التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 36 | التاريخ المادي للحجر الأسود

أهلًا بكُم!

في هذه الأيام انتشرت صورة (لراجمة صواريخ باتريوت) لحماية الكعبة، الصورة مأخوذة جنب الكعبة أو مكّة

وصار هناك نقاش في مواقع التواصل الاجتماعي حول صحّة هذه الصورة أم عدمها

المهم، إنه دار بيني وبين الأستاذة “سوها الدُمراسي” من فرنسا حوار حول الحجر الأسود تاريخه

وقدّمت لها بعض المعلومات وأريد أن أشارككم بها.

لا شكّ أنّ الحجر الأسود مُجرّد حجر كان بعض العرب وغيرهم من الوثنيين، يُقدّسونه وُيعظّمونه

ورغم عدم ذكره في القُرآن إلا أنّه مُقدّس عند المسلمين بحسب العديد من الأحاديث مُعظمها عن “ابن عبّاس”

ممّا يوضّح أن ّهذه الأحاديث غالبًا كُتبت في العصر العباسي،

لا ندخُل في متاهات هل هي صحيحة أم ضعيفة؟

نذكر منها أنّ حجرًا نزل من السماء كان في الجنّة، روي أو روى الترمذي عن بن عباس عن النبي محمّد صلى الله عليه وسلم أنه قال:

“نزل الحجر الأسود من الجنّة أبيض من الثلج، فسوّدته خطايا بني آدم” (رواه الترمذي)

وفي( أخبار مكة) للأزرقي، وفي رواية بن كثير في (تفسيره)، والحاكم (مستدركه) أنّ “إبراهيم” الخليل عندما شرع في بنائه لبيت الحرام أتى الملاك جبريل بالحجر الأسود من السماء ليضعه في مكانه من البيت

وهو بالمناسبة في الركن الجنوبي الشرقي، أو جنوب شرقي من ما تُسمّى حاليًا بالكعبة.

وكان لهذا الحجر أو كانت لهذا الحجر كرامات ومُعجزات كثيرة منها: عن بن عباس “لولا ما مسّه من أيدي الجاهلية لأبرأ الأكمه والأبرص”

وهو ليس مُجرّد حجر كباقي الأحجار، وإنّما هو يمين الله، أي يده اليُمنى.

عن ابن عبّاس قال: “الركن (يقصد الحجر الأسود) يمين الله في الأرض، يُصافح بها خلقه، والذي نفسي بيده ما من امرئ مُسلم يسأل الله عنده شيئًا إلّا أعطاه إيّاه”

ما سرّ هذا الحجر؟ وما قصّة تاريخه؟

كما رأينا في الحديث أنّه حجر نزل من السماء، وأتى به الملاك جبريل من الجنّة ليضعه أبو الأنبياء “إبراهيم الخليل” في رُكن البيت

وهذه الرواية أدمجت بين روايتين، رواية وثنيّة، ورواية كتابيّة.

للخروج برواية إسلاميّة وعندما نقول كتابيّة نعني بها من أصل نصوص يهوديّة أو مسيحيّة

نبدأ بالرواية الوثنية، فبعض العرب الوثنيين، كانوا يعبدون الأحجار لأنّهم كانوا يعتقدون أنّ الآلهة تسكُن فيها، وخاصة النيازك التي تسقُط من السماء

وربما الحيث في (صحيح البخاري) عن “الصلت بن محمد” هو صدى لتلك العبادات.

فعن “أبا رجاء العُطاردي” يقول:

“كنّا نعبد الحجر، فإذا وجدنا حجرًا هو أخير منه، ألقيناه وأخذنا الأخر، فإذا لم نجد حجرًا جمعنا جثوة من تُراب ثم جئنا بالشاة فحلبناه عليه ثمّ طفنا به…”

هذا الحجر المقدّس كان يُمسّى عن العرب الوثنيين ببيت الله،

وباللغة الآرامية (بيتال( وباللغة اليونانية (بيتالوس)، وبالعبرية (بيت إيل)

وعلى ذكر الكلمة اليونانية، بيتالوس أو فيتالوس، في الميثولوجيا اليونانية،

نجد أنّ الإلهة “رايا” بنت الإلهة “جايا” ربة الأرض، تزوجت راية من أخيها “كورونوس”

وكلما ولدت ابنًا كانت تقدّمه له ليبتلعه، حتى لا يقع له ما فعل هو بأبيه وفي نفس الوقت أخيه الأكبر “أورانيوس”

وعند ولادة “زييوس” أو زوس أو “جوبيتير” عند الروم، قامت ولادته “رايا” بحيلة بدلًا من تقدّم له المولود زييوس

