوع المسيح الثاني للأرض، واقتراب يوم القيامة،

ولهذا السبب يذكر أحد الحجاج يدعى أركولفوس من بلاد الغال سنة 670 بناء السراسين بين قوسين (العرب) لبيت من خشب أرض معبد هيرودوتس في بيت المقدس قبّة الصخرة حاليًا

أي بنوه في عُجالة من أمره لمجيء المسيح ونهاية العالم بين قوسين الأبولكاليبس

الذي تنتظره كلّ شعوب الشرق الأوسط في ذلك العصر من يهود ومسيحيين وعرب، كما سبق أن أشرنا في بعض الحلقات من هذا البرنامج.

نكتفي بهذا القدر، وإلى اللقاء في حلقة مُقبلة، فكونوا معنا!


Download text file

Early History of Islam 125

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 106 | مَلَكَة اليمين (الجزء الأول)
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في أيامنا هذه كثُر الحديث عن رجوع جماعة [...]
7 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 105 | الخريطة الدينية لأرض الحجاز عند ظهور الإسلام
أهلًا بالمُتابعين الكرام! لقد قدّمنا سلسلة من الحلقات حول موضوع البيئة [...]
2 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 104 | الأصل اللغوي للقرآن
أهلًا سهلًا بالجمهور بالمُتابعين الكرام! رأينا في الحلقة السابقة سلسلة [...]
9 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 103 | مقارنة مخطوطات مدراش ربا، وصحيح البخاري
أعزّائي المُتابعين أهلًا وسهلًا بكم! رأينا في الحلقة السابقة الرابط [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 102 | هل القرآن ثمرة عمل جماعي؟
أهلًا بالمُتابعين الكرام! لم نُكمل بعد سلسلة حلقات البيئة التي ظهر [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 101 | التأثير المباشر على القرآن
أهلًا بالمُشاهدين الكرام! في الحلقة 99 من هذا البرنامج، تحدّثنا على [...]
15 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 100 | خلاصة مائة حلقة من البرنامج
أهلًا بالمُتتبّعين الكرام!  بفضل تشجيعكم وتفاعلكم مع المواضيع التي [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 99 | هل تلقى الرسول تعليمه على يد أعاجم؟
أعزائي المُشاهدين، أهلًا وسهلًا بكم في حلقة جديدة من برنامج (التاريخ [...]
7 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 98 | خلاصة دراسة اسم مريم بنت عمران
أهلًا بكم أعزائي المُشاهدين! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن مسألة خلط [...]
10 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 97 | أصل قصة هز النخلة في القرآن
أهلًا بالجمهور الكريم! كنا قد توقّفنا في الحلقة القادمة عند بحث لحلّ [...]
11 views

Page 3 of 13

اترك تعليقاً