التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 31 | وجه التطابق بين المسيح ومحمد في القرآن

أهلًا بكم مشاهدينا الكرام!

كنّا تحدّثنا سابقًا عن نقش قُبّة الصخرة، وقلنا: إنّ كلمة محمّد لا تعني اسم سيّد العرب ونبيّهم، بل تعني صفة للحمد والتمجيد أي مُبارك وممجّد عبد الله ورسوله

وهذا العبد الرسول هو المسيح عيسى بن مريم،

في الحلقة السابقة قارنا كلمة محمّد المذكورة في القُرآن والمسيح، ورأينا التطابق المُذهل بين سياق آية محمّد والمسيح في كلّ من سورة آل عمران والأحزاب والمسيح في سورة المائدة ووقفنا عند عبارة «…رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ…» (الفتح: 29)

هذه الآية لا تدعوا للقِتال كما يبدو من الوهلة الأولى، ولكن الإخبار عن مثل من أمثلة التوراة والإنجيل

والإشارة واضحة في نصّ الآية، «…مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ…» (الفتح: 29)

فوصف الرسول وأصحابه بشدة نتيجة أعمال الكفّار على تغيير وتزوير الحقائق.

فالكفّار في هذه الآية هم من يُغطّون الحقيقة ويخفونها، من كلمة كفر كما جاء في لسان العرب لابن منظور بمعنى غطّى

فنقول: كفر الشيء أي غطّاه، لكن عن أي رسول وأصحابه تتحدّث الآية

هل فعلًا عن سيّد العرب ونبيهم والكفّار هم قريش، كما تُفيد الإسلامية عن فتح مكّة أم الحديث عن الكفّار الذين يعرفون التوراة ويعيشون أحداث الأناجيل؟

بالطبع قُريش كما تقول الرواية الإسلاميّة، أنّهم عبدة أصنام ولا يهمهم مثل في التوراة وفي الإنجيل،

إذًا الحديث يُشير بمحمّد ومبارك قبّة الصخرة مرة أخرى كما رأينا في الحلقة الماضية

لتوضيح الأمر يُخبرنا الباحث الفرنسي الآب الأستاذ “كلود جيليو Claude Gilliot-” أنّ هذه الآية الأخيرة من سورة الفتح تجمع بين فقرتين من إنجيل مُرقس الإصحاح 4 ومتى الإصحاح 12 وهو المثل ذاته في الإنجيل الرباعي Diatessaron – باللغة السريانيّة

والمثل الذي قدمه يُشبّه بين النبات والبذور والثمار الجيدة بالإنسان الصالح، والثمار والبذور الرديئة بالإنسان الشرير

والخطاب كان للكتبة والفريسيين رجال الدين المُتشددين اليهود وتعليمهم

فالمسيح بهذه أو بهذا المثال ينهر هؤلاء الكتبة والفريسيين على تعليمهم ويُخاطبهم وجهًا لوجه

ويقول: «…جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ…» كما هو موجود في (متى 12: الآية 39)

وقبلها في الآية 34 خاطبهم «يَا أَوْلاَدَ الأَفَاعِي!…» هذه العبارات القاسية تجاه رجال الدين والعقيدة تكرّرت عدة مرات

ففي متى الإصحاح 23 الآية 27 يقول لهم:  «وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُشْبِهُونَ قُبُورًا مُبَيَّضَةً تَظْهَرُ مِنْ خَارِجٍ جَمِيلَةً، وَهِيَ مِنْ دَاخِل مَمْلُوءَةٌ عِظَامَ أَمْوَاتٍ وَكُلَّ نَجَاسَةٍ.» (متى 23: 27)

تخيّل الآن عزيزة المُشاهدة عزيزي المُشاهد رجلًا يُخاطب الفقهاء والشيوخ والعلماء بمثل هذه العبارات فماذا سوف تكون نظرة الناس لهذا الرجل؟

أكيد سوف يقولون عنه: إنسانًا مُتشددًا،

لم يقف عند التوبيخ المُباشر، وإنما ثار على الباعة والصرّافين وقلب موائدهم كما جاء في إنجيل يوحنا الإصحاح 2 الآية 15 «فَصَنَعَ سَوْطًا مِنْ حِبَال وَطَرَدَ الْجَمِيعَ مِنَ الْهَيْكَلِ، اَلْغَنَمَ وَالْبَقَرَ، وَكَبَّ دَرَاهِمَ الصَّيَارِفِ وَقَلَّبَ مَوَائِدَهُمْ.» (يوحنا 2: 15)

بالطبع التّلاميذ كانوا حاضرين يرون ماذا يفعل معلمهم وسيدهم يسوع المسيح

ويسمعون لما يقول وبدورهم فيما بعد وقفوا ضدّ الظّلم والطّغيان، حيث نجد التلميذ بُطرس يقف وسط المجمع أمام رؤساء الشّعب وشيوخ إسرائيل ويقول دون خوف:

«فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا عِنْدَ جَمِيعِكُمْ وَجَمِيعِ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ، أَنَّهُ بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ، الَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمُ، الَّذِي أَقَامَهُ اللهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، بِذَاكَ وَقَفَ هذَا (يعني هو) أَمَامَكُمْ صَحِيحًا.» (أعمال الرسل 4: 10)

يعني أنّ بُطرس وقف أمامكم يُخاطبكم،

إذًا أخر آية في سورة الفتح تتحدّث عن مثل الإنسان صالح ومثل الإنسان شرير وبالضبط مثل سورة محمد الآية الثالثة «…كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ» (محمد: 3)

منهم… منهم المؤمن الذي اتبع الحقّ، ومنهم الكافر اتبع الباطل، في نفس الآية

ولمعرفة سياق الحديث نرجع للآية التي سبقتها «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ» (محمد: 3)

وهنا يتحدّث عن المثال الأوّل الذين اتبعوا ما نُزّل من قول الحقّ، وقول الحقّ هو أن تقول «…عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ…» (النساء: 171) كما رأينا في سورة النساء الآية 171،

وعلى جدار قبّة الصخرة من الجهة الشرقية، وبالتالي محمّد الذي تُشير إليه الآية، مُبارك وممجّد الآتي باسم الربّ كما رأينا سابقًا أيّ المسيح بن مريم

وللتأكيد ننظُر للآية 34 من سورة مريم «ذَٰلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ» (مريم: 34)

ولا زال القوم يمترون فيه إلى اليوم، فالمسيح بن مريم هو المُحمّد هو الممجّد هو المُبارك بحسب القرآن

واضح في سورة مريم: 31 «وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ…» (مريم: 31) يعني السيد المسيح يتكلم ممجّد محمّد وفي نفس الوقت هو عبد الله في الآية التي سبقتها «قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا» (مريم: 30)

فعبارة (محمّد عبد الله) وضعوا كلمة ابن بين محمد وعبد الله فأصبحت محمّد بن عبد الله

والله الذي تطلبه الناس أي المطلوب كاسم المفعول بصيغة المُبالغة أصبحت المُطّلب

وهو قليل في كلام العرب ككلمة الرسول المرسول المُرسل

فعبد المطلب أصبحت عبد المطلب بن هاشم، وهاشم باللغة العبريّة معنها اسم الربّ

فعبارة (باروخ هاشم أدوناي) معنها (مُبارك اسم الرب) كما جاء في الزبور « لِيَكُنِ اسْمُ الرَّبِّ مُبَارَكًا…» (مزمور 113: 2)

وعبارة (بنو هاشم) موجودة كذلك في سفر أخبار الأيام الأولى إصحاح 11 الآية 34 «بَنُو هَاشِمَ الْجَزُونِيُّ، يُونَاثَانُ بْنُ شَاجَايَ الْهَرَارِيُّ» (أخبار الأيام الأولى 11: 34).

نكتفي بهذا القدر، وإلى اللقاء!


Download text file

Early History of Islam 031

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 107 | مَلَكَة اليمين (الجزءالثاني)
أهلًا بالجُمهور الكريم! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن موضوع ملكت [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 106 | مَلَكَة اليمين (الجزء الأول)
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في أيامنا هذه كثُر الحديث عن رجوع جماعة [...]
7 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 105 | الخريطة الدينية لأرض الحجاز عند ظهور الإسلام
أهلًا بالمُتابعين الكرام! لقد قدّمنا سلسلة من الحلقات حول موضوع البيئة [...]
2 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 104 | الأصل اللغوي للقرآن
أهلًا سهلًا بالجمهور بالمُتابعين الكرام! رأينا في الحلقة السابقة سلسلة [...]
9 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 103 | مقارنة مخطوطات مدراش ربا، وصحيح البخاري
أعزّائي المُتابعين أهلًا وسهلًا بكم! رأينا في الحلقة السابقة الرابط [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 102 | هل القرآن ثمرة عمل جماعي؟
أهلًا بالمُتابعين الكرام! لم نُكمل بعد سلسلة حلقات البيئة التي ظهر [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 101 | التأثير المباشر على القرآن
أهلًا بالمُشاهدين الكرام! في الحلقة 99 من هذا البرنامج، تحدّثنا على [...]
15 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 100 | خلاصة مائة حلقة من البرنامج
أهلًا بالمُتتبّعين الكرام!  بفضل تشجيعكم وتفاعلكم مع المواضيع التي [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 99 | هل تلقى الرسول تعليمه على يد أعاجم؟
أعزائي المُشاهدين، أهلًا وسهلًا بكم في حلقة جديدة من برنامج (التاريخ [...]
7 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 98 | خلاصة دراسة اسم مريم بنت عمران
أهلًا بكم أعزائي المُشاهدين! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن مسألة خلط [...]
10 views

Page 3 of 13

اترك تعليقاً