قدّمت له حجرًا مقمتًا وابتلع الحجر دون أن يشعُر بالخديعة،

فعندنا كبر زييوس، أجبر والده على إخراج الحجر الأسود أو هذا الحجر وإخوته من جوفه

وأصبح هو أي زييوس إله السماء والصاعقة، ولتكريم هذا الحجر وتقديسه

وضعه أي زييوس في مركز الأرض، التي هي بدورها مركز الكون، بحسب الاعتقاد القديم

فتقول الأسطورة: “إنّ زييوس أطلق نسرين من أطراف الأرض مُتقابلين ليطريا نحو مركز الأرض، فلتقيا في ديفيس باليونان، فوضع الحجر هنا وجعل الحية المقدسة لحراسته”

وهنا نتذكر ما شاع عن مكّة أنّها مركز الأرض، وفي سيرة ابن هشام عن الحيّة التي كانت تسكن في بئر الكعبة

حيث يُطرح فيها ما يهدى للكعبة من ذبائح، فكان أهل قريش يهابونها حتى جاء نسر فخطفها

وأوّل وجود لذكر تقديس حجر أسود في التاريخ المادّي يوجد على عُملة ذهبية للإمبراطور “Heligabalus” حكم ما بين 218 و 222 ميلادية

وكان قبل حكمه الكاهن الأكبر لمعبد الإله “Elagabalus” الجبل أو إله الجبل

فهذا المكان بالقُرب من حمص في سوريا،

ففي هذه العُملة تظهر أو يظهر هذا الحجر الأسود في عربة تجرّها خيول بمُناسبة نقله إلى روما عاصة الإمبراطورية في فترة حُكمه

لتقديسه وإجلاله، وبعد موته أي هذا الإمبراطور ارجع الحجر لمكانه في المعبد ونجد عملة أخرى للإمبراطور “أورانيوس Uranyus” سنة 253 – 254 ميلادية

يظهر الحجر في المعبد، هناك بقايا لحائط لمعبد الإله (بعل) في مدينة تدمُر الأثرية بالقُرب من حمص تقريًا 160 كيلو متر

يوجد على هذا النقش أو هذا المنحوت جمل يحمل هودجًا بداخله الحجر الأسود بيتال

ووراءه 3 نساء تغطين رؤوسهنّ بانحناء وكأنهنّ يودعنه بحُزن

يعود هذا النقش لفترة مملكة تدمُر ما بين سنة 26 و 273 ميلادية

كانت مدينة تدمُر مركزًا دينيًا وتجاريًا مهمًا للقوافل، تحكم على منطقة شاسعة كان ابنها هبة اللّات وليًا على مصر

ويُعتبر معبد بعل هذا من أضخم وأهم المعابد في الشرق القديم مُنذ القرن الأوّل الميلادي

ولعلّه بسبب انتصارات “أورليانوس Aureliaus ” الإمبراطور الروماني واقترابه من تدمُر سنة 271 ميلادية

أرسلت الملكة “زنوبيا” هذا الحجر المُقدّس بيتال إلى وجهة بعيدة عن الأعداء الروم،

وفي الحلقة القادمة نُحاول معرفة الجهة التي نُقل إليها هذا الحجر، وإلى اللقاء!


Download text file

Early History of Islam 036

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 107 | مَلَكَة اليمين (الجزءالثاني)
أهلًا بالجُمهور الكريم! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن موضوع ملكت [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 106 | مَلَكَة اليمين (الجزء الأول)
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في أيامنا هذه كثُر الحديث عن رجوع جماعة [...]
7 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 105 | الخريطة الدينية لأرض الحجاز عند ظهور الإسلام
أهلًا بالمُتابعين الكرام! لقد قدّمنا سلسلة من الحلقات حول موضوع البيئة [...]
2 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 104 | الأصل اللغوي للقرآن
أهلًا سهلًا بالجمهور بالمُتابعين الكرام! رأينا في الحلقة السابقة سلسلة [...]
9 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 103 | مقارنة مخطوطات مدراش ربا، وصحيح البخاري
أعزّائي المُتابعين أهلًا وسهلًا بكم! رأينا في الحلقة السابقة الرابط [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 102 | هل القرآن ثمرة عمل جماعي؟
أهلًا بالمُتابعين الكرام! لم نُكمل بعد سلسلة حلقات البيئة التي ظهر [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 101 | التأثير المباشر على القرآن
أهلًا بالمُشاهدين الكرام! في الحلقة 99 من هذا البرنامج، تحدّثنا على [...]
15 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 100 | خلاصة مائة حلقة من البرنامج
أهلًا بالمُتتبّعين الكرام!  بفضل تشجيعكم وتفاعلكم مع المواضيع التي [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 99 | هل تلقى الرسول تعليمه على يد أعاجم؟
أعزائي المُشاهدين، أهلًا وسهلًا بكم في حلقة جديدة من برنامج (التاريخ [...]
7 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 98 | خلاصة دراسة اسم مريم بنت عمران
أهلًا بكم أعزائي المُشاهدين! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن مسألة خلط [...]
10 views

Page 3 of 13

اترك تعليقاً