التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 34 | الإعتقاد السائد باقتراب آخر الأيام عند ظهور الإسلام

أعزائي المشاهدين!

لقد سبق وتكلّمنا عن اليهود وكيف تحوّل اعترافهم بنبوة سيّد العرب وقائدهم إلى الطعن فيها واعتبارها نبوءة مزيّفة بعدما خرجوا من الضيق والخوف المُسلّط عليهم من البيزنطيين

حيث أمر الإمبراطور هرقل” بتنصيرهم، أو طردهم من ديارهم بعد سنة 628 ميلادية

كما يُخبرنا المؤرخ الأرميني “سبيوس”، ووثيقة التعليم Doctrina Jacobi  جاكوبي وظنّ اليهود أنّ نبوءة دنيال التي نقرأها في الإصحاح 12 قد جاء زمانها والتي تقول:

««وَفِي ذلِكَ الْوَقْتِ يَقُومُ مِيخَائِيلُ الرَّئِيسُ الْعَظِيمُ الْقَائِمُ لِبَنِي شَعْبِكَ، وَيَكُونُ زَمَانُ ضِيق لَمْ يَكُنْ مُنْذُ كَانَتْ أُمَّةٌ إِلَى ذلِكَ الْوَقْتِ. وَفِي ذلِكَ الْوَقْتِ يُنَجَّى شَعْبُكَ، كُلُّ مَنْ يُوجَدُ مَكْتُوبًا فِي السِّفْرِ.» (دانيال 12: 1)

ولكن حين انتصر العرب واليهود على البيزنطيين زال هذا الخوف، ورجع مُعظم هؤلاء اليهود عن الاعتراف بهذه النبوءة أي نبوءة محمّد

أما الأيام الأخيرة التي تحدثنا عنها سابقة واقتراب الساعة بالنسبة للمسيحيين في تلك الفترة

فقد كانت تتجلّى في الحروب الطاحنة بين البيزنطيين والفُرس خاصّة بين سنة 614 م و628 ميلادية

وأثناء الغزو العربي جعلتهم يعتقدون باقتراب الساعة، والمجيء الثاني للمسيح واقتراب موعد آخر الأيام كما هو في سفر الرؤيا ليوحنّا اللّاهوتي

وهو أخر أسفار الكتاب المقدّس، بحسب العقيدة المسيحيّة،

وبعد الغزو العربي اليهودي تسلّط العرب على رقابهم، واعتبروا أي المسيحيّين هذا العقاب من الله على ضعف إيمانهم

وكما أنّ نبي العرب لم يكُن بعيدًا عن هذا الفكر وخُصوصًا في ظلّ وجود إشارة لذلك

كما نجد في سورة محمّد الآية 18 «فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً ۖ فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا ۚ فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ» (محمّد: 18) يعني ظهرت معالمها،

 فمع الانتظار الطويل من اليهود والمسيحيين وحتى العرب، لاقتراب الساعة وهو ما يسمى بالأبوكاليبس فلم يحدُث أي شيء

تحوّل الأمر من موضوع ديني عقائدي إلى صراع سياسي بين القوى الموجودة على الساحة الشيء الذي يُفسّر الصراع بين” معاوية” ومقتل أبو تُراب (عليّ بن أبي طالب) كما علمنا مع (الحوليّة المارونيّة) سابقًا

نعود الآن إلى فرقة الأخرى وهي فرقة (النّصارى) الكافرة بحسب القرآن وهم الذين يقولون: إن المسيح بن الله، كما جاء في سورة التوبة الآية 30

«وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ»

وأصل الكلمة ليس من نصرة المسيح كما رجّح أستاذنا “محمد عباد الجابري”، في كتابة (مدخل إلى القرآن الكريم)، وذلك في سورة الصف الآية 14

وإنّما من كلمة نصرة باللغة الآرامية ونصرات باللغة العبرية ونزرات باللغة اليونانية نسبة لبلدة الناصرة حيث نشأ السيّد المسيح

