التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 70 | نبأ سورة المدثر عن كورونا كوفيد 19؟

أهلًا بكم أعزّائي المُشاهدين!

نبقى في نظرية الأستاذ Guillaume Dye حول تكوين طبقات النصّ القُرآني، ويُمكن إضافة أمثلة كثيرة من هذا النوع

وبما أنّنا في عصر الوباء الفتّاك كورونا كوفيد 19 نختار سورة المُدّثر كمثال عن وجود هذه الطبقات في تكوين النصّ القُرآني

وقبل أن نتحدّث عن الآية التي تُظهر هذه الإشكاليّة، نُشير بعُجالة لأقوال وليدة اللّحظة

حيث طلع علينا بعض الإخوة في الإنسانيّة من أهل الإعجاز العلمي في القُرآن، ليُخبروننا أنّ سورة المُدثر تتحدّث وتُنبّؤنا عن هذا الفيروس بعد أكتر من 14 قرن

فتطهير الثياب كوسيلة للتعقيم، والقيام بالتكبير بالدعاء والصحّة ورفع الوباء عن المُسلمين، وترك الرجس من مُحرّمات تُسبّب مخاطر للبشرية طريقة فعّالة في مُحاربة هذا الفيروس

وهذا التفسير لم يقُم على قواعد عليمة ولم يخطُر حتى على بال أي مُفسّر من أهل التأويل القدماء

هذا الإعجاز الذي ظهر فجأة في هذه الأزمة، كلّ التفاسير تقول بطلب إلهي لنبيّهم محمّد، بأن يقوم من نومه لينذر قومه وعشيرته، وأن يبتعد عن الرجس ويُطهّر نفسه ولا دخل لكورونا وأنواع الطاعون الذي قد ينتشر بين البشر في سياق نصّ سورة المُدثر

بداية قراءة سورة المُدثر جاءت ضمن مبدأ ما يُسمّى أسباب النزول، فاعتُبر هذا المُدثر هو محمّد نفسه

حيث تقول السيرة النبوية التي أتت طبعًا بعد قرن ونصف من الحدث، بأنّ النبي عند تعبُّده وتأمُّله وتحنُّثه في غار حراء،

بعدما وصل لعمر الأربعين، نزل عليه ملاك يدعوه للقراءة، إقرأ.

وبعد تجربة ليست بالسهلة من الناحية النفسية شعر الرسول بخوق وتعب، طرحته الفراش رغم تهدئة زوجته له ودعمه بما يحتاجه من طمأنينة وإجبار الخاطر كما تقول الرواية

غريب بالفعل أن يُحدث ملاك من الله كلّ هذا الهلع والخوف للرسول رغم ما يمتلكه هذا الأخير، أي الرسول من مؤهّلات لتلقّي الرسالة

فهو الذي أختار التّعبُّد والتأمُّل وصفاء الذّهن في غار مُعتزل عن العالم،

بحسب الكتب المُقدّسة فظهور ملائكة لأناس مُختارين، لا يسبب مثل هذا الهلع والخوف

 من هؤلاء نساء وكذلك رجال كبار في السنّ، ولا توجد مثل هذا الشعور عفوًا عند المُتلقي من هذه مثل هذه الظهورات

فهل هذه القصّة مُجرّد حكاية من بداية لإثبات النبوّة، أم هي آية تدعو كلّ مؤمن أن يقوم من نومه وكسله لكي يقوم بالدعوة إلى الله، ولا دخل لهذه القصة في الموضوع

فقد فكر الأستاذ “كرستوفر لوكسمبرج” في هذه الإشكاليّة واستبعدها تمامًا، لأنّها ليس طريقة الوحي بل نوع من التهيؤات التي تُصيب بعض المرضى النفسيين

 لكنّه نزّه الرسول محمّد عن هذه الأمراض العقلية كصرع الفصّ الصدغي

وهو نوع من epilepsy الحاد الذي يُشبه نوبات ما ذكر عن نوبات وحي محمّد

وبالتالي يقرأ الدكتور “كرستوفر لوكسمبرج” العبارة بدل من «يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ» (المدثر: 1) يقول: «يا أيها المُدبّر» بالياء كما جاء في سورة النازعات الآية 5 «فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا»

والتدبير فيما أمره أن يتدبّره، والمُدبّر بحسب أستاذي “لوكسمبرج” في الثقافة السريانية عن راهب الذي يتفكّر في أمر الله وينظُر في عواقبه

فموضوعنا ليس البحث عمّن المخاطب هنا في هذه السورة، هل محمّد أم أي مؤمن من المؤمنين، أو الراهب الذي يتدبر الأمور الإلهية

 وإنما ما يُفيدونا طبقات تكوين النصّ القُرآني

وعندما نقول النصّ القُرآني، فنعني به نصّ مُصحف عُثمان، وليس القُرآن الذي كان بين يدي محمّد

فذلك قُرآن وهذا مُصحف، وقد اختلف فيه الصحابة أو كبار الصحابة كأمثال “عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وعلي بن أبي طالب” وغيره

ولا دليل علمي على حفظ القُرآن من الرسول والإجماع عليه

على قول “عبد الله بن عمر” على سبيل المثال “لا يقولن أحدكم قد أخذت القُرآن كله. وما يدريه ما كلّه قد ذهب منه قُرآن كثير”