بهذه البلدة كانت صغيرة مُحتقرة أو محقورة بين المُدن في الجليل

كما جاء في إنجيل يوحنا الإصحاح الأول العدد 46 عن نثنائيل «فَقَالَ لَهُ نَثَنَائِيلُ: «أَمِنَ النَّاصِرَةِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ صَالِحٌ؟» (يوحنا 1: 46)

رغم أن “نثنائيل” نفسه من الناصرة، من المعروف بأن المسيح دُعي ناصريًا كما هو في إنجيل متى الإصحاح 2 العدد 23 «…إِنَّهُ سَيُدْعَى نَاصِرِيًّا» (متى 2: 23)

وبعد موت وقيامة وصعود هذا الناصري، بدأ الخلاف بين أتباعه من اليهود وغير اليهود، وممن كانوا يُبشّرون غير اليهود بالمسيح.

على مسألة الختان المؤمنين الجُدد، أو من غير أصل يهودي طبعًا، كما ورد في أعمال الرّسل، الإصحاح 11 العدد 2 «وَلَمَّا صَعِدَ بُطْرُسُ إِلَى أُورُشَلِيمَ، خَاصَمَهُ الَّذِينَ مِنْ أَهْلِ الْخِتَانِ،»

وعدم تطبيقهم شريعة موسى، فيُعلم أحد الرّسل وهو واحد من أعمدة الكنيسة الأولى اسمه “يعقوب البار أو يعقوب القديس” في أعمال الرسل الإصحاح 15، الآية 20

«بَلْ يُرْسَلْ إِلَيْهِمْ أَنْ يَمْتَنِعُوا عَنْ نَجَاسَاتِ الأَصْنَامِ، وَالزِّنَا، وَالْمَخْنُوقِ، وَالدَّمِ.» (أعمال الرسل 15: 20)

 عن وصية لهؤلاء المؤمنون الجُدد بأن يمتنعوا عن الأكل من الذّبائح النّجسة كالخنزير مثلًا المقربة للأصنام وعن ارتكاب الزنى وعن تناول لحوم الحيوانات المخنوقة وعن الدمّ

وهي نفس المُحرّمات التي تحدّث عنها القرآن في سورة المائدة الآية 3

«حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ…» (المائدة: 3) إلى أخره.

وتحريم الزنا جاء في سورة الإسراء الآية 32 إلى أخره «وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً» (الإسراء: 32)

كلّ من آمن بالمسيح حينها، من اليهود وغير يهود، أخذوا اسم Nazareth`s/ Nazarenes النّصارى بلسان العرب

وأوّل تسمية للفرقة الأساسية لهؤلاء النصارى بالمسيحية كانت في كنيسة انطاكية بحسب أعمال الرسل الإصحاح 11 والعدد 26

«فَحَدَثَ أَنَّهُمَا اجْتَمَعَا فِي الْكَنِيسَةِ سَنَةً كَامِلَةً وَعَلَّمَا جَمْعًا غَفِيرًا. وَدُعِيَ التَّلاَمِيذُ «مَسِيحِيِّينَ» فِي أَنْطَاكِيَةَ أَوَّلًا.» (أعمال الرسل 11: 26)

وذلك في بدايات في المنتصف الثاني القرن الأول الميلادي

وكانت هناك فرقة أخرى أشار إليها، أو أشارت إليها رسائل بولس في رسالته لكنيسة أهل غلاطية حيث يقول عنهم:

«…قَوْمٌ يُزْعِجُونَكُمْ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُحَوِّلُوا إِنْجِيلَ الْمَسِيحِ» (غلاطية 1: 7)

أي بشارة المسيح، وينصح أي “بولس” في كلامه المؤمنين في كنيسة غلاطية، ويُحذّرهم من هؤلاء بقوله «وَلكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ «أَنَاثِيمَا»! (غلاطية 1: 8)  أي ملعون