ما نُلاحظه في سورة المُدثر بوضوح شديد، هو تميّز الآية 31 عن باقي الآيات في الطول،

 حيث يبلغ عدد كلماتها 5 مرات أضعاف أطول آية موجودة في هذه السورة وهي الآية الأخيرة

«وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً ۙ وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا ۙ وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ ۙ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ» (المُدّثر: 31)

كذلك تختلف من حيث السّجع والقافية، وكلّ آية في هذه السورة تُقدّم لنا مُعطى تدبيري في الأمور والنواهي

بخلاف الآية التي نحن بصددها الآية 31 فهي تُقدّم لنا تفسيرًا وشرحًا للآية التي سبقتها وهي الآية «عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ» (المدثر: 30) تُفيد أنّهم الملائكة الذين يحرسون سقر أي جهنّم

 فالعدد 19 كما قراءها جمهور القرآن ما هي «إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ»

وهنا لنا وقفة للتدبير والتأمُّل، لماذا هي فتنة؟

الجواب يُقدّمه لنا أهل الكتاب لأنّهم هم الذين مُتيّقنون من عدد الملائكة بحسب إيمانهم

 فنجد عدد أنواع الملائكة عندهم 9 أنواع بحسب الكتاب المُقدّس وكتب التقليد الكنسي الأصولي

وكتب التسبيحا Epsalmodia  من كلمة ψαλμος  ومعناها المزمور أو النشيد، وبالتالي فعدد أنواع الملائكة هي 9 عِشر أي تسعة عشائر

وهي السارفيم والكاروبيم والعروش، والقوّات، والسلاطين، والسيادات، والرياسات، ورؤساء الملائكة وأخيرًا الملائكة العاديين

تجدونها في العهد الجديد في إنجيل (متى ولوقا وأعمال الرسل وسفر الرؤيا) ثم في التّناخ كسفر دانيال على سبيل المثال

وبهذا المعنى قرأ الأستاذ “لوكسمبرج” وبالتالي فالآية 31 من سورة المُدثّر جاءت لتُظهر الخلاف والفتنة في صفوف الكفّار في عدد أنواع الملائكة كحرّاس جهنم، وتسعة عشائر ومجموعات عند أهل الكتاب

ونظرًا للوظيفة المُختلفة لهذه الآية عند باقي جميع آيات سورة المُدثّر

يمكن القول: بنظرية الأستاذ  Guillaume Dye واعتبار هذه الآية أُضيفت على النصّ الأصلي لإظهار إشكاليّة عدد أنواع الملائكة كهامش تفسيري

فأدخلت عن طريق الخطأ إلى النصّ الأصلي في المرحلة الثالثة، مرحلة جمع القُرآن

كالآيتين 8 و 9 من سورة الرحمن التي رأيناها في الحلقة الماضية

أُدخلت على آية الميزان المياه السماويّة في خلق السماوات والأرض

ولهذا نكتفي بهذا القدر، وإلى اللقاء في الحلقة القادمة!


Download text file

Early History of Islam 070

You may also like

التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 107 | مَلَكَة اليمين (الجزءالثاني)
أهلًا بالجُمهور الكريم! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن موضوع ملكت [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 106 | مَلَكَة اليمين (الجزء الأول)
أهلًا بالمُتابعين الكرام! في أيامنا هذه كثُر الحديث عن رجوع جماعة [...]
7 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 105 | الخريطة الدينية لأرض الحجاز عند ظهور الإسلام
أهلًا بالمُتابعين الكرام! لقد قدّمنا سلسلة من الحلقات حول موضوع البيئة [...]
2 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 104 | الأصل اللغوي للقرآن
أهلًا سهلًا بالجمهور بالمُتابعين الكرام! رأينا في الحلقة السابقة سلسلة [...]
9 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 103 | مقارنة مخطوطات مدراش ربا، وصحيح البخاري
أعزّائي المُتابعين أهلًا وسهلًا بكم! رأينا في الحلقة السابقة الرابط [...]
4 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 102 | هل القرآن ثمرة عمل جماعي؟
أهلًا بالمُتابعين الكرام! لم نُكمل بعد سلسلة حلقات البيئة التي ظهر [...]
5 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 101 | التأثير المباشر على القرآن
أهلًا بالمُشاهدين الكرام! في الحلقة 99 من هذا البرنامج، تحدّثنا على [...]
15 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 100 | خلاصة مائة حلقة من البرنامج
أهلًا بالمُتتبّعين الكرام!  بفضل تشجيعكم وتفاعلكم مع المواضيع التي [...]
1 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 99 | هل تلقى الرسول تعليمه على يد أعاجم؟
أعزائي المُشاهدين، أهلًا وسهلًا بكم في حلقة جديدة من برنامج (التاريخ [...]
7 views
التاريخ المبكر للإسلام | الحلقة 98 | خلاصة دراسة اسم مريم بنت عمران
أهلًا بكم أعزائي المُشاهدين! في الحلقة الماضية تحدّثنا عن مسألة خلط [...]
10 views

Page 3 of 13

اترك تعليقاً