هؤلاء المزعجون بحسب الرّسول بولس يقول عنهم كذلك في الإصحاح الثاني من نفس الرسالة «…الإِخْوَةِ الْكَذَبَةِ الْمُدْخَلِينَ خُفْيَةً…» (غلاطية 2: 4)

صارت مواجهة بينه وبين الرسول “بطرس” ولامه كما لام يعقوب البار على أنّه كان خائفًا من الذين هم من الختان في العددين 11 و 12 «…خَائِفًا مِنَ الَّذِينَ هُمْ مِنَ الْخِتَانِ» (غلاطية 2: 12)

وفي بداية الإصحاح الثالث أشار إلى بعضهم بالغباء «أَيُّهَا الْغَلاَطِيُّونَ الأَغْبِيَاءُ، مَنْ رَقَاكُمْ (أي بين قوسين من سحركم بالرقية)  حَتَّى لاَ تُذْعِنُوا لِلْحَقِّ؟ أَنْتُمُ الَّذِينَ أَمَامَ عُيُونِكُمْ قَدْ رُسِمَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ بَيْنَكُمْ مَصْلُوبًا!» (غلاطية 3: 1)

وكرّر كلمة غباء مرّة أخرى وسألهم سؤلًا يحتاج فعلًا إجابة

«…أَبَعْدَمَا ابْتَدَأْتُمْ بِالرُّوحِ تُكَمَّلُونَ الآنَ بِالْجَسَدِ؟» (غلاطية 3: 3)

فنعت هؤلاء المُزعجون بالغباء، يعني أنّهم غير عقلاء فقراء الفكر والمعرفة

وبهذا النعت أصبحوا معروفين بالفُقراء، الفقراء أو الفرقة الأبيونية المشتقة من الكلمة العبرية إبيونيم معناها فُقراء

نكتفي بهذا القدر، شكرًا للمشاهدة، نراكم في الحلقة القادمة، وإلى اللقاء!


Download text file

Early History of Islam 034

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 107 | مَلَكَة اليمين (الجزءالثاني)
أهلًا بالجُمهور الكريم! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن موضوع ملكت [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 106 | مَلَكَة اليمين (الجزء الأول)
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في أيامنا هذه كثُر الحديث عن رجوع جماعة [...]
7 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 105 | الخريطة الدينية لأرض الحجاز عند ظهور الإسلام
أهلًا بالمُتابعين الكرام! لقد قدّمنا سلسلة من الحلقات حول موضوع البيئة [...]
2 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 104 | الأصل اللغوي للقرآن
أهلًا سهلًا بالجمهور بالمُتابعين الكرام! رأينا في الحلقة السابقة سلسلة [...]
9 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 103 | مقارنة مخطوطات مدراش ربا، وصحيح البخاري
أعزّائي المُتابعين أهلًا وسهلًا بكم! رأينا في الحلقة السابقة الرابط [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 102 | هل القرآن ثمرة عمل جماعي؟
أهلًا بالمُتابعين الكرام! لم نُكمل بعد سلسلة حلقات البيئة التي ظهر [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 101 | التأثير المباشر على القرآن
أهلًا بالمُشاهدين الكرام! في الحلقة 99 من هذا البرنامج، تحدّثنا على [...]
15 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 100 | خلاصة مائة حلقة من البرنامج
أهلًا بالمُتتبّعين الكرام!  بفضل تشجيعكم وتفاعلكم مع المواضيع التي [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 99 | هل تلقى الرسول تعليمه على يد أعاجم؟
أعزائي المُشاهدين، أهلًا وسهلًا بكم في حلقة جديدة من برنامج (التاريخ [...]
7 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 98 | خلاصة دراسة اسم مريم بنت عمران
أهلًا بكم أعزائي المُشاهدين! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن مسألة خلط [...]
10 views

Page 3 of 13

اترك تعليقاً